الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الرَّابعُ: الإكراهُ على الكُفرِ

قال اللهُ تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 106] .
قال أبو بكرٍ الجَصَّاصُ: (هذا أصلٌ في جوازِ إظهارِ كَلِمةِ الكُفرِ في حالِ الإكراهِ) [1634] يُنظر: ((أحكام القرآن)) (3/192). .
وقال ابنُ العربيِّ: (لَمَّا سمح اللهُ تعالى في الكُفرِ به -وهو أصلُ الشَّريعةِ- عند الإكراهِ، ولم يؤاخِذْ به، حمل العُلَماءُ عليه فروعَ الشَّريعةِ، فإذا وقع الإكراهُ عليها لم يؤاخَذْ به) [1635] يُنظر: ((أحكام القرآن)) (3/ 1180). .
ومعنى الآية: مَن كفَرَ باللهِ بعد أنْ كان مُؤمِنًا مُهتَديًا، فعَلَيهم غَضَبٌ مِن اللهِ، إلَّا مَن أُكرِهَ على الكُفرِ، والحالُ أنَّ قَلْبَه مُوقِنٌ بحَقيقةِ الإيمانِ، لم يتغيَّرِ اعتقادُه الصَّحيحُ، ولكِنْ مَن اتَّسَعَ صَدرُه لِقَبولِ الكُفرِ واعتَقَده، واختارَه على الإيمانِ، وطابَت به نَفسُه، واطمأنَّت إليه؛ فعَلَيهم غَضَبٌ شديدٌ مِن الله، ولهم عذابٌ عظيمٌ في الآخرةِ [1636] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة النحل)) (ص: 644). .
وقال الشِّيرازي: (فأمَّا المُكْرَهُ فلا تَصِحُّ رِدَّتُه؛ لِقَولِه تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل: 106] ) [1637] يُنظر: ((المهذب)) (3/ 256). .
وقال البَغَوي: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ مَن أُكرِهَ على كَلِمةِ الكُفرِ يجوزُ له أن يقولَ بلِسانِه، وإذا قال بلسانِه غيرَ مُعتَقِدٍ، لا يكونُ كُفرًا، وإنْ أبى أن يقولَه حتى يُقتَلَ كان أفضَلَ) [1638] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/99). .
وقال ابنُ الجوزي: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] . أي: ساكِنٌ إليه راضٍ به، وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106] . قال قتادة: من أتاه بإيثارٍ واختيارٍ. وقال ابنُ قُتَيبةَ: من فَتَح له صَدْرَه بالقَبولِ، وقال أبو عُبَيدةَ: المعنى: من تابعَتْه نَفْسُه، وانبسط إلى ذلك، يقال: ما ينشَرِحُ صدري بذلك، أي: ما يَطِيبُ) [1639] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/496). .
وقال ابنُ قُدامةَ: (من أُكرِهَ على الكُفرِ، فأتى بكَلِمةِ الكُفرِ، لم يَصِرْ كافِرًا) [1640] يُنظر: ((المغني)) (12/292). .
وقال ابنُ تيميَّةَ عن السُّجودِ للمَخلوقِ: (إذا أُكرِهَ الرَّجُلُ على ذلك بحيث لو لم يفعَلْه لأفضى إلى ضَرْبِه، أو حَبْسِه، أو أخْذِ مالِه، أو قَطْعِ رِزقِه الذي يستحِقُّ من بيتِ المالِ، ونحو ذلك من الضَّرَرِ: فإنَّه يجوزُ عند أكثَرِ العُلَماءِ؛ فإنَّ الإكراهَ عند أكثَرِهم يبيحُ الفِعلَ المحَرَّمَ، كشُربِ الخَمرِ ونَحْوِه، وهو المشهورُ عن أحمَدَ وغَيرِه، ولكِنْ عليه مع ذلك أن يَكرَهَه بقَلْبِه، ويحرِصَ على الامتناعِ منه بحسَبِ الإمكانِ، ومَن عَلِمَ اللهُ منه الصِّدْقَ أعانه الله تعالى، وقد يُعافى ببركةِ صِدْقِه من الأمرِ بذلك.
وذهب طائفةٌ إلى أنَّه لا يُبيحُ إلَّا الأقوالَ دونَ الأفعالِ، ويُروى ذلك عن ابنِ عَبَّاسٍ ونحوِه، قالوا: إنَّما التَّقِيَّةُ باللِّسانِ، وهي الرِّوايةُ الأخرى عن أحمد، وأمَّا فعْلُ ذلك لأجْلِ فُضولِ الرِّياسةِ والمالِ فلا.
وإذا أُكرِهَ على مِثلِ ذلك ونوى بقَلْبِه أنَّ هذا الخضوعَ لله تعالى، كان حَسَنًا؛ مِثلُ: أن يُكَرَهَ على كَلِمةِ الكُفرِ وينوي معنى جائًزا. واللهُ أعلَمُ) [1641] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (1/ 373). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (فهو استثناءٌ ممَّن كفر بلِسانِه، ووافق المُشرِكين بلَفْظِه مُكرَهًا؛ لِما ناله من ضَربٍ وأذًى، وقلبُه يأبى ما يقولُ، وهو مطمَئِنٌّ بالإيمانِ باللهِ ورَسولِه) [1642] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/587). .
وقال الشِّنقيطي: (إنَّ المُكْرَهَ لا يُؤاخَذُ بما أُكرِهَ عليه، بل يَغفِرُه اللهُ له؛ لعُذْرِه بالإكراهِ، كما يوضِّحُه قَولُه تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ الآية) [1643] يُنظر: ((أضواء البيان)) (5/532). .
وطُمَأنينةُ القَلبِ بالإيمانِ، وبُغضُ وكراهيةُ الكُفرِ: شَرطٌ مُجمَعٌ عليه [1644] اشترط بعضُ الفُقَهاء للنُّطق بكلمة الكفر أن يكونَ الإكراه تامًّا (ملجِئًا)، واشترط آخرون التعريضَ والتوريةَ بالكفرِ حال الإكراه، ولم يُسنِدوا كلامَهم بأدلَّةٍ معتبرةٍ. انظر بعض هذه الأقوال في: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/177)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/134)، ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/1178)، ((أحكام الجصاص)) (3/192، 194)، ((الإكراه وأثره في التصرفات)) لعيسى شقرة (ص: 115 – 118)، ((الإكراه وأثره في الأحكام)) لعبد الفتاح الشيخ (ص: 63 – 66). .
قال ابنُ بطَّال: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ من أُكرِهَ على الكُفرِ حتى خَشِيَ على نفسِه القَتْلَ أنَّه لا إثمَ عليه إن كَفَر وقَلْبُه مطمَئِنٌّ بالإيمانِ، ولا تَبِينُ منه زوجتُه، ولا يُحكَمُ عليه بحُكمِ الكُفرِ) [1645] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (8/ 291). .
وقال ابنُ العربي: (أمَّا الكُفرُ باللهِ، فذلك جائزٌ له «أي: المكرَهِ» بغير خِلافٍ، على شَرطِ أن يلفِظَ وقَلْبُه منشَرِحٌ بالإيمانِ، فإنْ ساعد قَلْبُه في الكُفرِ لِسانَه، كان آثمًا كافِرًا؛ لأنَّ الإكراهَ لا سُلطانَ له في الباطِنِ، وإنَّما سلطانُه على الظَّاهِرِ) [1646] يُنظر: ((أحكام القرآن)) (3/ 160). .
وقال الشَّوكاني: وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106] (أي: اعتقد وطابت به نفسُه، واطمأنَّ إليه) [1647] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/196). .
هذا وإن جاز قَولُ الكُفرِ أو فِعْلُه بسَبَبِ الإكراهِ إلَّا أنَّ الصَّبرَ أفضَلُ وأعظَمُ أجرًا.
قال ابنُ بطَّال: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ من أُكرِهَ على الكُفرِ فاختار القتل، أنَّه أعظَمُ أجرًا عند الله ممَّن اختار الرُّخصةَ) [1648] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (8/ 295). .
وقال ابنُ العربي: (إنَّ الكُفرَ وإن كان بالإكراهِ جائزًا عند العُلَماء، فإنَّ من صبر على البلاءِ ولم يفتَتِنْ حتى قُتِلَ، فإنَّه شهيدٌ، ولا خِلافَ في ذلك، وعليه تدُلُّ آثارُ الشَّريعةِ التي يطولُ سَرْدُها) [1649] يُنظر: ((أحكام القرآن)) (3/ 162). .
وقال ابنُ كثير: (الأفضَلُ والأَولى أن يثبُتَ المسلِمُ على دينِه ولو أفضى إلى قَتْلِه) [1650] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 606). .
وعن خبَّابِ بنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((قد كان مَنْ قَبْلَكم يُؤخَذُ الرَّجُلُ فيُحفَرُ له في الأرضِ فيُجعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمنشار، فيوضَعُ على رأسِه فيُجعَلُ نِصفَيِن، ويُمشَطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دونَ لحمِه وعَظْمِه، فما يصُدُّه ذلك عن دينِه)) [1651] أخرجه البخاري (6943) مطولًا. .
قال القُرطبيُّ: (فوصْفُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا عن الأُمَمِ السَّالفةِ على جِهةِ المدحِ لهم، والصَّبرِ على المكروِه في ذاتِ اللهِ، وأنَّهم لم يكفُروا في الظَّاهِرِ، وتبَطَّنوا الإيمانَ؛ لِيَدفَعوا العذابَ عن أنفُسِهم، وهذه حُجَّةُ من آثَرَ الضَّربَ والقَتلَ والهوانَ على الرُّخصةِ) [1652] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/188). .
ويتأكَّدُ الصَّبرُ في حَقِّ من يقتدي به عامَّةُ النَّاسِ ويتَّبِعونه في تصَرُّفاتِه وأقوالِه، فلو تلفَّظ مِثلُ هذا بالكُفرِ رخصةً مع احتمالِ أنَّ الكثيرَ من النَّاسِ لا يَعرِفون حقيقةَ الأمرِ، وهو أنَّ ما أظهره خِلافُ ما يبُطنِهُ، فيؤدِّي هذا التصَرُّفُ إلى فتنتِهم، بل قد يصِلُ الأمرُ إلى التحريمِ في حَقِّه؛ بسَبَبِ ما يُسَبِّبُه من فسادٍ [1653] يُنظر: ((عوارض الأهلية عند الأصوليين)) لحسين الجبوري (ص: 495). .
ولَمَّا قيلَ لأحمَدَ بنِ حَنبَلٍ في مِحنةِ خَلْقِ القُرآنِ: قد أجاب أصحابُك، وقد أَعذَرْتَ فيما بينك وبينَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وقد أجاب القَومُ وبَقِيتَ أنت -يعني: بَقِيتَ في الحَبْسِ والضِّيقِ-، أجاب أحمدُ: (يا عَمِّ، إذا أجاب العالِمُ تَقِيَّةً، والجاهِلُ بجَهلٍ، فمتى يتبَيَّنُ الحَقُّ؟!) [1654] يُنظر: ((المحنة على الإمام أحمد)) لعبد الغني المقدسي (ص: 50). .
هل للإكراهِ حَدٌّ يستوي فيه جميعُ النَّاسِ؟
ليس للإكراهِ حَدٌّ مُنضَبِطٌ يُحكَمُ به على جميع النَّاسِ، وهو يختَلِفُ باختلافِ ثلاثةِ أمورٍ:
1- حالُ المكرَهِ، فإنَّ النَّاسَ يختلفون في قُدُراتِهم ومكانتِهم وتحَمُّلِهم للإكراهِ.
فقد يكونُ إكراهًا في حقِّ إنسانٍ ما ليس بإكراهٍ في حَقِّ غيرِه، لاختلافِهما في تحمُّلِ الإكراهِ.
كما أنَّ إكراهَ العالمِ ليس كإكراهِ غيرِه، فإنَّه قد يَضِلُّ بعضُ النَّاسِ بتقيَّةِ العالمِ وأخْذِه بالرُّخصةِ.
2- حالُ من وقع منه الإكراهُ؛ فإنَّ الأمرَ في ذلك أيضًا مختَلِفٌ.
ففَرقٌ بين من يعلَمُ أنَّه عازمٌ على إنفاذِ وعيدِه، وبين المهدِّد الذي يحتَمِلُ منه ذلك فقط.
وفرقٌ أيضًا بين من كان له سُلطةٌ في تحقيقِ ما توعَّدَ به وبين من كان دون ذلك.
3- الأمرُ الذي وقع عليه الإكراهُ.
التفاوتُ في الأمرِ الذي وقع عليه الإكراهُ واسعٌ، فما كان إكراهًا في أمرٍ قد لا يكونُ إكراهًا في أمرٍ آخَرَ. وليس الإكراهُ على الكُفرِ كالإكراهِ على المعصيةِ، وليس الإكراهُ على مجرَّدِ القَولِ كالإكراهِ على القَولِ والفِعلِ، أو مجرَّدِ الفِعلِ وهكذا.
قال النووي: (لا يُشتَرَطُ سقوطُ الاختيارِ، بل إذا أكرهَه على فِعلٍ يُؤثِرُ العاقِلُ الإقدامَ عليه حذرًا ممَّا تهدَّدَه به، حَصَل الإكراهُ. فعلى هذا يُنظَرُ فيما طلبه منه، وما هدَّده به، فقد يكونُ الشَّيءُ إكراهًا في مطلوبٍ دونَ مطلوبٍ، وفي شَخصٍ دونَ شَخصٍ) [1655] يُنظر: ((روضة الطالبين)) (8/ 59). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (تأمَّلتُ المذهَبَ فوجَدْتُ الإكراهَ يختلِفُ باختلافِ المكرَهِ عليه، فليس الإكراهُ المعتَبَرُ في كلمةِ الكُفرِ كالإكراهِ المعتَبَرِ في الهبةِ ونحوها. فإنَّ أحمدَ قد نَصَّ في غير موضعٍ على أنَّ الإكراهَ على الكُفرِ لا يكونُ إلَّا بتعذيبٍ من ضَربٍ أو قيدٍ، ولا يكونُ الكلامُ إكراهًا، وقد نصَّ على أنَّ المرأةَ لو وهبت زَوْجَها صَداقَها أو مَسْكَنَها فلها أن ترجِعَ، بناءً على أنَّها لا تهَبُ له إلَّا إذا خافت أن يُطَلِّقَها أو يسيءَ عِشْرَتَها، فجعل خوفَ الطلاقِ أو سوءِ العِشرةِ إكراهًا.... ومِثلُ هذا لا يكونُ إكراهًا على الكُفرِ، فإنَّ الأسيرَ إذا خَشِيَ من الكُفَّارِ أن لا يزوِّجوه أو أن يحولوا بينه وبين امرأتِه، لم يُبَحْ له التكَلُّمُ بكلمةِ الكفرِ) [1656] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 490). .
وقد يَعظُمُ الأمرُ، وينحَسِرُ الإعذارُ بالتقيَّةِ حتى لا يُعذَرَ بها كما في حالِ المكرَهِ على الكُفرِ مع الدَّوامِ على ذلك لا في حالةٍ عارضةٍ.
قال ابنُ قُدامةَ: (روى الأثرَمُ عن أبي عبدِ اللهِ، أنَّه سُئِلَ عن الرَّجُلِ يُؤسَرُ، فيُعرَضُ على الكُفرِ، ويُكرَهُ عليه، أله أن يرتدَّ؟ فكرهه كراهةً شديدةً، وقال: "ما يشبِهُ هذا عندي الذين أُنزِلَت فيهم الآيةُ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أولئك كانوا يرادُون على الكلمة، ثم يُترَكون يعملون ما شاؤوا، وهؤلاء يريدونَهم على الإقامةِ على الكُفرِ، وتَرْكِ دينِهم"؛ وذلك لأنَّ الذي يُكرَهُ على كلمةٍ يقَولها ثم يخلَّى، لا ضَرَرَ فيها، وهذا المقيمُ بينهم يلتزِمُ بإجابتِهم إلى الكُفرِ المقامِ عليه، واستِحلالِ المحرَّماتِ، وتَرْكِ الفرائِضِ والواجباتِ، وفِعلِ المحظوراتِ والمنكَراتِ، وإن كان امرأةً تزوَّجوها، واستولدوها أولادًا كُفَّارًا، وكذلك الرَّجُلُ، وظاهِرُ حالهم المصيرُ إلى الكُفرِ الحقيقيِّ، والانسلاخِ مِنَ الدِّينِ الحنيفيِّ) [1657] يُنظر: ((المغني)) (12/294). .
وإذا كان الرِّضا بالكفر الظَّاهِرِ هو مناطَ التكفيرِ على الحقيقة، ولم يمكِنِ الحكمُ عليه ومعرفتُه إلَّا من حيثُ دلالةُ الظَّاهِرِ عليه، وكان الإكراهُ مانعًا من الحُكمِ بتكفيرِ المعَيَّن، ولم يكُنِ الإكراهُ محدودًا بحدٍّ مُنضَبِطٍ يستوي فيه جميعُ أفرادِ المكَلَّفين، فلم يَبْقَ إذن إلَّا اعتبارُ الإكراهِ ما أمكن أن يكون عذرًا في درءِ الحُكمِ بوَصفِ الكُفرِ للمُعَيَّنِ، حتى إذا لم يمكِنْ بحالٍ أن يكونَ المعَيَّنُ مُكرَهًا ولو ادَّعاه كان كافرًا. ومعلومٌ أن مجرَّدَ احتمالِ عَدَمِ الإكراهِ أمرٌ نسبيٌّ يختَلِفُ من مُعَيَّنٍ إلى آخَرَ، وأنَّه لا بدَّ للتحَقُّقِ منه من تبيُّنِ حالِ كُلِّ مُعَيَّن على التفصيلِ، قَبْلَ الحُكمِ عليه بأنَّ ما ادَّعاه إكراهًا محتَمِلٌ أو غيرُ محتَمِلٍ. وهنا قد يحصُلُ الخِلافُ في حُكمِ مُعَيَّنٍ، وهل هو معذورٌ أم غيرُ معذورٍ؟ للاختلافِ في أنَّ ما اعتُذِر به من الإكراهِ محتَمِلٌ أو غيرُ محتَمِلٍ [1658] يُنظر: ((ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة)) للقرني (ص: 378). .

انظر أيضا: