الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الأولُ: تَعريفُ الجَنَّةِ

الجَنَّةُ هي الجَزاءُ العَظيمُ، والثَّوابُ الجَزيلُ، الَّذي أعَدَّه اللهُ لِأَوليائِه وأهلِ طاعَتِه، وهي نَعيمٌ كامِلٌ لا يَشُوبُه نَقصٌ، ولا يُعكِّرُ صَفْوَه كَدَرٌ، وما حَدَّثَنا اللهُ به عَنها، وما أخبَرَنا به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحيِّرُ العَقلَ ويُذهِلُه؛ لِأنَّ تَصَوُّرَ عَظَمةِ ذَلِكَ النَّعيمِ يَعجِزُ العَقلُ عَن إدراكِه واستيعابِه [4280] ينظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (4/ 308)، ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (3/ 253). .
وفي الحَديثِ القُدُسيِّ عَن أبي هريرةَ رَضيَ اللهُ عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَقُولُ اللهُ تعالى: أعدَدتُ لِعِباديَ الصَّالِحينِ ما لا عينٌ رَأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطرَ على قَلبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا، بَلَه ما أُطلِعتُم عليه، ثُمَّ قَرَأ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17] )) [4281] أخرجه البخاري (4780) واللَّفظُ له، ومسلم (2824). .
وتَظهَرُ عَظَمةُ النَّعيمِ بمُقارَنَتِه بمَتاعِ الدُّنيا؛ فإنَّ مَتاعَ الدُّنيا بجانِب نَعيمِ الآخِرةِ تافِهٌ حَقيرٌ، لا يُساوي شيئًا.
عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعِديِّ رَضيَ اللهُ عَنهما قال: قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَوضِعُ سَوطٍ [4282] قال الراغب: (السَّوطُ: الجلدُ المضفور الذي يُضرَبُ به) ((المفردات في غريب القرآن)) (ص: 434). وقال ابن بطال: ((موضِعُ سوطٍ فى الجنةِ) يريدُ أنَّ ما صغُرَ فى الجنَّةِ من المواضع كلِّها من بساتينها وأرضِها) يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (5/ 14). في الجَنَّةِ خيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها)) [4283] أخرجه البخاري (3250). .
ولِذا كانَ دُخُولُ الجَنَّةِ والنَّجاةُ مِنَ النَّارِ في حُكمِ اللهِ وتَقديرِه هو الفَلاحُ العَظيمُ، والفَوزُ الكَبيرُ، والنَّجاةُ العُظمى.
قال اللهُ تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَناتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 72] .
وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء: 13] .
قال ابنُ القيِّمِ: (الجَنَّةُ اسمٌ شامِلٌ لِجَميعِ ما حَوَتْه مِنَ البساتينِ والمَساكِنِ والقُصُورِ، وهي جَناتٌ كَثيرةٌ جِدًّا) [4284] يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 102). .
وقال ابنُ باز: (دارُ الجَزاءِ، وهي الآخِرةُ...دارُ النَّعيمِ والحبرةِ والسُّرُورِ، دارُ الكَرامةِ والسَّعادةِ، دارٌ لا يَفنى نَعيمُها، ولا يَمُوتُ أهلُها، ولا تَبلى ثيابُهم، ولا يَخلقُ شَبابُهم، بَل في نَعيمٍ دائِمٍ، وصِحَّةٍ دائِمةٍ، وشَبابٍ مُستَمِرٍّ، وحياةٍ طيِّبةٍ سَعيدةٍ، ونَعيمٍ لا يَنفَدُ، يُنادى فيهم مِن عِندِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: ((يا أهلَ الجَنَّةِ، إنَّ لَكم أن تَحيَوا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكم أن تَصِحُّوا فلا تَسقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لِكم أن تَشبُّوا فلا تَهرمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكم أن تَنعَمُوا فلا تَبتَئِسُوا أبَدًا )) [4285] أخرجه مسلم (2837) باختلافٍ يسيرٍ من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، هذه حالُهم ولَهم فيها ما يَشتَهونَ، ولَهم فيها ما يَدَّعُونَ. نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ولَهم فيها لِقاءٌ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ كَما يَشاءُ، ورُؤيةُ وَجْهِه الكَريمِ جَلَّ وعلا) [4286] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (2/ 8). .
وقال ابنُ عُثيمين: (الجَنَّةُ: هي الدَّارُ الَّتي أعَدَّها الله تعالى لِأَوليائِه، وفيها ما تَشتَهيه الأنفُسُ وتَلَذُّ الأعيُنُ، وفيها ما لا عينٌ رَأتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قَلب بَشَرٍ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17] ، أي: لا تَعلَمُ حَقيقَتَه وكُنْهَه) [4287] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 181). .
وقال أيضًا: (الجَنَّةُ دارُ النَّعيمِ الَّتي أعَدَّها اللهُ تعالى لِلمُؤمِنينَ المُتَّقينَ، الَّذينَ آمَنُوا بما أوجَبَ اللهُ عليهمُ الإيمانَ به، وقامُوا بطاعةِ اللهِ ورَسولِه، مُخلِصينَ للهِ مُتَّبِعينَ لِرَسُولِه. فيها مِن أنواعِ النَّعيمِ ما لا عينٌ رَأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطرَ على قَلب بَشَرٍ. قال اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة: 7، 8]، وقال تعالى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17] ) [4288] يُنظر: ((شرح ثلاثة الأصول)) (ص: 102). .

انظر أيضا: