الموسوعة العقدية

الفَرعُ الرَّابعُ: أقوالُ العُلَماءِ في القَرنِ الرَّابعِ

1. أبو جَعفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَريرٍ الطَّبَري. ت:310هـ
روى ابنُ جَريرٍ بسَنَدِه حديثَ البراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (مَرَّ بي عَمِّيَ الحارِثُ بنُ عَمرٍو، ومعه لواءٌ قد عَقَده له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فسَأْلتُه، قال: بعَثَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أضرِبَ عُنُقَ رَجُلٍ تزوَّجَ امرأةَ أبيه) [1108]  أخرجه الترمذي (1362)، وابن ماجه (2607)، والطبري في ((مسند ابن عباس)) (892) واللفظ له صححه الطبري، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2607)، وقال الترمذي: حسن غريب. والحديث روي بلفظ: عن البراء بن عازب رضي الله عنهما: (لقيت عمي ومعه راية فقلت له أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله) أخرجه أبو داود (4457) واللفظ له، والنسائي (3332). صححه ابن حزم في ((المحلى)) (11/253)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4457)، وقال الذهبي في ((المهذب)) (7/3334): أخرجه أهل السنن بطرق. وأخرجه من طريق آخر النسائي (3331)، وأحمد (18557) صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (4112)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (2776)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1331). ، ثُمَّ قال: (وكان الذي عرَّس بزوجةِ أبيه مُتخَطِّيًا بفِعْلِه حُرمتَينِ، وجامعًا بين كبيرتينِ من معاصي اللهِ:
إحداهما: عقدُ نكاحٍ على من حرَّم اللهُ…
والثَّانية: إتيانُه فَرْجًا محَرَّمًا عليه إتيانُه، وأعظَمُ من ذلك تقَدُّمه على ذلك بمشهَدٍ من رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإعلانُه عَقْدَ النِّكاحِ على من حرَّم اللهُ عليه عَقْدَه عليه بنصِّ كتابِه الذي لا شُبهةَ في تحريمِها عليه، وهو حاضِرُه، فكان فِعْلُه ذلك من أدلِّ الدَّليلِ على تكذيبِه [1109] بعض فُقَهاءِ المذاهِبِ الذين نُقِل عنهم التكفيرُ بالقَولِ أو العَمَل عَلَّلوا ذلك بعباراتٍ لم تُعهَدْ من السَّلَفِ، وهي تدُلُّ على تأثُّرِهم بالمُرجِئةِ، كقَولِهم: هذا الفِعلُ ليس كُفرًا لكِنَّه يدُلُّ على الكفر، أو علامةٌ على الكُفرِ. يُنظر: المقدمة السادسة في  كتاب ((التوسط والاقتصاد)) لعلوي السقاف (ص:20). رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما آتاه به عن اللهِ تعالى ذِكْرُه، ووجوده آيةً مُحكَمةً في تنـزيلِه، فكان بذلك مِن فِعْلِه كذلك، عن الإسلامِ -إنْ كان قد كان للإسلامِ مُظْهِرًا- مُرتَدًّا… وذلك أَنَّ فاعِلَ ذلك على علمٍ منه بتحريمِ اللهِ ذلك على خَلقِه إِنْ كان من أهلِ الإسلامِ، إِنْ لم يكُنْ مَسلوكًا به في العُقوبةِ سَبيلَ أهل ِالرِّدَّةِ بإعلانِه استحِلالَ [1110] هذا تصريحٌ منه رحمه الله على أنَّ الاستحلالَ: منه اعتقاديٌّ، ومنه عمليٌّ، وكلاهما مكفِّر، وقد سُئِل الشَّيخ ابن عثيمين عن ضابطِ الاستحلالِ الذي يَكفُرُ به العبدُ، فقال: ((الاستحلالُ هو أن يعتَقِدَ حلَّ ما حرَّمه اللهُ، أمَّا الاستحلالُ الفِعليُّ فيُنظَر: إن كان هذا الاستحلالُ مما يكفِّر فهو كافِرٌ مُرتدٌّ، فمثلًا: لو أنَّ الإنسانَ تعامل بالرِّبا، لا يعتَقِدُ أنَّه حلالٌ لكنَّه يصرُّ عليه، فإنَّه لا يَكفُرُ؛ لأنَّه لا يستحِلُّه، ولكن لو قال: إنَّ الرِّبا حلالٌ، ويعني بذلك الرِّبا الذي حرَّمه اللهُ، فإنَّه يَكفُرُ؛ لأنَّه مكذِّب للهِ ورَسولِه. الاستحلالُ إذَنْ: استحلالٌ فِعليٌّ، واستحلالٌ عَقَديٌّ بقَلْبِه، فالاستحلالُ الفِعليُّ يُنظَرُ فيه للفِعلِ نَفسِه، هل يكفِّرُ أم لا؟ ومعلومٌ أنَّ أكلَ الرِّبا لا يَكفُرُ به الإنسانُ، لكنَّه من كبائر الذُّنوب، أمَّا لو سجد لصَنَمٍ فهذا يَكفُرُ، لماذا؟ لأنَّ الفِعلَ يكفِّرُ. هذا هو الضَّابطُ، لكِنْ لا بدَّ من شرطٍ آخَرَ، وهو ألَّا يكونَ هذا المستحلُّ معذورًا بجَهْلِه، فإن كان معذورًا بجَهْلِه فإنَّه لا يَكفُرُ)). ((لقاء الباب المفتوح)) سـؤال رقم (1200). ما لا لَبْسَ فيه على ناشيءٍ نشَأَ في أرضِ الإسلامِ أَنَّه حرامٌ) [1111] يُنظر: ((تهذيب الآثار)) (1/573) مسند عبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عنه. .
2. أبو الحسن عليُّ بن إسمــاعيلَ الأشعريُّ. ت:324هـ
قال أبو الحسن الأشعريُّ: (إرادةُ الكُفْرِ كُفرٌ، وبنـاءُ كنيسةٍ يُكفَرُ فيها باللهِ كُفرٌ، لأنَّه إرادةُ الكُفْرِ) [1112] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/225). بعضُ فُقَهاءِ المذاهب الذين نُقِل عنهم التكفيرُ بالقَولِ أو العَمَلِ عَلَّلوا ذلك بعباراتٍ لم تُعهَدْ من السَّلَفِ، وهي تدُلُّ على تأثُّرِهم بالمرُجِئةِ، كقَولِهم: هذا الفِعلُ ليس كُفرًا، لكِنَّه يدُلُّ على الكُفرِ، أو علامةٌ على الكُفرِ، وقد يُشكِلُ على البَعضِ عباراتٌ صَدَرت لبعضِ العُلَماءِ عَلَّلت التكفيرَ بالتكذيبِ أو الإرادةِ أو أنَّها مستلزِمةٌ للكُفرِ الاعتقاديِّ، ففَرقٌ بين من يقولُ: هذا العَمَلُ أو القَولُ كُفْرٌ لكذا، وبين من يقولُ: هذا ليس كُفرًا، لكِنَّه دليلٌ أو علامةٌ على الكُفرِ، فالأوَّلُ يُثبِتُ الكُفرَ ويُعلِّلُه، والآخَرُ ينفي الكُفرَ، ويُثبِتُ دليلَه أو علامَتَه. يُنظر: المقدمة السادسة في  كتاب ((التوسط والاقتصاد)) لعلوي السقاف (ص:20). .
3. الحَسَنُ بنُ عَليٍّ البَرْبهاري. ت:329هـ
قال البربهاري: (ولا يخرُجُ أحَدٌ من أهلِ القِبلةِ من الإسلامِ حتى يردَّ آيةً من كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أو يردَّ شيئًا من آثارِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو يصلِّي لغَيرِ اللهِ أو يَذبَحَ لغيرِ اللهِ، وإذا فَعَل شيئًا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرِجَه من الإسلامِ، فإذا لم يفعَلْ شيئًا من ذلك فهو مُؤمِنٌ ومُسْلِمٌ بالاسمِ لا بالحقيقةِ) [1113] يُنظر: ((شرح السنة)) (ص: 31)، وهو هنا أطلقَ الفِعلَ ولم يقَيِّدْه بالاعتقادِ. وقَولُه: (فإذا لم يفعل شيئًا من ذلك…) ليس للحصرِ، والمقصودُ: إذا لم يفعلْ شيئًا من هذه الشِّركياتِ وأشباهِها. .
4. أبو بكر أحـمدُ بنُ عليٍّ الـجصَّاصُ (الحنفيُّ). ت:370هـ
قال الجَصَّاص: (قَولُه تعالى:  وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ إلى قَولِه:  إِنْ نَعْفُ فيه الدَّلالةُ على أنَّ اللَّاعِبَ والجادَّ سواءٌ في إظهارِ كَلِمة الكُفْرِ على غيرِ وَجهِ الإكراهِ؛ لأَنَّ هؤلاء المنافِقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لَعِبًا؛ فأخبَرَ اللهُ عن كُفرِهم باللَّعِبِ).

انظر أيضا: