الموسوعة العقدية

المَبْحَثُ الأوَّلُ: من قواعد وضوابط التَّكفير عند أهل السُّنَّة: يَحرُمُ تكفيرُ المُسلِمِ بغَيرِ حَقٍّ

عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِعَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لا يَرمي رجُلٌ رجُلًا بالفُسوقِ، ولا يَرميه بالكُفرِ، إلَّا ارتَدَّتْ عليه، إنْ لم يكنْ صاحِبُه كذلك )) [1284] أخرجه البخاري (6045) واللَّفظُ له، ومسلم (61) بنحوه. .
وفي لَفظٍ: ((ومَنْ دعا رجُلًا بالكُفرِ -أو قال: عَدُوُّ اللهِ- وليس كذلك، إلَّا حار عليه)) [1285] أخرجه البخاري (6045) بنحوه ، ومسلم (61) واللَّفظُ له. .
 قال ابنُ هُبَيرةَ: (فيه شِدَّةُ الحَظرِ على من رمى أخاه المُسْلِمَ بالكُفْرِ، فإنَّه بهذا الحديثِ على يقينٍ من ارتدادِها إليه إن لم يكُنْ أخوه كما ادَّعاه؛ فلْيحذَرْ أن يقولَها أبدًا لِمن هو من أمْرِه في شَكٍّ، وكذلك أن يرميَه بالفِسْقِ فإنَّه على سبيلِه في ارتدادِه عليه إنْ لم يكُنْ كما ذَكَره بيَقينٍ) [1286] يُنظر: ((الإفصاح)) (2/ 170). .
2- وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّما امرِئٍ قال لأخيه: يا كافِرُ، فقد باءَ بها أحَدُهما؛ إن كان كما قال، وإلَّا رجَعَت عليه )) [1287] أخرجه البخاري (6104) مختصرا، ومسلم (60) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (المعنى فيه عند أهلِ الفِقهِ والأثَرِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: النَّهيُ عن أن يُكَفِّرَ المسلِمُ أخاه المسلِمَ بذَنبٍ، أو بتأويلٍ لا يُخرِجُه من الإسلامِ عند الجميعِ؛ فورد النَّهيُ عن تكفيرِ المسلِمِ في هذا الحديثِ وغيرِه بلَفظِ الخَبَرِ دونَ لَفظِ النهيِّ، وهذا موجودٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ، ومعروفٌ في لسانِ العَرَبِ... وهذا غايةٌ في التحذيرِ مِن هذا القَولِ، والنَّهيِ عن أن يقالَ لأحدٍ مِن أهلِ القِبلةِ: يا كافِرُ) [1288] يُنظر: ((التمهيد)) (17/14-22). .
وقال المناوي: («قال لأخيه» أي: في الإسلامِ «كافِرٌ، فقد باء بها أحَدُهما» أي: رجع بها أحَدُهما «فإن كان كما قال» أي: كان في الباطِنِ كافِرًا «وإلا» أي: وإن لم يكُنْ كذلك «رجَعَت عليه» أي: فيَكفُرُ) [1289] يُنظر: ((فيض القدير)) (3/ 136). .
وقال ابنُ عاشور: (قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من قال لأخيه يا كافِرُ، فقد باء هو بها ))؛ لأنَّه إذا نَسَب أخاه في الدِّينِ إلى الكُفرِ فقد أخذ في أسبابِ التفريقِ بين المسلِمين وتوليدِ سَبَبِ التقاتُلِ، فرجَعَ هو بإثمِ الكُفرِ؛ لأنَّه المتسَبِّبُ فيما يتسَبَّبُ على الكُفرِ، ولأنَّه إذا كان يرى بعضَ أحوالِ الإيمانِ كُفرًا، فقد صار هو كافِرًا؛ لأنَّه جعل الإيمانَ كُفرًا) [1290] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/ 12). .
3- وعن ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ومَنْ رمى مُؤمِنًا بكُفرٍ، فهو كقَتلِه )) [1291] أخرجه البخاري (6105) مُطَوَّلًا. .
 قال ابنُ بطال: (معنى قَولِه: «من رمى مُؤمِنًا بكُفرِ فهو كقَتْلِه» يعني في تحريمِ ذلك عليه، واللهُ أعلَمُ) [1292] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (6/ 104). .
وقال ابنُ القَيِّم: (من الكبائِرِ تكفيرُ مَنْ لم يُكَفِّرْه اللهُ ورَسولُه) [1293] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) (6/577). .

انظر أيضا: