الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: الكُفْرُ الأكبَرُ

الكُفْرُ الأكبَرُ يُناقِضُ الإيمانَ، ويخرِجُ صاحِبَه من الإسلامِ، ويوجِبُ الخُلودَ في النَّار، ولا تنالُه شفاعةُ الشَّافعينَ، ويكونُ الكُفْرُ الأكبَرُ بالاعتقادِ، وبالقَوْلِ، وبالفِعْلِ، وبالشَّكِّ والرَّيبِ، وبالتَّركِ، وبالإعراضِ وبالاستكبارِ [997] يُنظر: ((الإيمان حقيقته خوارمه نَواقِضه عند أهل السنة)) لعبد الله الأثري (ص: 245). .
وهذا الكُفْرُ أنواعُه خَمسةٌ، هي:
1- كُفرُ التَّكذيبِ:
وهو اعتِقادُ كَذِبِ الرُّسُلِ عليهم السَّلامُ، فمن كذَّبهم فيما جاؤوا به ظاهِرًا أو باطِنًا، فقد كفر.
والدَّليلُ:
قَولُ اللهِ تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ [العنكبوت: 68] .
قال الواحدي: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [العنكبوت: 68] لا أحَدَ أظلَمُ ممَّن زعم أنَّ للهِ شريكًا، وأنَّه أمَرَ بالفواحِشِ! أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ؛ بمحمَّدٍ والقرآنِ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ [العنكبوت: 68] أمَا لهذا الكافِرِ المكَذِّبِ مأوًى في جَهَنَّمَ؟ وهو استفهامٌ معناه التَّقريرُ) [998] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) (3/ 426). .
وقال سُبحانَه: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [يونس: 39]
قال الواحِدي: (قَولُه تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس: 39] أي: بما في القُرآنِ مِن الجَنَّةِ والنَّارِ، والبَعثِ والقيامةِ، والثَّوابِ والعِقابِ، وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [يونس: 39] لم يأتِهم بَعْدُ حقيقةُ ما وُعِدوا في الكتابِ مِمَّا يؤولُ إليه أمْرُهم من العُقوبةِ) [999] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) (2/ 548). .
وقال عزَّ وجَلَّ: أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل: 84] .
قال ابنُ جرير: (قال الله: أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي أي: بحُجَجي وأدِلَّتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا يقول: ولم تَعرِفوها حَقَّ مَعرِفَتِها؟ أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيها من تكذيبٍ أو تصديقٍ؟) [1000] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/130). .
2- كُفرُ الإباءِ والاستِكبارِ:
وذلك بأن يكونَ عالِمًا بصِدقِ الرَّسولِ، وأنَّه جاء بالحَقِّ مِن عندِ اللهِ، لكِنْ لا ينقادُ لحُكمِه، ولا يُذعِنُ لأمْرِه، استِكبارًا وعِنادًا.
والدَّليلُ:
قَولُ اللهِ تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34] .
قال الشَّوكاني: (معنى أبى: امتَنَع مِن فِعلِ ما أُمِرَ به. والاستكبارُ: الاستِعظامُ للنَّفسِ، وقد ثبت في الصَّحيحِ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((إنَّ الكِبرَ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ )) [1001] أخرجه مسلم (91) مُطَوَّلًا باختلاف يسير مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. وفي روايةٍ ((غَمْصُ)) [1002] أخرجها الترمذي (1999)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (5558)، وابن حبان (5466). صححه الترمذي، وابن حبان، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1999)، وصَحَّح إسنادَه على شرط مسلم: شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مشكل الآثار)) (5558). بالصَّاد المهمِلَّة، وَكَانَ مِنَ الْكَافِريِنَ، أي: من جِنْسِهم. قيل: إنَّ «كان» هنا بمعنى صار) [1003] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (1/78). .
وقال سُبحانَه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل: 14] .
قال الواحدي: (الآيةُ معناها: وجَحَدوا بها ظُلمًا وترَفُّعًا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى، وهم يعلمون أنَّها من عندِ اللهِ عزَّ وجَلَّ) [1004] يُنظر: ((الوجيز)) (ص: 801). .
وقال اللهُ تعالى: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة: 89] .
عن قتادةَ في قَولِه: مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة: 89] قال: (كانت اليهودُ تَستفتِحُ بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على كُفَّارِ العَرَبِ مِن قَبلُ، وقالوا: اللَّهُمَّ ابعَثْ هذا النَّبيَّ الذي نجِدُه في التَّوراةِ يُعَذِّبُهم ويَقتُلُهم، فلمَّا بَعَث اللهُ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرَأَوا أنَّه بُعِث من غيرِهم، كَفَروا به؛ حَسَدًا للعرَبِ، وهم يَعلَمونَ أنَّه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَجِدونَه مَكتوبًا عندهم في التَّوراةِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [البقرة: 89] ) [1005] أخرجه الطبري في ((التفسير)) (1525). .
وقال السَّمرقندي: (فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ أي: سَخَطُ اللهِ وعَذابُه على الجاحِدين محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [1006] يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (1/ 72). .
وقال الواحدي: (كُفرُ الجُحودِ: أن يَعرِفَ بقَلْبِه ولا يعتَرِفَ بلِسانِه، ككُفْرِ إبليسَ، وكُفْرِ أمِيَّةَ بنِ أبي الصَّلْتِ، ومنه قَولُه تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [البقرة: 89] يعني: كُفرَ الجُحودِ) [1007] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) (1/ 84). .
3- كُفرُ الشَّكِّ:
وهو التَّردُّدُ، وعَدَمُ الجَزمِ بصِدقِ الرُّسُلِ، ويقال له: كُفرُ الظَّنِّ، وهو ضِدُّ الجَزمِ واليقينِ.
والدَّليلُ:
قَولُ اللهِ عزَّ وجَلَّ: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا [الكهف: 35 - 38] .
قال ابنُ عطية: (ظُلْمُه لنَفْسِه: كُفرُه وعقائِدُه الفاسِدةُ في الشَّكِّ في البَعثِ -فقد نَصَّ على ذلك قتادةُ وابنُ زيدٍ-، وفي شَكِّه في حُدوثِ العالمِ إن كانت إشارتُه بـ هَذِهِ إلى الهيئةِ مِن السَّمَواتِ والأرضِ وأنواعِ المخلوقاتِ، وإن كانت إشارتُه إلى جَنَّتِه فقط فإنَّما في الكلامِ تساخُفٌ واغترارٌ مُفرِطٌ وقِلَّةُ تحصيلٍ، وكأنَّه مِن شِدَّة العُجبِ بل والسُّرورِ أفرط في وَصْفِها بهذا القَوْلِ، ثم قاس أيضًا الآخرةَ على الدُّنْيا، وظَنَّ أنَّه لم يُمْلَ له في دنياه إلَّا لكرامةٍ يستوجِبُها في نَفْسِه، قال: فإن كان ثَمَّ رُجوعٌ -كما يزعُمُ- فستكون حالي كذا وكذا... وقَولُه: قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ حكايةٌ أنَّ المُؤمِنَ من الرَّجُلينِ لَمَّا سَمِع كلامَ الكافِرِ وَقَّفَه، على جهة التَّوبيخِ على كُفرِه بالله تعالى... ثمَّ جَعَل يُعَظِّمُ اللهَ تعالى عنده بأوصافٍ تضَمَّنَت النِّعَمَ والدَّلائِلَ على جوازِ البَعثِ مِن القُبورِ) [1008] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/ 517). .
وقال البيضاوي: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ؛ لأنَّه أصلُ مادَّتِك أو مادَّةُ أصلِك. ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ فإنها مادَّتُك القريبةُ. ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ثمَّ عَدَلَك وكَمَّلك إنسانًا ذكرًا بالغًا مَبلَغَ الرِّجالِ. جَعَل كُفْرَه بالبعثِ كُفرًا بالله تعالى؛ لأنَّ مَنْشأَه الشَّكُّ في كمالِ قُدرةِ اللهِ تعالى؛ ولذلك رتَّب الإنكارَ على خَلْقِه إيَّاه من التُّرابِ، فإنَّ من قَدَر على بَدْءِ خَلْقِه منه قَدَرَ أن يُعيدَه منه) [1009] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/ 281). .
وقال تعالى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [إبراهيم: 9] .
قال البغوي: (وقَالُوا يعني: الأُمَمَ للرُّسُلِ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ مُوجِبٍ للرِّيبةِ مُوقِعٍ للتُّهمةِ) [1010] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/ 31). .
وقال ابنُ كثير: (قالوا: إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ يقولون: لا نُصَدِّقُكم فيما جئتُم به؛ فإنَّ عندنا فيه شَكًّا قَوِيًّا) [1011] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 481). .
4- كُفرُ الإعراضِ:
والمرادُ: الإعراضُ الكُلِّيُّ عن الدِّينِ، بأن يُعرِضَ بسَمْعِه وقَلْبِه وعِلْمِه عمَّا جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
والدَّليلُ:
قَولُ الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَما أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف: 3] .
قال السَّمعانيُّ: (قَولُه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَما أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ أي: مُعرِضون إعراضَ المُكَذِّبين الجاحِدين) [1012] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 148). .
وقال الشَّوكانيُّ: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَما أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ أي: عَمَّا أُنذِروا وخُوِّفوا به في القرآنِ مِن البَعثِ والحِسابِ والجزاء:ِ مُعرِضون مُوَلُّون، غيرُ مُستَعِدِّين له، والجُمِلَّةُ في محلِّ نَصبٍ على الحالِ، أي: والحالُ أنَّهم مُعرِضون عنه غيرُ مُؤمِنين به) [1013] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/ 17). .
وقال اللهُ سُبحانَه: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 24] .
قال ابنُ جرير: (قوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ [الأنبياء: 24] يقولُ: بل أكثَرُ هؤلاء المُشْرِكين لا يعلمون الصَّوابَ فيما يقولون ولا فيما يأتُون ويَذَرون، فهم مُعرِضون عن الحَقِّ جَهلًا منهم به، وقِلَّةَ فَهمٍ) [1014] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/ 248). .
5- كُفرُ النِّفاق:
والمرادُ النِّفاقُ الاعتقاديُّ بأن يُظهِرَ الإيمانَ، وُيبطِنَ الكُفْرَ.
والدَّليلُ:
قَولُ اللهِ سُبحانَه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون:3] .
قال ابنُ كثير: (أي: إنَّما قَدَّر عليهم النِّفاقَ لرُجوعِهم عن الإيمانِ إلى الكُفْرانِ، واستبدالِهم الضَّلالةَ بالهُدى فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ أي: فلا يَصِلُ إلى قُلوبِهم هدى، ولا يخلُصُ إليها خيرٌ، فلا تعي ولا تهتَدي) [1015] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 125). .
 وقال اللهُ تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّه وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] .
 قال السمعاني: (أكثَرُ المُفَسِّرين على أنَّه في شأنِ المنافِقين. ومعناه: ومن النَّاس ناسٌ تقولُ: آمَنَّا باللهِ وباليومِ الآخِرِ، يعني: القيامةَ. وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ نفى الإيمانَ عنهم؛ حيث أظهروا الإسلامَ باللِّسانِ ولم يعتَقِدوا بالجَنانِ. وهذا دليلٌ على من يُخرِجُ الاعتقادَ من جُملةِ الإيمانِ) [1016] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (1/ 47). .
وقال ابنُ عَطِيَّةَ: (نفى تعالى الإيمانَ عن المنافقينَ، وفي ذلك رَدٌّ على الكَرَّامِيَّةِ في قَولِهم: إنَّ الإيمانَ قَولٌ باللِّسانِ وإن لم يعتَقِدْ بالقَلْبِ) [1017] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/90). .
وقال السَّعْديُّ: (اعلَمْ أنَّ النِّفاقَ هو: إظهارُ الخيرِ وإبطانُ الشَّرِّ، ويدخُلُ في هذا التَّعريفِ النِّفاقُ الاعتقاديُّ، والنِّفاقُ العَمَليُّ، كالذي ذَكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَولِه: ((آيةُ المنافِقِ ثلاتٌ: إذا حَدَّث كَذَب، وإذا وَعَد أخلَفَ، وإذا اؤتُمِنَ خان ))، وفي روايةٍ: ((وإذا خاصَمَ فجَرَ)). وأمَّا النِّفاقُ الاعتِقاديُّ المخرِجُ عن دائرةِ الإسلامِ، فهو الذي وَصَف اللهُ به المنافِقين في هذه السُّورةِ وغَيرِها، ولم يكُنِ النِّفاقُ موجودًا قبل هِجْرةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من مكَّةَ إلى المدينةِ، وبعد أن هاجَرَ، فلَمَّا كانت وقعةُ «بدر» وأظهر اللهُ المُؤمِنين وأعَزَّهم، ذَلَّ مَن في المدينةِ مِمَّن لم يُسلِمْ، فأظهَرَ بَعْضُهم الإسلامَ خوفًا ومخادَعةً، ولِتُحقَنَ دِماؤُهم، وتَسلَمَ أموالُهم، فكانوا بين أظهُرِ المُسْلِمين في الظَّاهِرِ أنَّهم منهم، وفي الحقيقةِ ليسُوا منهم، فمِن لُطفِ اللهِ بالمُؤمِنين أنْ جَلَّى أحوالَهم ووصَفَهم بأوصافٍ يتمَيَّزون بها؛ لئلَّا يغتَرَّ بهم المُؤمِنون، ولِيَنقَمِعوا أيضًا عن كثيرٍ مِن فُجورِهم) [1018] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 42). .

انظر أيضا: