الموسوعة العقدية

المبحثُ الثَّاني: من أوجُهِ زيادةِ الإيمانِ ونُقصانِه: الإجمالُ والتفصيلُ فيما وقَعَ من العِبادِ

النَّاسُ وإن تساوَوا في وُجوبِ الإيمانِ عليهم جميعًا، فهم متفاوِتون في القيامِ به.
سأل أحمدُ بنُ القاسِمِ أحمدَ بنَ حَنبلٍ: (قُلتُ: يا أبا عبدِ اللهِ، تقولُ: الإيمانُ يَزيدُ ويَنقُصُ؟ قال: نعم، قلتُ: وتقولُ: قَولٌ وعَمَلٌ؟ قال: نعم، قلتُ: فيكونُ ذاك من هذا المعنى أن يكونَ الرَّجُلُ إذا أتى هذه الأشياءَ التي نُهِيَ عنها يكونُ أنقصَ ممَّن لم يفعَلْها، ويكونُ هذا أكثَرَ إيمانًا منه؟ قال: نعم، يكونُ الإيمانُ بعضُه أكثَرُ مِن بَعضٍ، هكذا هو) [365] يُنظر: ((السنة)) للخلال (3/591). .
 وقال ابنُ تيميَّةَ: (من آمَنَ بما جاء به الرَّسولُ مُطلَقًا فلم يُكَذِّبْه قَطُّ، لكِنْ أعرَضَ عن مَعرفةِ أمْرِه ونَهْيِه وخَبَرِه، وطَلَبِ العِلمِ الواجِبِ عليه؛ فلم يَعلَمِ الواجِبَ عليه ولم يعمَلْه، بل اتَّبَع هواه، وآخَرُ طَلَب عِلمَ ما أُمِرَ به فعَمِلَ به، وآخَرُ طَلَب عِلْمَه فعَلِمَه وآمَنَ به ولم يَعمَلْ به، وإن اشتَرَكوا في الوجوبِ، لكِنْ من طَلَب عِلمَ التفصيلِ وعَمِلَ به، فإيمانُه أكمَلُ به؛ فهؤلاء ممَّن عَرَف ما يجِبُ عليه والتزمَه وأقَرَّ به، لكِنَّه لم يعمَلْ بذلك كُلِّه، وهذا المقِرُّ بما جاء به الرَّسولُ، المعترفُ بذَنْبِه، الخائِفُ من عقوبةِ رَبِّه على تَرْكِ العَمَلِ: أكمَلُ إيمانًا ممن لم يطلُبْ مَعرفةَ ما أَمَر به الرَّسولُ، ولا عَمِلَ بذلك، ولا هو خائِفٌ أن يعاقَبَ، بل هو في غفلةٍ عن تفصيلِ ما جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مع أنَّه مُقِرٌّ بنبوَّتِه باطِنًا وظاهِرًا، فكُلَّما عَلِمَ القَلبُ ما أخبر به الرَّسولُ فصَدَّقَه، وما أمَرَ به فالتَزَمه؛ كان ذلك زيادةً في إيمانِه على من لم يحصُلْ له ذلك، وإن كان معه التزامٌ عامٌّ وإقرارٌ عامٌّ، وكذلك من عَرَف أسماءَ اللهِ ومعانيَها فآمنَ بها، كان إيمانُه أكمَلَ ممَّن لم يعرِفْ تلك الأسماءَ، بل آمن بها إيمانًا مجمَلًا أو عرَفَ بَعْضَها، وكُلَّما ازداد الإنسانُ مَعرِفةً بأسماءِ اللهِ وصِفاتِه وآياتِه، كان إيمانُه به أكمَلَ) [366] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/233). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (وأمَّا الزيادةُ بالعِلمِ والتَّصديقِ المستلزِمِ لعَمَلِ القَلْبِ والجوارحِ: فهو أكمَلُ مِن التصديقِ الذي لا يستلزِمُه، فالعِلمُ الذي يَعمَلُ به صاحِبُه أكمَلُ من العِلمِ الذي لا يُعمَلُ به، فإذا لم يحصُلِ اللازِمُ دَلَّ على ضَعفِ الملزومِ) [367] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/467). .

انظر أيضا: