الموسوعة العقدية

المبحثُ الأوَّلُ: من أوجُهِ زيادةِ الإيمانِ ونُقصانِه: الإجمالُ والتفصيلُ فيما أُمِرَ به العِبادُ

 قال ابنُ تيميَّةَ: (فإنَّه وإن وَجَب على جميعِ الخَلْقِ الإيمانُ باللهِ ورَسولِه، ووجَبَ على كلِّ أمَّةٍ التزامُ ما يأمُرُ به رَسولُهم مُجمَلًا، فمعلومٌ أنَّه لا يجِبُ في أوَّلِ الأمرِ ما وجب بعد نزولِ القُرآنِ كُلِّه، ولا يجِبُ على كُلِّ عبدٍ من الإيمانِ المفَصَّلِ ممَّا أخبر به الرَّسولُ ما يجِبُ على من بَلَّغَه غَيرُه) (([361] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/232). .
وقال أيضًا: (إنَّ الإيمانَ يتنَوَّعُ بتنَوُّعِ ما أمَرَ اللهُ تعالى به العبدَ؛ فحين بُعِث الرَّسولُ لم يكُنِ الإيمانُ الواجِبُ ولا الإقرارُ ولا العَمَلُ مِثلَ الإيمانِ الواجِبِ في آخِرِ الدَّعوةِ؛ فإنَّه لم يكُنْ يجِبُ إذ ذاك الإقرارُ بما أنزله اللهُ تعالى بعد ذلك من الإيجابِ والتحريمِ والخَبَرِ، ولا العَمَلُ بموجِبِ ذلك، بل كان الإيمانُ الذي أوجَبَه اللهُ تعالى يَزيدُ شيئًا فشيئًا، كما كان القرآنُ يَنزِلُ شَيئًا فشيئًا، والدِّينُ يَظهَرُ شيئًا فشَيئًا حتى أنزل الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.
وكذلك العَبدُ أوَّلَ ما يَبلُغُه خِطابُ الرَّسولِ عليه أكمَلُ الصَّلاةِ وأكمَلُ السَّلامِ إنَّما يجِبُ عليه الشَّهادتان، فإذا مات قبل أن يدخُلَ عليه وقتُ الصَّلاةِ لم يجِبْ عليه شيءٌ غيرُ الإقرارِ، ومات مؤمِنًا كامِلَ الإيمانِ الذي وجب عليه، وإن كان إيمانُ غيرِه الذي دخَلَت عليه الأوقاتُ أكمَلَ منه، فهذا إيمانُه ناقِصٌ كنَقْصِ دينِ النِّساءِ؛ حيث قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنكُنَّ ناقِصاتُ عَقلٍ ودِينٍ؛ أمَّا نُقصانُ عَقْلِكنَّ فشَهادةُ امرأتينِ بشَهادةِ رَجُلٍ واحدٍ، وأمَّا نُقصانُ دينِكُنَّ فإنَّ إحداكُنَّ إذا حاضَتْ لم تُصَلِّ»، ومعلومٌ أنَّ الصلاةَ حينَئذٍ ليس واجبةً عليها، وهذا نَقصٌ لا تُلامُ عليه المرأةُ، لكِنْ من جُعِل كاملًا كان أفضَلَ منها، بخلافِ مَن نَقَص شيئًا ممَّا وجب عليه، فصار النَّقصُ في الدِّينِ والإيمانِ نوعين: نوعًا لا يُذَمُّ العبدُ عليه؛ لكونِه لم يجِبْ عليه لعَجْزِه عنه حِسًّا أو شَرعًا، وإمَّا لكونِه مُستحَبًّا ليس بواجِبٍ، ونوعًا يُذَمُّ عليه، وهو تَرْكُ الواجباتِ) [362] يُنظر: ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص: 192). .
وقال أيضًا: (الإيمانُ الذي كان يجِبُ قبلَ نُزولِ جميعِ القُرآنِ ليس هو مِثلَ الإيمانِ الذي يجِبُ بعد نُزولِ القُرآنِ، والإيمانُ الذي يجِبُ على من عَرَف ما أخبَرَ به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مفَصَّلًا ليس مِثلَ الإيمانِ الذي يجِبُ على من عرف ما أخبر به مجمَلًا؛ فإنَّه لا بُدَّ في الإيمانِ مِن تصديقِ الرَّسولِ في كُلِّ ما أخبَرَ، لكِنْ من صَدَّق الرَّسولَ ومات عَقِبَ ذلك، لم يجِبْ عليه من الإيمانِ غيرُ ذلك، وأمَّا من بَلَغه القُرآنُ والأحاديثُ وما فيهما من الأخبارِ والأوامِرِ المفصَّلةِ، فيَجِبُ عليه مِن التصديقِ المفَصَّلِ بخبرٍ خبرٍ وأمرٍ أمرٍ ما لا يجِبُ على من لم يجِبْ عليه إلَّا الإيمانُ المجمَلُ؛ لِمَوتِه قبل أن يَبلُغَه شيءٌ آخَرُ) [363] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/196). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (وأمَّا زيادةُ الإيمانِ مِن جِهةِ الإجمالِ والتفصيلِ، فمعلومٌ أنَّه لا يجِبُ في أوَّلِ الأمرِ ما وجَبَ بعد نُزولِ القُرآنِ كُلِّه، ولا يجِبُ على كُلِّ أحدٍ مِن الإيمانِ المفَصَّلِ مِمَّا أخبَرَ به الرَّسولُ ما يجِبُ على من بلَغَه خَبَرُه، كما في حَقِّ النجاشيِّ وأمثالِه). [364] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/466).  

انظر أيضا: