الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الرَّابِعُ: مِن أدِلَّةِ تَقريرِ توحيدِ الأُلوهيَّةِ: بيانُ أنَّ الحُكمَ للهِ وَحْدَه شَرعًا وجزاءً

وهذا النَّوعُ شامِلٌ لمسائِلَ:
المَسْألةُ الأولى: مِن حُكمِ اللهِ الشَّرعيِّ: الأمرُ بعِبادتِه وَحْدَه لا شَريكَ له، وتوجيهُ المُشرِكينَ إلى سُؤالِه وَحْدَه.
المَسْألةُ الثَّانيةُ: مِن حُكمِه الشَّرعيِّ: حُكمُه ببُطلانِ عَمَلِ المُشرِكينَ، وصَلاحِ عَمَلِ الموَحِّدينَ.
المَسْألةُ الثَّالِثةُ: مِن حُكْمِه الجزائيِّ: إثابتُه لأوليائِه الموَحِّدينَ، ونَصْرُهم في الدُّنيا والآخِرةِ، وحُكمُه بنَقيضِ ذلك على المُشرِكينَ [527] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/456)، ((رسالة الشرك ومظاهره)) لمبارك الجزائري (ص: 282)، ((القواعد الحسان)) للسعدي (ص: 20)، ((منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى)) لخالد عبد اللطيف (1/129). .
المَسْألةُ الأولى: مِن حُكمِ اللهِ الشَّرعيِّ: الأمرُ بعِبادتِه وَحْدَه لا شَريكَ له، وتوجيهُ المُشرِكينَ إلى سُؤالِه وَحْدَه.
- قال اللهُ تعالى حِكايةً عن يُوسُفَ عليه السَّلامُ: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 40] .
أي: ما الحُكمُ إلَّا للهِ المُستحِقِّ للعِبادةِ دونَ ما سِواه؛ فهو وحدَه الحاكِمُ بين عبادِه، المشَرِّعُ لهم، وقد أمَرَكم اللهُ -أيُّها النَّاسُ- ألَّا تعبُدُوا إلَّا اللهَ وحدَه، ولا تُشرِكوا به شَيئًا، وذلك التَّوحيدُ وإخلاصُ العِبادةِ لله وحدَه هو الدِّينُ المُستقيمُ الذي أمرَ اللهُ به عِبادَه، ولكنَّ أكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمونَ ذلك؛ فهم لجهلِهم يُشرِكونَ بالله [528] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة يوسف)) (ص: 143). .
- وقال اللهُ سُبحانَه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] .
أي: أمَرَ ربُّك -يا مُحمَّدُ- ووصَّى وأوجَبَ ألَّا تَعبُدوا -أنت وجميعُ الخَلقِ- إلَّا اللهَ وَحدَه [529] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة الإسراء)) (ص: 122). .
- وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف: 28-29] .
أي: قُل -يا مُحمَّدُ- لهؤلاءِ الذين يَزعمونَ أنَّ اللهَ أمَرَهم بالفَحشاءِ: ما أمَرَ رَبِّي بما تَزعُمونَ، بل أمَرَ بالعَدلِ في العِباداتِ بتَوحيدِه، وفي المُعاملاتِ بأداءِ حُقوقِ عِبادِه، وتَوَجَّهوا في صلاتِكم إلى اللهِ وَحدَه، في أيِّ مَسجدٍ كُنتُم، واجتَهِدوا في إقامَةِ الصَّلاةِ ظاهِرًا وباطِنًا وَفْقَ ما شَرَعه اللهُ تعالى، وادْعُوا اللهَ، واعبُدُوه وَحدَه لا شَريكَ له، كما خَلَقَكم اللهُ أوَّلَ مَرَّةٍ، فجَعَلكم أحياءً بعد أنْ كُنتم عَدَمًا؛ فكذلك تَعودونَ إليه يومَ القِيامةِ، فيبعَثُكم مِن قُبُوركم أحياءً بعد مَوتِكم [530] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة الأعراف)) (ص: 94). .
المَسْألةُ الثَّانية: مِن حُكْمِه الشَّرعيِّ حُكمُه ببُطلانِ عَمَلِ المُشْرِكينَ وصَلاحِ عَمَلِ المُوَحِّدينَ
- قال اللهُ تعالى: وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: 116] .
أي: ومَن يجعَلْ للهِ تعالى شريكًا، فقد سلَك غيرَ طريقِ الحقِّ، وانحرَف عن سواءِ السَّبيلِ، وبَعُدَ عن الصَّوابِ بُعدًا شديدًا [531] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة النساء)) (ص: 558). .
- وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء: 125] .
أي: لا أحدَ أصوبُ طريقًا وأصلحُ عملًا ممَّن أخلَص للهِ عزَّ وجَلَّ، وانْقادَ له بالطَّاعةِ، وهو مع هذا الإخلاصِ في العَمَلِ متَّبِعٌ شَرْعَ اللهِ تعالى فيه، واتَّبَع دِينَ وشرْعَ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، مائِلًا عن الشِّرْك، وعن التَّوجُّهِ للخَلْقِ، مُستقيمًا على التَّوحيدِ، مُقبِلًا بكُلِّيَّتِه على الخالِقِ جلَّ وعلا، وقد اتَّخَذ اللهُ إبراهيمَ وليًّا، فإنَّه وصَل إلى غايةِ ما يتقرَّبُ به العبادُ له، وانتهى إلى دَرَجةِ الخُلَّةِ الَّتي هي أرفعُ مَقاماتِ المحبَّةِ الخالِصةِ لله تعالى [532] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة النساء)) (ص: 585). .
المَسْألةُ الثَّالِثةُ: مِن حُكمِه الجَزائيِّ: إثابتُه لأوليائِه المُوَحِّدينَ ونَصْرُهم في الدُّنيا والآخِرةِ، وحُكمُه بنَقيضِ ذلك على المُشْرِكينَ
* ففي الدُّنيا:
- قال اللهُ تعالى حكايةً عن قَولِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ لِقَومِه: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 81-82] .
أي: كيف أَرهَبُ آلهَتَكم التي أشركتُموها مع اللهِ، وهي عاجزةٌ لا تضرُّ ولا تنفَعُ، بينما أنتُم لا تخافونَ مِن اللهِ الذي خَلَقَكم ورَزَقَكم، والقادرِ على كلِّ شيءٍ؛ لا تَخافون منه في إشراكِكم به ما لم يُنزِّلْ به عليكم حُجَّةً ولا بُرهانًا؟ فأيُّ الطائفتينِ أجدَرُ بالأمْنِ والسَّلامةِ؛ الذي عبَدَ مَن بِيَدِه الضُّرُّ والنَّفْعُ، أو الذي عَبَد مَن لا يَضُرُّ ولا ينفَعُ بلا دَليلٍ؟ فإنْ كنتُم تَعلَمونَ صِدْقَ ما أقولُ لكم، وحقيقَةَ ما أحتَجُّ به عليكم، فأَجيبوني، وأخْبِروني: أيُّ الفريقينِ أحَقُّ بالأمْنِ؟
فقال اللهُ تعالى جوابًا عن سؤالِ إبراهيمَ السَّابقِ، وفاصلًا بين الفريقينِ: الذين آمنوا حقًّا، ولم يَخلِطوا إيمانَهم بِشِرْكٍ: هم الآمنونَ من المخاوِفِ في الدَّارَينِ، السَّالِكونَ طريقَ الحَقِّ [533] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة الأنعام)) (ص: 392). .
- وقال اللهُ سُبحانَه: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 100-102] .
أي: ذلك الذي قصَصْناه عليك -يا محمَّدُ- في هذه السُّورةِ مِن أخبارِ القُرى التي أهلَكْنا أهلَها نُخبِرُك به؛ لتُنذِرَ به النَّاسَ، ويكونَ آيةً على رسالتِك، وموعظةً وذِكرى للمُؤمنينَ. ومِن تلك القرى التي قَصَصْنا عليك قُرًى عامِرٌ بُنيانُها، ومنها خَرابٌ قد تهدَّمَ بُنيانُها. وما ظَلَمْنا أهلَ تلك القرَى حينَ أهلَكْناهم، ولكنْ ظَلَموا أنفُسَهم بالكُفرِ والمعاصي؛ فاستحَقُّوا العِقابَ، فما نفعَتْهم آلهتُهم التي كانوا يعبُدونَها من دونِ اللهِ، ولم تدفَعْ عنهم شيئًا لَمَّا أتاهم عذابُ الله، وما زادت هذه الآلهةُ عابِدِيها غيرَ تخسيرٍ وإهلاكٍ وتدميرٍ، عندَما جاءَ أمرُ اللهِ بعقابِهم. وكما أهلَك ربُّك- يا محمَّدُ- أهلَ القُرى التي قصَصْنا عليك، كذلك نُهلِكُ أمثالَهم مِن الظَّالمينَ لأنفُسِهم بالكُفرِ والمعاصي، إنَّ إهلاكَ اللهِ وعِقابَه للظَّالمينَ مُوجِعٌ، شديدُ الإيلامِ [534] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة هود)) (ص: 333). .
وفي الآخِرةِ:
- قال اللهُ تعالَى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] .
أي: فمَن كان يرجو رُؤيةَ اللهِ في الآخرةِ، وثوابَه، ويخشَى عِقابَه؛ فلْيَعمَلْ في الدُّنيا عَمَلًا صالِحًا خالِصًا لله، مُوافِقًا لِشَرعِه، ويَجعَل عبادتَه خالِصةً لله وَحدَه لا شَريكَ له [535] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة الكهف)) (ص: 500). .
- وقال اللهُ سُبحانَه: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة: 72] .
أي: إنَّ مَنْ يقَعْ في شَرَكِ الشِّرْكِ، فيَعبُدْ معَ اللهِ تعالى غيرَه، فحَرامٌ عليه دخولُ الجَنَّةِ في الآخِرَة، وإنَّما تكونُ النارُ مقامَه الذي يَستَحِقُّه، ودارَه التي يَأوِي إليها، ولَيس لِمَن ظلَمَ نفْسَه بشِركِه باللهِ تعالى، ولا لأيِّ ظالمٍ كان، أيُّ ناصرٍ يمنعُ عنه عذابَ اللهِ تعالى، أو يُنقِذُه منه [536] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة المائدة)) (ص: 389). .
- وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا [الإسراء: *39*.]
أي: ولا تجعَلْ مع اللهِ مَعبودًا غَيرَه، فتُرمَى في جهنَّمَ مَلومًا؛ تلومُك نَفسُك، ويَلومُك الخَلقُ، مُبعَدًا مَطرودًا مِن رَحمتِه سُبحانَه [537] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة الإسراء)) (ص: 197). .

انظر أيضا: