الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الثَّاني: بدايةُ ظُهورِ شِرْكِ الرُّبوبيَّةِ بالأندادِ في هذه الأمَّةِ

لعَلَّ أوَّلَ شِركٍ في هذا الجانِبِ هو شِرْكُ عبدِ اللهِ بنِ سَبَأٍ [75] يُنظر: ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: 223). اليهوديِّ؛ حيث أشرَكَ باللهِ سُبحانَه في الرُّبوبيَّةِ بالأندادِ في الذَّاتِ؛ حيث غلا في عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه حتى زعَمَ أنَّه إلهٌ [76] يُنظر: ((البدء والتاريخ)) للمقدسي (5/125)، ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: 223)، ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (2/426)، ((لسان الميزان)) لابن حجر (3/289). ، كما أنَّه هو الرَّائِدُ في الإشراكِ باللهِ في الرُّبوبيَّةِ بالأندادِ في الصِّفاتِ والأفعالِ؛ حيثُ زَعَم: أنَّ عَلِيًّا له الحياةُ الدَّائِمةُ المُطلَقةُ، وله العِلمُ المحيطُ بكُلِّ شيءٍ، وله القُدرةُ الكامِلةُ الشَّامِلةُ على كُلِّ شَيءٍ، وأنَّه هو الذي يقومُ بمحاسَبةِ النَّاسِ يومَ القيامةِ، ويأتي بالأمطارِ، وسينتَقِمُ مِن أعدائِه [77] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/32)، ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: 223)، ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/177). ، وغيرَ ذلك من الاعتقاداتِ الباطِلةِ التي فيها شِركٌ في الرُّبوبيَّةِ بالأندادِ في الصِّفاتِ والأفعالِ.
وبهذا يمكِنُ القَولُ بأنَّ بدايةَ ظُهورِ شِرْكِ الرُّبوبيَّةِ بالأندادِ في الذَّاتِ إنَّما كان من عبِد اللهِ بنِ سَبَأٍ اليهوديِّ، وتَبِعَه أغلَبُ الرَّوافِضِ الغُلاةِ، والإسماعيليَّةُ، والعُبَيديَّةُ، والقرامِطةُ، والنُّصَيريَّةُ، والدُّروزُ، وغَيرُهم.
قال الشهرستانيُّ: (السبائيَّةُ: أصحابُ عبدِ اللهِ بنِ سَبَإٍ، الذي قال لعليٍّ كَرَّم الله وَجْهَه: أنت أنت، يعني: أنت الإلهُ، فنفاه إلى المدائِنِ، زعَموا أنَّه كان يهوديًّا فأسلمَ، وكان في اليهوديَّةِ يقولُ في يُوشَعَ بنِ نونٍ وَصِيِّ موسى عليهما السَّلامُ مِثْلَ ما قال في عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه. وهو أوَّلُ من أظهَرَ القَولَ بالنَّصِّ بإمامةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه ومنه انشعَبَت أصنافُ الغُلاةِ.
زعَمَ أنَّ عَلِيًّا حيٌّ لم يمُتْ؛ ففيه الجزءُ الإلهيُّ، ولا يجوزُ أن يُستولى عليه، وهو الذي يجيءُ في السَّحابِ، والرَّعدُ صَوتُه، والبَرْقُ تبَسُّمُه، وأنَّه سينزِلُ إلى الأرضِ بعد ذلك فيملأُ الأرضَ عَدْلًا كما مُلِئَت جَورًا!
وإنَّما أظهر ابنُ سَبَأٍ هذه المقالةَ بعد انتقالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه واجتَمَعت عليه جماعةٌ، وهم أوَّلُ فِرقةٍ قالت بالتوَقُّفِ، والغَيبةِ والرَّجعةِ، وقالت بتناسُخِ الجزءِ الإلهيِّ في الأئمَّةِ بعدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه. قال: وهذا المعنى ممَّا كان يعرِفُه الصَّحابةُ وإن كانوا على خِلافِ مُرادِه، هذا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كان يقولُ فيه حين فَقَأَ عَينَ واحدٍ بالحَدِّ في الحَرَمِ ورُفِعَت القِصَّةُ إليه: ماذا أقولُ في يدِ اللهِ فقَأَتْ عَينًا في حَرَمِ اللهِ؟ فأطلَقَ عُمَرُ اسمَ الإلهيَّةِ عليه لَمَّا عَرَفَ منه ذلك) [78] يُنظر: ((الملل والنحل)) (1/174). .

انظر أيضا: