الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثَّاني: شَرابُ أهلِ النَّارِ

مِن شَرابِهم: الحَميمُ.
قال اللهُ تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد: 15] .
قال ابنُ جَريرٍ: (قَولُه: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا يَقُولُ تعالى ذِكرُه: وسُقِيَ هَؤُلاءِ الَّذينَ هَم خُلُودٌ في النَّارِ ماءً قَدِ انتَهى حَرُّه، فقَطَّعَ ذَلِكَ الماءُ مِن شِدَّةِ حَرِّه أمعاءَهم) [5177] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 202). .
وقال ابنُ كَثيرٍ: (وسُقُوا مَاءً حَمِيمًا أي: حارًّا شَديدَ الحَرِّ، لا يُستَطاعُ. فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ أي: قَطَّعَ ما في بُطُونِهم مِنَ الأمعاءِ والأحشاءِ، عياذًا بالله مِن ذَلِكَ) [5178] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 314). .
وقال اللهُ سُبحانَه: يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن: 44].
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقُولُ تعالى ذِكرُه: يَطوفُ هَؤُلاءِ المُجْرِمُونَ الَّذينَ وصفَ صِفتَهم في جَهَنَّم بينَ أطباقِها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ يَقُولُ: وبينَ ماءٍ قَد أسخِنَ وأُغليَ حَتَّى انتَهى حَرُّه) [5179] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 232). .
وقال ابنُ كَثيرٍ: (قال تعالى: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ أي: حارٍّ قَد تَناهى حَرُّه، وبَلَغَ الغايةَ في الحَرارةِ) [5180] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (20/ 120). .
ومِن شَرابِهِم: الغَسَّاقُ.
قال اللهُ سُبحانَه: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ [ص: 57] .
قال السَّمعانيُّ: (أمَّا مَعنى الحَميمِ فقَد بيَّنَّا، وهو الماءُ الحارُّ الَّذي انتَهى في الحَرارةِ، وأمَّا الغَسَّاقُ فهو القيحُ الَّذي يَسيلُ مِن جُلُودِهم) [5181] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/ 449). .
وقال ابنُ جُزَيٍّ: (الحَميمُ: الماءُ الحارُّ، والغَسَّاقُ: قَرَأه بالتَّشديدِ حَفصٌ وحَمزةُ والكِسائيُّ، والباقي بالتَّخفيفِ: غَسَاقٌ، بتَخفيفِ السِّينِ وتَشديدِها، وهو صَديدُ أهلِ النَّارِ) [5182] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/ 211). .
ومِن شَرابِهم: المُهْلُ.
قال اللهُ سُبحانَه: ... إِنا أَعْتَدْنَا لِلظالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف: 29] .
قال السَّعْديُّ: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا أي: يَطلُبُوا الشَّرابَ، ليُطفِئَ ما نَزَلَ بهم مِنَ العَطَشِ الشَّديدِ. يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ أي: كالرَّصاصِ المُذابِ، أو كَعكَرِ الزَّيتِ، مِن شِدَّةِ حَرارَتِه. يَشْوِي الوُجُوهَ أي: فكيفَ بالأمعاءِ والبُطُونِ؟ كَما قال تعالى يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلُودُ وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، بِئْسَ الشَّرَابُ الَّذي يُرادُ ليُطفِئَ العَطشَ، ويَدفَعُ بَعضَ العَذابِ، فيَكُونُ زيادةً في عَذابهم، وشِدَّةِ عِقابهم. وَسَاءَتْ النَّارُ مُرْتَفَقًا وهذا ذَمٌّ لِحالةِ النَّارِ، أنَّها ساءَتِ المَحَلُّ الَّذي يُرتَفَقُ به؛ فإنَّها ليسَت فيها ارتِفاقٌ، وإنَّما فيها العَذابُ العَظيمُ الشَّاقُّ، الَّذي لا يُفتَّرُ عَنهم ساعةً، وهم فيه مُبْلِسُونَ قَد أَيِسُوا مِن كُلِّ خَيرٍ) [5183] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 476). .
وقال ابنُ عُثيمين: (قَولُه: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا يَعني أنَّ أهلَ النَّارِ إذا عَطِشُوا عَطشًا شَديدًا وذَلِكَ بأكلِ الزَّقُّومِ أو بغيرِ ذَلِكَ، أُغيثُوا بهذا الماءِ بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَكُونُ كَعكَرِ الزَّيتِ يَعني تَفَلَه الخاثِرَ في أسفَلِه أو ما أشبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هو مَنظَرٌ كَرِيهٌ، ولا تَقبَلُه النُّفُوسُ، كَما قال تعالى: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ [ابراهيم: 17]، أي: كالصَّديدِ يَتَجَرَّعُه ولا يَكادُ يُسِيغُه.
يَشْوِي الوُجُوهَ إذا قُرِّبَ مِنها شَواها وتَساقَطَت -والعِياذُ باللهِ- مِن شِدَّةِ فيحِ هذا الماءِ، وإذا وصَلَ إلى أمعائِهم قَطَّعَها كَما قال جَلَّ وعلا: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [مُحَمَّدٌ: 15] ، وما أعظَمَ الوجعَ والألمَ فيمَن تُقطَّعُ أمعاؤُه مِنَ الدَّاخِلِ! لَكِن مَعَ ذَلِكَ تُقَطَّعُ وتُعادُ كالجُلُودِ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النِّساءُ: 56] ... قَولُه: بِئْسَ الشَّرَابُ هذا قَدحٌ وذَمٌّ لِهذا الشَّرابِ، وبَئِس فِعْلٌ ماضٍ لِإنشاءِ الذَّمِّ. قَولُه: وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا أي: وقَبُحَ مُرتَفَقُها والِارتِفاقُ بها. والمُرتَفَقُ ما يَرتَفِقُ به الإنسانُ، قَد يَكُونُ حَسَنًا وقَد يَكُونُ سيِّئًا؛ ففي الجَنةِ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا [الكَهفُ: 31] ، وفي النَّارِ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف: 29] ) [5184] يُنظر: ((تفسير الكهف)) (ص: 63). .
ومن شَرابِهِم: الصَّديدُ.
قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم: 16-17] .
قال ابنُ جَريرٍ: (بيَّنَ ذَلِكَ الماءَ جَلَّ ثَناؤُه وما هو، فقال: هو صَديدٌ؛ ولِذَلِكَ رَدَّ الصَّديدَ في إعرابِه على الماءِ، لِأنَّه بَيانٌ عَنه، والصَّديدُ: هو القَيحُ والدَّمُ... وقَولُه: يَتَجَرَّعُهُ يَتَحَسَّاه، وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ يَقُولُ: ولا يَكادُ يَزدَرِدُه مِن شِدَّةِ كَراهَتِه، وهو يُسيغُه مِن شِدَّةِ العَطَشِ. والعَربُ تَجعَلُ «لا يَكادُ» فيما قَد فُعِلَ، وفيما لَم يُفعَلْ، فأمَّا ما قَد فُعِلَ فمِنه هذا؛ لِأنَّ اللهَ جَلَّ ثَناؤُه جَعَلَ لَهم ذَلِكَ شَرابًا، وأمَّا ما لَم يُفعَلْ وقَد دَخَلَتْ فيه «كاد» فقَولُه: إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [النور: 40] فهو لا يَراها. وبنَحوِ ما قُلْنا مِن أنَّ مَعنى قَولِه: وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وهو يُسيغُه، جاءَ الخَبَرُ عَن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [5185] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/ 618). .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ مَعناه: مِن ماءٍ هو صَديدٌ. والصَّديدُ ما يَسيلُ مِنَ الكُفَّارِ مِنَ القَيحِ والدَّمِ، والأصلُ في الصَّديدِ هو الماءُ الَّذي يَخرُجُ مِنَ الجُرحِ مُختَلِطًا بالدَّمِ والقيحِ... وقَولُه: يَتَجَرَّعُه أي: يَشرَبُه جَرعةً جَرعةً مِن مَرارَتِه وشِدَّتِه... وقَولُه: وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ يَعني: لا يُسيغُه، وقيلَ مَعناه: يَكادُ لا يُسيغُه، ويُسيغُه ليَغليَ في جَوفِه) [5186] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/ 109). .
عَن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ عَهدًا لِمَن يَشرَبُ المُسكِرَ أن يَسقيَه مِن طينةِ الخَبالِ، قالُوا: يا رَسولَ اللهِ، وما طينةُ الخَبالِ؟ قال: عَرَقُ أهلِ النَّارِ، أو عُصارةُ أهلِ النَّارِ )) [5187] أخرجه مسلم (2002) مطولًا. .
قال أبُو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((إنَّ على الله عَهدًا لِمَن شَرب المُسكِرَ)) أيِ: التَزَمَ ذَلِكَ بقَولِه ووعيدِه حَسَبَ ما سَبَقَ في عِلمِه. وقَد فَسَّرَ ((طينةَ الخَبالِ)) بأنَّها عُصارةُ أهلِ النَّارِ. وفي حَديثٍ آخَرَ: ((صَديدُ أهلِ النَّارِ)). وسُمِّيَ ذَلِكَ بطينةِ الخَبالِ؛ لِأنَّها تُخبِّلُ عَقْلَ شارِبِها، وتُفسِدُ حالَه. مَأخُوذٌ مِنَ الخَبَلِ في العَقلِ. واللَّهُ تعالى أعلَمُ. وهذا الوعيدُ وإن كانَ مُعَلَّقًا على مُطلَقِ الشُّربِ فقدَ قيَّدَه في الحَديثِ الآخَرِ مِنها، فقال: ((مَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنيا فماتَ وهو يُدْمِنُها لَم يَتُبْ، لَم يَشرَبها في الآخِرةِ )) [5188] أخرجه البخاري (5575) بنحوه، ومسلم (2003) مطولًا واللَّفظُ له. . وأمَّا مَن تابَ مِنها: فلَم يَدخُلْ في هذا الوعيدِ إذا حَسُنَتْ تَوبَتُه) [5189] يُنظر: ((المفهم)) (5/ 269). .
وقال المظهَريُّ: (قَولُه: ((عُصارةُ أهلِ النَّارِ)) أي: ما يَسيلُ عَنهما مِنَ الصَّديدِ والدَّمِ) [5190] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (4/ 278). .

انظر أيضا: