الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الأوَّلُ: سَعَتُه

1- عن حارِثةَ بنِ وَهْبٍ رَضِيَ الله عنه قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذَكرَ الحَوضَ فقال: ((كما بينَ المَدينةِ وصَنعاءَ)) [4194] أخرجه البخاري (6591) واللَّفظُ له، ومسلم (2298). .
2- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أمامَكم حَوضٌ كما بينَ جرباءَ وأذرحَ )) [4195] أخرجه البخاري (6577) واللَّفظُ له، ومسلم (2299). .
وجرباءُ وأذرحُ قريتانِ بالشَّامِ [4196] يُنظر: ((معجم البلدان)) لياقوت الحموي (1/ 129) (2/ 118).  قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/472): (أمَّا مَسافةُ الثَّلاثِ فإنَّ الحافِظَ ضِياءَ الدِّينِ المَقْدِسيَّ ذكَرَ في الجزءِ الذي جمعه في الحوضِ أنَّ في سياقِ لَفْظِها غلَطًا، وذلك الاختصارُ وقع في سياقه من بعضِ رُواتِه، ثم ساقه من حديثِ أبي هُرَيرةَ، وأخرجه من فوائِدِ عبدِ الكريمِ بنِ الهيثمِ الديرعاقوليِّ بسنَدٍ حَسَنٍ إلى أبي هُرَيرةَ مرفوعًا في ذِكرِ الحَوضِ، فقال فيه: عَرْضُه مِثلُ ما بينكم وبين جَرْباءَ وأَذْرُحٍ. قال الضِّياءُ: فظهر بهذا أنَّه وقع في حديثِ ابنِ عُمَرَ حَذفٌ تقديرُه: كما بين مقامِي وبين جَرْباءَ وأَذْرُحٍ، فسقط "مقامي، وبين"، وقال الحافِظُ صلاحُ الدِّينِ العلائيُّ بعد أن حكى قولَ ابنِ الأثيرِ في النهايةِ: هما قريتانِ بالشَّامِ بينهما مسيرةُ ثلاثةِ أيَّامٍ، ثمَّ غلَّطه في ذلك، وقال: ليس كما قال، بل بينهما غَلْوةُ سَهمٍ، وهما معروفتانِ بين القُدْسِ والكَرْكِ، قال: وقد ثبت القَدْرُ المحذوفُ عند الدَّارَقُطنيِّ وغيرِه بلفظِ: ما بين المدينةِ وجَرْباءَ وأَذرُحٍ. قُلتُ: وهذا يوافِقُ روايةَ أبي سعيدٍ عندَ ابنِ ماجَهْ: كما بين الكَعبةِ وبيتِ المَقْدِسِ، وقد وقع ذِكْرُ جَرْباءَ وأذْرُحٍ في حديثٍ آخَرَ عند مُسلمٍ، وفيه: وافى أهْلُ جَرْباءَ وأَذْرُحٍ بحَرَسِهم إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ذكره في غزوةِ تَبُوكَ، وهو يؤيِّدُ قولَ العَلائيِّ أنَّهما متقاربتانِ، وإذا تقرَّر ذلك رَجَع جميعُ المختَلِفِ إلى أنَّه لاختلافِ السَّيرِ البَطيءِ والسَّيرِ السَّريعِ) .
3- عن أنسِ بن مالِكٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ قَدْرَ حَوضي كما بينَ أيلةَ وصنعاءَ مِنَ اليَمَنِ )) [4197] أخرجه مطولًا البخاري (6580) واللَّفظُ له، ومسلم (2303). .
4- عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ الله عنهما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حَوضي مَسيرةُ شَهرٍ)) [4198] أخرجه البخاري (6579)، ومسلم (2292) مطولًا. .
وفي رِوايةٍ: ((حَوضي مَسيرةُ شَهرٍ، وزَواياه سَواءٌ، وماؤُه أبيضُ من الوَرِقِ، وريحُه أطيبُ من المِسكِ)) [4199] أخرجها مسلم (2292). .
ومَعنى زَواياه سَواءٌ يَعني: عَرضُه كطولِه [4200] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (15/ 55). .  
5- عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ الله عنه قال: صَلَّى رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قَتْلى أحُدٍ، ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ كالموَدِّعِ للأحياءِ والأمواتِ فقال: ((إنِّي فَرَطُكم على الحَوضِ، وإنَّ عَرْضَه لَمَا بينَ أيلةَ إلى الجُحفةِ [4201] قال عياض: (الجُحْفة، بضم الجيم: قرية جامعةٌ أحدُ مواقيت الحج، بينها وبين المدينة ثماني مراحل، وهى على طريق مكة) ((إكمال المعلم)) (7/ 259). ، إنِّي لَستُ أخشى عليكم أن تُشرِكوا بَعْدي، ولَكِنِّي أخشى عليكمُ الدُّنيا أن تَنافَسُوا فيها، وتَقتَتِلوا فتَهلِكوا كما هَلَك من كان قَبلَكم ))، قال عُقْبةُ: (فكانت آخِرَ ما رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المِنبَرِ!) [4202] أخرجه البخاري (4042)، ومسلم (2296) واللَّفظُ له. .
قال عياضٌ بَعدَ ذِكرِ الرِّواياتِ وتَعَدُّدِ المُدُنِ: (وهذا كُلُّه من اختِلافِ التَّقديرِ، ليس في حَديثٍ واحِدٍ فيُحسَبَ اختِلافًا واضطِرابًا من الرُّواةِ، وإنَّما جاءَ في أحاديثَ مُختَلِفةٍ عن غَيرِ واحِدٍ من الصَّحابةِ سَمِعوه في مَواطِنَ مُختَلِفةٍ. ضَربَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كُلِّ واحِدٍ منهما ميلًا لبُعدِ أقطارِ الحَوضِ وسَعَتِه وكِبَرِه، بما تَسنَحُ له من العِبارةِ وقُربٍ للأفهامِ؛ لبُعدِ ما بينَ البِلادِ النَّائيةِ البَعيدِ بَعضُها عن بَعضٍ، لا على التَّقديرِ، والمُحَقِّق لِما بينَهما بلا إعلامٍ ببُعدِ المَسافةِ، وسَعةُ القُطرِ، وعِظَمِ الحَوضِ. فبِهذا تَجتَمِعُ هذه الألفاظُ من جِهةِ المَعنى -واللهُ أعلَمُ- كما قال في الآنيّةِ: «عَدَدُها كنُجومِ السَّمَاءِ» إشارةً إلى غايةِ الكَثرةِ) [4203] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (7/ 259). .
قال النَّوويُّ بعد ذِكرِه كلامَ عياضٍ: (قُلتُ: وليس في القَليلِ مِن هذه مَنعُ الكثيرِ، والكثيرُ ثابتٌ على ظاهِرِ الحديثِ، ولا مُعارضةَ، واللهُ أعلَمُ) [4204] يُنظر: ((شرح مسلم)) (15/ 58). .
وقال القُرطُبيُّ: (ظَنَّ بَعضُ النَّاسِ أنَّ هذه التَّحديداتِ في أحاديثِ الحَوضِ اضطِرابٌ واختِلافٌ، وليس كذلك، وإنَّما تَحدَّثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحَديثِ الحَوضِ مَرَّاتٍ عَديدةً، وذَكَرَ فيها تلك الألفاظَ المُختَلِفةَ مُخاطِبًا لكُلِّ طائِفةٍ بما كانت تَعرِفُ من مَسافاتِ مَواضِعِها، فيَقولُ لأهلِ الشَّامِ: ما بينَ أذرحَ وجربا، ولِأهلِ اليَمَنِ: من صِنعاءَ إلى عَدَنٍ، وهَكَذا، وتارةً أخرى يُقَدِّرُ بالزَّمانِ، فيَقولُ: مَسيرةُ شَهرٍ، والمَعنى المَقصودُ أنَّه حَوضٌ كبيرٌ مُتَّسِعُ الجَوانِبِ والزَّوايا، فكان ذلك بحَسَبِ من حَضَرَه مِمَّن يَعرِفُ تلك الجِهاتِ، فخاطَبَ كُلَّ قَومٍ بالجِهةِ التي يَعرِفونَها، واللهُ أعلَمُ) [4205] يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 347). .

انظر أيضا: