الموسوعة العقدية

الفَرعُ الثَّاني: من آثارِ التبَرُّكِ الممنوعِ: الابتِداعُ

التبَرُّكُ الممنوعُ ابتداعٌ في الدِّينِ، ليس عليه دليلٌ مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ، ولم يفعَلْه السَّلَفُ الصَّالحُ، وهو مخالِفٌ للتبَرُّكِ المشروعِ الذي دَلَّت عليه الأدِلَّةُ الشَّرعيَّةُ، إلَّا أنَّ بِدْعيَّتَه تتفاوَتُ بحسَبِ اختلافِ صُوَرِه وكيفيَّتِه؛ فمنه ما يَصِلُ إلى حدِّ الشِّركِ، ومنه ما هو أَدنى من ذلك.
وكما أنَّ التبَرُّكَ الممنوعَ بِدعةٌ في ذاتِه، فهو أيضًا يجُرُّ إلى بِدَعٍ أُخرى، وهذا هو شأنُ البِدَعِ؛ فإنَّ فِعلَ القليلِ منها يؤدِّي إلى فِعلِ الكثيرِ مِنَ البِدَعِ الأُخرى، فمثلًا من النتائِجِ السَّيِّئةِ للتبَرُّكِ الممنوعِ بقُبورِ الأنبياءِ والصَّالحينَ: بناءُ المساجِدِ عليها، وبناءُ القِبابِ فَوقَها، وزَخرفةُ القُبورِ وتشييدُها، وكذا بناءُ المساجِدِ على آثارِ الأنبياءِ والصَّالِحين، ونحوُ ذلك من الأعمالِ المحدَثةِ في الإسلامِ، كما أنَّ التبَرُّكَ الممنوعَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد وفاتِه أدَّى إلى إحداثِ المولدِ النَّبويِّ والاحتفالِ به، ثمَّ أُقيمت احتِفالاتٌ لأعيادٍ أُخرى مُبتَدَعةٍ، في مواسِمَ مُتفَرِّقةٍ؛ كليلةِ الإسراءِ والمعراجِ، وذِكرى الهِجرةِ، وغيرِ ذلك.
فلا يجوزُ التهاوُنُ في شأنِ البِدْعةِ مهما صغُرَت؛ فإنَّها تتدَرَّجُ حتى تَكبُرَ وتَعظُمَ، ويشتَدَّ خَطَرُها وأَثَرُها [695] يُنظر: ((شرح كتاب فضل الإسلام)) لابن باز (ص: 61)، ((التبرك أنواعه وأحكامه)) لناصر الجديع (ص: 487). .
عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يقولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، ويقولُ: ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ))، وَيَقْرُنُ بيْنَ إصْبَعَيْهِ؛ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، ويقولُ: ((أَمَّا بَعْدُ، فإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وَكُلَّ بدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )) [696] أخرجه مسلم (867). .
قال البَرْبهاريُّ: (اعلَمْ أنَّ النَّاسَ لم يبتَدِعوا بِدعةً قَطُّ حتى ترَكوا من السُّنَّةِ مِثْلَها؛ فاحذَرِ المحْدَثاتِ مِن الأمورِ؛ فإنَّ كُلَّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ، وكُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ، والضَّلالةُ وأهلُها في النَّارِ، واحذَرْ صِغارَ المحْدَثاتِ مِن الأمورِ؛ فإنَّ صغيرَ البِدَعِ يعودُ حتى يصيرَ كبيرًا، وكذلك كُلُّ بدعةٍ أُحدِثَت في هذه الأُمَّةِ؛ كان أوَّلُها صغيًرا يُشبِهُ الحَقَّ، فاغتَرَّ بذلك من دَخَل فيها، ثمَّ لم يستَطِعِ الخُروجَ منها، فعَظُمت وصارت دينًا يُدانُ به، فخالف الصِّراطَ المستقيمَ؛ فخرج من الإسلامِ) [697] يُنظر: ((شرح السنة)) (ص: 37). .
قال سفيانُ الثَّوريُّ: (البِدعةُ أحَبُّ إلى إبليسَ مِن المعصيةِ؛ المعصيةُ يُتابُ منها، والبِدعةُ لا يُتابُ منها) [698] يُنظر: ((حقيقه السنة والبدعة)) للسيوطي (ص: 81). .

انظر أيضا: