الموسوعة العقدية

المَبحَثُ السَّادِسُ: النَّاجونُ والهالِكون

بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَصيرَ النَّاسِ بَعدَ المُرورِ على الصِّراطِ في أحاديثَ كثيرةٍ؛ منها:
عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال بَعدَ أن ذَكَرَ كيفيَّةَ مُرورِ النَّاسِ على الصِّراطِ: ((فناجٍ مُسلَّمٌ، وناجٍ مَخدوشٌ، ومَكدوسٌ في نارِ جَهنَّمَ)) [4082] أخرجه البخاري (7439) مطولًا .
وفي رِوايةٍ: ((فناجٍ مُسلَّمٌ، ومَخدوشٌ مُرسَلٌ، ومَكدوسٌ في نارِ جَهنَّمَ)) [4083] أخرجها مسلم (183) مطولًا.
قال النَّوَويُّ: (قَوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فناجٍ مُسلَّمٌ، ومَخدوشٌ مُرسَلٌ، ومَكدوسٌ في نارِ جَهنَّمَ)) مَعناه أنَّهم ثَلاثةُ أقسامٍ: قِسمٌ يُسلَّمُ فلا يَنالُه شَيءٌ أصلًا، وقِسمٌ يُخدَشُ ثُمَّ يُرسَلُ فيُخَلَّصُ، وقِسمٌ يُكردَسُ ويُلقى فيَسقُطُ في جَهَنَّمَ) [4084] يُنظر: ((شرح مسلم)) (3/ 29). .
وقال البَيضاويُّ: (قَسَّمَ المارَّةَ على الصِّراطِ ثَلاثَ فِرَقٍ على اختِلافِ مَراتِبِهم بحَسَبِ العَقيدةِ والعَمَلِ).
فالمارُّونُ على الصِّراطِ ثَلاثةُ أصنافٍ، هيَ [4085] يُنظر: ((صفة الصراط)) لحاي الحاي (ص: 25)، ((مباحث المفاضلة في العقيدة)) للشظيفي (ص: 402). :
1- النَّاجي المُسلَّمُ بلا خَدشٍ:
النَّاسُ من هذا الصِّنفِ همُ الذينَ يُعطَونَ نُورًا عَظيمًا على الصِّراطِ على قَدرِ أعمالِهم، فيَنطَلِقونَ عليه بسُرعةٍ عَظيمةٍ.
وقد ذَكَرَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صِفتَهم بقَولِه: ((ثُمَّ يَنجو المُؤمِنونَ، فتَنجو أوَّلُ زُمرةٍ وُجوهُهم كالقَمَرِ لَيلةَ البَدرِ، سَبعونَ ألفًا لا يُحاسَبونَ، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهم كأضوَأِ نَجمٍ في السَّماءِ )) [4086] أخرجه مسلم (191) مطولًا. .
2- الهالِكُ من أوَّلِ وَهلةٍ:
النَّاسُ في هذا الصِّنفِ همُ المُنافِقونَ الذينَ يُعطيهمُ اللهُ تعالى نورًا فيَنطَلِقونَ على الصِّراطِ، ثُمَّ يُطفَأ نُورُهم فيَسقُطونَ في النَّارِ على رُؤوسِهم، وكَذلك العُصاةُ والفَسَقةُ من الموَحِّدينَ، واللهُ أعلَمُ.
3- المتوسِّطُ بينهما يصابُ ثم ينجو:
النَّاسُ من هذا الصِّنفِ همُ الذينَ اجتَرَحوا السَّيئاتِ واكتَسَبوا الخَطَايا، فتَخطَفُهمُ الكَلاليبُ، فتَجرَحُ أجسادَهم، ثُمَّ يَنجُونَ بفَضلِ رَحمةِ اللهِ، ثُمَّ بما قَدَّموه من طاعاتٍ في الحَياةِ الدُّنيا، واللهُ أعلَمُ.
ولَعَلَّ ما يَحدُثُ لهم على الصِّراطِ يَكونُ جَزاءً لهم على مَعاصيهم وتَقصيرِهم في طاعةِ رَبِّهم. وهم بَعدَ الِانتِهاءِ من المُرورِ على الصِّراطِ ونَجاتِهم من السُّقوطِ في النَّارِ يَحمَدونَ اللهَ تعالى على ذلك؛ فعنِ ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... فيَخلُصوا، فإذا خَلَصوا قالوا: الحَمدُ لله الذي نَجَّانا مِنكِ بَعدَ الذي أراناكِ، لَقد أعطانا اللهُ ما لَم يُعطَ أحَدًا )) [4087] أخرجه مطولًا الطبراني (9/417) (9763)، والحاكم (8751) واللَّفظُ له، والدارقطني في ((رؤية الله)) (160). صحَّحه الحاكم، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (3591)، وحسَّنه الذهبي في ((العرش)) (76)، وابن القيم في ((حادي الأرواح)) (262)، ووثق رجاله شعيب الأرناؤوط في تخريج ((العواصم والقواصم)) (5/143)، وذكر ابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/ 583) أن إسناده متصلاً، وذكر المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/296) أنه روي من طرقٍ أحدها صحيح، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/343): إنه روي من طرق ورجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني وهو ثقة. .

انظر أيضا: