الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثَّاني: الجَنةُ ليسَت ثَمَنًا لِلعَمَلِ

عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَن يُدخِلَ أحَدًا مِنكم عَمَلُه الجَنَّةَ))، قالُوا: ولا أنتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قال: ((ولا أنا، إلَّا أن يَتَغَمَّدَني اللهُ مِنه بفَضلٍ ورَحمةٍ )) [4668] أخرجه البخاري (5673)، ومسلم (2816) واللَّفظُ له. .
قال عياضٌ: (ظاهرُ هذا الحَديثِ يُشيرُ إلى مَذهَبِ أهلِ الحَقِّ أنَّه لا يَستَحِقُّ أحَدٌ بطاعَتِه الثَّوابَ. وأمَّا قَولُه: ((إلَّا أن يَتَغَمَّدَنى ربي برَحمَتِه)): أي يُلبِسنيها ويَستُرني بها، وذَلِكَ مَأخُوذٌ مِن غِمدِ السَّيفِ؛ لِأنَّكَ إذا أغمَدتَه فقَد ألبَستَه الغِمْدَ وغَشَّيتَه به...
لا تَعارُضَ بينَ هذا وبينَ قَولِه: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وشِبهِه مِنَ الآياتِ؛ لِأنَّ الحَديثَ يُفَسِّرُ ما أُجمِلَ هاهنا، وأنَّ مَعنى ذَلِكَ: مَعَ رَحمةِ اللهِ وبرَحمةِ اللهِ؛ إذ مِن رَحمةِ الله تَوفيقُه لِلعَمَلِ وهدايَتِه لِلطَّاعاتِ، وأنَّه لَم يَستَحِقَّها بعَمَلِه؛ إذِ الكُلُّ بفَضلٍ مِنَ اللهِ تعالى) [4669] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (8/ 352). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (أمَّا تَرَتُّبُ الجَزاءِ على الأعمالِ، فقَد ضَلَّت فيه الجَبريَّةُ والقَدَريَّةُ، وهَدى اللهُ أهلَ السُّنَّةِ، ولَه الحَمدُ والمِنَّةُ؛ فإنَّ الباءَ الَّتي في النَّفيِ غيرُ الباءِ الَّتي في الإثباتِ. فالمَنفيُّ في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَن يَدخُلَ الجَنَّةَ أحَدٌ بعَمَلِه)) باءُ العِوَضِ، وهو أن يَكُونَ العَمَلُ كالثَّمَنِ لِدُخُولِ الرَّجُلِ إلى الجَنَّةِ، كَما زَعَمَتِ المُعتَزِلةُ أنَّ العامِلَ مُستَحِقٌّ دُخُولَ الجَنَّةِ على رَبِّه بعَمَلِه! بَل ذَلِكَ برَحمة الله وفَضلِه. والباءُ الَّتي في قَولِه: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17] ونَحوِها باءُ السَّبَبِ، أي: بسَبَب عَمَلِكم، واللَّهُ تعالى هو خالِقُ الأسبابِ والمُسَبَّباتِ، فرَجَعَ الكُلُّ إلى مَحْضِ فَضْلِ اللهِ ورَحمَتِه) [4670] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/ 642-643). .

انظر أيضا: