الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: من نَتائِجِ الالتزامِ بمَنهَجِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في تقريرِ مَسائِلِ الاعتِقادِ: أنَّ الالتِزامَ بهذا المَنهَجِ يُوحِّدُ صفوفِ المُسلِمينَ، ويَجمَعُ كَلِمتَهم؛ على تنوُّعِ اهتِماماتِهم العِلميَّةِ والعَمَليَّةِ، وتفاضُلِ مقاديرِهم في العِلمِ والإيمانِ

الالتِزامُ بمَنهَجِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ يُوحِّدُ صُفوفَ المُسلِمينَ، ويَجمَعُ كَلِمَتَهم، ولا يعني هذا وُجوبَ الاتِّفاقِ في جميعِ تفاصيلِ المسائِلِ ودَقائِقِها، ولكِنِ المطلوبُ الاتِّفاقُ في الطَّريقِ والمَنهَجِ الموصِلِ إلى الحقِّ؛ فإن وُجِدَ اختِلافٌ بَعْدَ ذلك لم يُفسِدْ للوُدِّ قَضِيَّةً، بل يندَفِعُ بالتناصُحِ والتشاوُرِ، وتذوبُ حِدَّتُه في بَحرِ الأُلفةِ والمودَّةِ.
قال أبو القاسِمِ الأصبهانيِّ: (السَّبَبُ في اتِّفاقِ أهلِ الحديثِ أنَّهم أخذوا الدِّينَ من الكِتابِ والسُّنَّةِ وطَريقِ النَّقلِ، فأورَثَهم الاتِّفاقَ والائتِلافَ، وأهلُ البِدَعِ أخَذوا الدِّينَ من المعقولاتِ والآراءِ، فأورَثَهم الافتراقَ والاختِلافَ؛ فإنَّ النَّقلَ والرِّوايةَ مِنَ الثِّقاتِ المتقِنينَ قلَّما تختَلِفُ، وإن اختَلَفت في لفظٍ أو كَلِمةٍ فذلك اختِلافٌ لا يضرُّ الدِّينَ، ولا يَقدَحُ فيه، وأمَّا دَلائِلُ العَقلِ فقلَّما تتَّفِقُ، بل عَقلُ كُلِّ واحدٍ يُري صاحِبَه غَيرَ ما يرى الآخَرُ، وهذا بيِّنٌ والحَمدُ للهِ، وبهذا يَظهَرُ مُفارقةُ الاختلافِ في مذاهِبِ الفُروعِ اختلافَ العقائِدِ في الأُصولِ، فإنَّا وجَدْنا أصحابَ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورَضِيَ عنهم- اختَلَفوا في أحكامِ الدِّينِ فلم يَفتَرِقوا، ولم يَصِيروا شِيَعًا؛ لأنَّهم لم يُفارِقوا الدِّينَ، ونَظَروا فيما أذِنَ لهم، فاختَلَفت أقوالُهم وآراُؤهم في مسائِلَ كثيرةٍ) [259] يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (2/241). ويُنظر لهذه النتائج: ((منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة)) لعثمان حسن (2/730). .

انظر أيضا: