الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الثَّاني: مِن أنواعِ التبَرُّكِ المشروعِ: التبَرُّكُ بتلاوةِ القُرآنِ الكريمِ

قال اللهُ تعالى: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الكهف: 27] .
ولتلاوةِ القُرآنِ الكريمِ بَرَكاتٌ عَظيمةٌ، وفضائِلُ كثيرةٌ في الدِّينِ والدُّنيا.
فمِنَ البَرَكاتِ الدِّينيَّةِ لتلاوةِ القُرآنِ:
1- دُخولُ الجَنَّةِ:
قال اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ * وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فاطر: 29 - 35] .
2- شَفاعتُه لأصحابِه يومَ القيامةِ:
فعن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اقْرَؤُوا القُرْآنَ؛ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ )) [542] أخرجه مسلم (804). .
3- أنَّ مجالِسَ تلاوةِ القُرآنِ ومُدارستِه مِن أسبابِ ذِكْرِ اللهِ لأهْلِها ونُزولِ السَّكينةِ عليهم وغِشْيانِ الرَّحمةِ وحُفوفِ الملائكةِ بهم
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((وما اجتَمَع قومٌ في بيتٍ مِن بُيوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ، ويتدارَسونَه بينهم، إلَّا نزلت عليهم السَّكينةُ، وغَشِيَتهم الرَّحمةُ، وحَفَّتْهم الملائِكةُ، وذكَرَهم اللهُ فيمن عِنْدَه )) [543] أخرجه مسلم (2699). .
ومِنَ البَرَكاتِ الدُّنيويَّةِ لتِلاوةِ القُرآنِ والعَمَلِ به:
1- كَثرةُ الأرزاقِ وسَعَتُها:
قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [المائدة: 66] .
أي: لو أنَّ اليهودَ والنَّصارى عَمِلوا بما في التَّوراةِ والإنجيلِ، وعَمِلوا بالقُرآنِ الذي أُنزِلَ إليهم مِن اللهِ تعالى، فصدَّقوا به، وامْتَثلوا أوامِرَه واجتَنَبوا نواهيَه؛ لأدرَّ اللهُ تعالى عليهم الرِّزقَ، بأنْ يُرسِلَ عليهم المطرَ من السَّماءِ، ويُخرِجَ لهم الثَّمراتِ من الأرضِ [544] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة المائدة)) (ص: 353). .
قال ابنُ كثير: (قَولُه: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ يعني بذلك: كَثْرةَ الرِّزقِ النَّازِلِ عليهم من السَّماءِ والنَّابِتِ لهم من الأرضِ.
وقال عليُّ بنُ أبي طَلحةَ عن ابنِ عبَّاسٍ: «لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ يعني: لأرسَلَ السَّماءَ عليهم مِدْرارًا، وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ يعني: يُخرِجُ مِن الأرضِ بَرَكاتِها». وكذا قال مجاهِدٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وقتادةُ، والسُّدِّيُّ، كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96] ) [545] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/148). .
وقال ابنُ عاشورٍ: (قد أومأَتِ الآيةُ إلى أنَّ سَبَبَ ضِيقِ مَعاشِ اليهودِ هو مِن غَضَبِ اللهِ تعالى عليهم؛ لإضاعتِهم التَّوراةِ، وكُفْرِهم بالإنجيلِ وبالقُرآنِ، أي: فتحَتَّمَت عليهم النِّقمةُ بعدَ نُزولِ القُرآنِ) [546] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/253). .
2- الاستِشفاءُ به
قال اللهُ تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82] .
أي: ونُنَزِّلُ من القُرآنِ ما هو شِفاءٌ لِما في قُلوبِ المُؤمِنينَ مِن الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ، وشِفاءٌ لِما في أبدانِهم مِن الأمراضِ، ورحمةٌ للمؤمنينَ العامِلينَ بما فيه، يكونُ سببَ نجاتِهم مِن العذابِ، ودُخولِهم الجنَّةَ، ونَيلِ السَّعادةِ الأبَدَيَّةِ [547] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة الإسراء)) (ص: 390). .

انظر أيضا: