الموسوعة العقدية

المبحثُ الثَّالِثُ: انقِسامُ البِدعةِ إلى اعتِقاديَّةٍ وعَمَليَّةٍ

فالاعتِقاديَّةُ كمَقالاتِ المُعتَزِلةِ والرَّافِضةِ وسائِرِ الفِرَقِ الضَّالَّةِ واعتِقاداتِهم. ومِثلُها من الفِرَقِ الَّتي ظَهرَت في هذه العُصورِ المُتَأخِّرةِ كالقاديانيَّةِ، والبَهائيَّةِ، وكَذا جَميعُ الفِرَقِ الباطِنيَّةِ المُتَقدِّمةِ كالإسماعيليَّةِ، والنُّصيريَّةِ، والدُّروزِ، وغُلاةِ الرَّافِضةِ، وغَيرِهم.        
أمَّا العَمَليَّةُ فتحَتُها أنواعٌ:
النَّوعُ الأوَّلُ: بدعةٌ في أصلِ العِبادةِ بأن يُحدِثَ عِبادةً لَيسَ لَها أصلٌ في الشَّرعِ، كأن يُحدِثَ صَلاةً غَيرَ مَشروعةٍ، أو صيامًا غَيرَ مَشروعٍ، أو أعيادًا غَيرَ مَشروعةٍ.
النَّوعُ الثَّاني: ما يَكونُ في الزِّيادةِ على العِبادةِ المَشروعةِ، كما لَو زادَ رَكعةً خامِسةً في صَلاةِ الظُّهرِ أوِ العَصرِ مَثَلًا.
النَّوعُ الثَّالِثُ: ما يَكونُ في صِفةِ أداءِ العِبادةِ، بأن يُؤَدِّيَها على صِفةٍ غَيرِ مَشروعةٍ، وذلك كأداءِ الأذكارِ المَشروعةِ بأصَواتٍ جَماعيَّةٍ مُطربةٍ، وكالتشديدِ على النَّفسِ في العِباداتِ إلى حَدٍّ يُخرِجُ عن سُنَّةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
النَّوعُ الرَّابِعُ: ما يَكونُ بتَخصيصِ وقتٍ للعِبادةِ المَشروعةِ لم يُخَصِّصْهُ الشَّرعُ، كتَخصيصِ يَومِ النِّصفِ من شَعبانَ ولَيلَتِه بصيامٍ وقيامٍ، فأصلُ الصِّيامِ والقيامِ مَشروعٌ ولَكِنْ تَخصيصُه بوَقتٍ من الأوقاتِ يَحتاجُ إلى دَليلٍ [1149] يُنظر: ((الإبداع في مضار الابتداع)) لعلي محفوظ (ص: 46)، ((الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد)) لصالح الفوزان (ص: 322)، ((تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من الأخطار)) لصالح السحيمي (ص: 100). .
قال ابنُ عُثَيمين: (إنَّ المُتابَعةَ لا تَتَحَقَّقُ إلَّا إذا كان العَمَلُ موافِقًا للشَّريعةِ في أمورٍ سِتَّة:
الأوَّلُ: السَّبَبُ. فإذا تَعَبَّد الإنسانُ للهِ عِبادةً مَقرونةً بسَبَبٍ لَيسَ شَرعيًّا فهيَ بدعةٌ مَردودةٌ على صاحِبِها، مِثالُ ذلك أنَّ بَعضَ النَّاسِ يُحيي لَيلةَ السَّابِعِ والعِشرينَ من رَجبٍ بحُجَّةِ أنَّها اللَّيلةُ الَّتي عُرِجَ فيها برسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فالتهَجُّدُ عِبادةٌ ولَكِن لَمَّا قُرِنَ بهذا السَّبَبِ كان بدعةً؛ لأنَّه بنى هذه العِبادةَ على سَبَبٍ لم يَثبُت شَرعًا. وهذا الوَصفُ -موافَقةُ العِبادةِ للشَّريعةِ في السَّبَبِ- أمرٌ مُهمٌّ يَتَبَيَّنُ به ابتِداعُ كَثيرٍ مِمَّا يُظَنُّ أنَّه من السُّنَّة، ولَيسَ من السُّنَّة.
الثَّاني: الجِنسُ. فلا بُدَّ أن تَكونَ العِبادةُ موافِقةً للشَّرعِ في جِنسِها، فلَو تَعبَّدَ إنسانٌ لِلهِ بعِبادةٍ لم يُشرَعْ جِنسُها فهيَ غَيرُ مَقبولةٍ، مِثالُ ذلك أن يُضَحِّيَ رَجُلٌ بفَرَسٍ، فلا يَصِحُّ أضحيَّةً؛ لأنَّه خالَفَ الشَّريعةَ في الجِنسِ، فالأضاحيُّ لا تَكونُ إلَّا من بهيمةِ الأنعامِ: الإبلِ، البَقرِ، الغَنَمِ.
الثَّالِثُ: القَدْرُ. فلَو أرادَ إنسانٌ أن يَزيدَ صَلاةً على أنَّها فريضةٌ، فنَقولُ: هذه بِدعةٌ غَيرُ مَقبولةٍ؛ لأنَّها مُخالِفةٌ للشَّرعِ في القَدْرِ، ومن بابِ أولَى لَو أنَّ الإنسانَ صَلَّى الظُّهرَ مَثَلًا خَمسًا، فإنَّ صَلاتَهُ لا تَصِحُّ بالاتِّفاقِ.
الرَّابِعُ: الكَيفيَّةُ. فلَو أنَّ رَجُلًا توَضَّأ فبَدَأ بغَسلِ رِجلَيه، ثُمَّ مَسحَ رَأسَه، ثُمَّ غَسلَ يَدَيه، ثُمَّ وَجْهَهُ، فنَقولُ: وضُوءُه باطِلٌ؛ لأنَّه مُخالِفٌ للشَّرعِ في الكَيفيَّةِ.
الخامِسُ: الزَّمانُ. فلَو أنَّ رَجُلًا ضَحَّى في أوَّلِ أيَّامِ ذي الحِجَّةِ فلا تُقبَلُ الأضحيَّةُ لِمُخالَفةِ الشَّرعِ في الزَّمانِ. وسَمِعتُ أنَّ بَعضَ النَّاسِ في شَهرِ رَمضانِ يَذبَحونَ الغَنَمَ تَقَرُّبًا للهِ تعالى بالذَّبحِ، وهذا العَمَلُ بدعةٌ على هذا الوَجهِ؛ لأنَّه لَيسَ هُناكَ شَيءٌ يُتَقَرَّبُ به إلى اللهِ بالذَّبحِ إلَّا الأضحيَّةُ والهَدْيُ والعَقيقةُ؛ أمَّا الذَّبحُ في رَمضانَ مَعَ اعتِقادِ الأجرِ على الذَّبحِ كالذَّبحِ في عيدِ الأضحَى فبِدعةٌ. وأمَّا الذَّبحُ لأجلِ اللَّحمِ فهذا جائِزٌ.
السَّادِسُ: المَكانُ. فلَو أنَّ رَجُلًا اعتَكَفَ في غَيرِ مَسجِدٍ فإنَّ اعتِكافَهُ لا يَصِحُّ؛ وذلك لأنَّ الاعتِكافَ لا يَكونُ إلَّا في المَساجِدِ، ولَو قالتِ امرَأةٌ: أريدُ أن أعتَكِفَ في مُصلَّى البَيتِ. فلا يَصِحُّ اعتِكافُها لمُخالَفةِ الشَّرعِ في المَكانِ. ومن الأمثِلةِ لَو أنَّ رَجُلًا أرادَ أن يَطُوفَ فوجَدَ المَطافَ قد ضاقَ ووَجَدَ ما حَولَهُ قد ضاقَ فصارَ يَطُوفُ من وراءِ المَسجِدِ فلا يَصِحُّ طَوافُه؛ لأنَّ مَكانَ الطَّوافِ البَيتُ، قال اللَّهُ تعالى لإبراهيمَ الخَليلِ: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج: 26] .
فالعِبادةُ لا تَكونُ عَمَلًا صالِحًا إلَّا إذا تَحَقَّقَ فيها شَرطانِ:
الأوَّلُ: الإخلاصُ. الثَّاني: المُتابَعةُ، والمُتابَعةُ لا تَتَحَقَّقُ إلَّا بالأمورِ السِّتَّةِ الآنِفةِ الذِّكْرِ) [1150] يُنظر: ((الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع)) (ص: 21-24). .

انظر أيضا: