الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثَّالِثَ عَشَرَ: التَّسبيحُ والتَّكبيرُ مِن نَعيمِ أهلِ الجَنَّةِ

عَن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَأكُلُ أهلُ الجَنَّةِ فيها ويَشرَبُونَ، ولا يَتَغَوَّطُونَ ولا يَمتَخِطُونَ ولا يَبُولُونَ، ولَكِنْ طَعامُهم ذَلِكَ جُشاءٌ كَرَشحِ المِسْكِ، يُلهَمُونَ التَّسبيحَ والحَمدَ، كَما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ. قال: وفي حَديثِ حَجَّاجٍ: طَعامُهم ذَلِكَ. وفي رِوايةٍ: عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِثلِه، غيرَ أنَّه قال: ويُلهَمُونَ التَّسبيحَ والتَّكبيرَ كَما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ )) [4914] أخرجه مسلم (2835). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أوَّلُ زُمْرةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهم على صُورةِ القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ، لا يَبصُقُونَ فيها، ولا يَمتَخِطُونَ، ولا يَتَغَوَّطُونَ، آنيتُهم فيها الذَّهَبُ، أمشاطُهم مِنَ الذَّهَب والفِضَّةِ، ومَجامِرِهمُ الأَلوةِ، ورَشحُهمُ المِسكُ، ولِكُلِّ واحِدٍ مِنهم زَوجَتانِ، يُرى مُخُّ سُوقِهما مِن وراءِ اللَّحمِ مِنَ الحُسنِ، لا اختِلافَ بينَهم ولا تَباغُضَ، قُلُوبُهم قَلبٌ واحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرةً وعَشِيًّا )) [4915] أخرجه البخاري (3245) واللَّفظُ له، ومسلم (2834). .
قال أبُو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرةً وعَشِيًّا)) هذا التَّسبيحُ ليسَ عَن تَكليفٍ وإلزامٍ؛ لِأنَّ الجَنَّةَ ليسَت مَحَلَّ تَكليفٍ، وإنَّما هي مَحَلُّ جَزاءٍ، وإنَّما هو عَن تيسيرٍ وإلهامٍ، كَما قال في الرِّوايةِ الأُخرى: ((يُلْهَمونَ التَّسبيحَ والتَّحميدَ والتَّكبيرَ، كَما تُلْهَمُونَ النَّفسَ)). ووجهُ التَّشبيهِ: أنَّ تَنَفُّسَ الإنسانِ لا بُدَّ لَه مِنه، ولا كُلْفةَ ولا مَشقَّةَ عليه في فِعلِه. وآحادُ التَّنفيساتِ مُكتَسَبةٌ لِلإنسانِ، وجُملَتُها ضَرُوريَّةٌ في حَقِّه؛ إذ يَتَمَكَّنُ مِن ضَبطِ قَليلِ الأنفاسِ، ولا يَتَمَكَّنُ مِن جَميعِها، فكَذَلِكَ يَكُونُ ذِكرُ الله تعالى على ألسِنةِ أهلِ الجَنَّةِ، وسِرُّ ذَلِكَ: أنَّ قُلُوبَهم قَد تَنَوَّرَت بمَعرِفَتِه، وأبصارَهم قَد تَمتَّعَت برُؤيَتِه، وقَد غَمَرَتْهم سَوابغُ نِعْمَتِه، وامتَلَأت أفئِدَتُهم بمَحبَّتِه ومُخالَلَتِه. فألسِنتُهم مُلازِمةٌ ذِكْرَه، ورَهينةٌ بشُكرِه، فإنَّ مَن أحَبَّ شيئًا أكثَرَ مِن ذِكرِه، وقَد تقَدَّم أنَّ أوقاتَ الجَنَّةِ مِنَ الأيَّامِ والسَّاعاتِ تَقديريَّاتٌ) [4916] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 181). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (يَتَنَعَّمُ أهلُ الجَنةِ بالتَّسبيحِ فإنَّهم يُلهَمُونَ التَّسبيحَ كَما يُلْهَمُ النَّاسُ في الدُّنيا النَّفَسَ؛ فهذا ليسَ مِن عَمَلِ التَّكليفِ الَّذي يُطلَبُ لَه ثَوابٌ مُنفَصِلٌ، بَل نَفسُ هذا العَمَلِ هو مِنَ النَّعيمِ الَّذي تَتَنَعَّمُ به الأنفُسُ وتَتَلَذَّذُ به) [4917] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (4/ 330). .

انظر أيضا: