الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الثَّاني: عِظَمُ شَأنِ الدِّماءِ

عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَجيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بيَدِ الرَّجُلِ فيَقولُ: يا رَبِّ، هذا قَتَلَني، فيَقولُ اللهُ له: لمَ قَتَلْتَه؟ فيَقولُ: قَتلْتُه لتَكونَ العِزَّةُ لَك، فيَقولُ: فإنَّها لي. ويَجيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بيدِ الرَّجُلِ فيَقولُ: إنَّ هذا قَتَلَني، فيَقولُ الله له: لمَ قَتلْتَه؟ فيَقولُ: لتَكونَ العِزَّةُ لفُلانٍ، فيَقولُ: إنَّها ليست لفُلانٍ، فيبوءُ بإثمِه )) [3798] أخرجه النسائي (3997) واللَّفظُ له، والطبراني (10/119) (10075)، والبيهقي (17251). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3997)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (875)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/553)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27/146). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَجيءُ المَقتولُ بالقاتِلِ يَومَ القيامةِ ناصِيَتُه ورَأسُه بيَدِه وأوداجُه تَشخَبُ دَمًا يَقولُ: يا رَبِّ هذا قَتَلِني حَتَّى يُدنيه من العَرْشِ، قال: فذَكَروا لابنِ عَبَّاسٍ التَّوبةَ، فتَلا هذه الآيةَ: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا قال: وما نُسِخَتْ هذه الآيةُ ولا بُدِّلَتْ، وأنَّى له التَّوبةُ؟!)) [3799] أخرجه من طرق الترمذي (3029) واللَّفظُ له، والنسائي (4005) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/334)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3029)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح  المسند)) (584)، وقال الترمذي: حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه (2621)، وأحمد (2683) بنحوه صحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (2683)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (4/237). .
قال البَيضاويُّ: ( ((وأوداجُه تَشخَبُ دَمًا)) أي: ودْجاه تَسيلُ دِماؤُها، عِرقانِ على صَفحَتي العُنُقِ) [3800] يُنظر: ((تحفة الأبرار)) (2/ 468). .
وقال عليٌّ القارِي: ( ((حَتَّى يُدْنيه من العَرْشِ))... أي: يُقَرِّبُ المَقتولُ القاتِلَ من العَرْشِ، وكَأنَّه كِنايةٌ عن استِقصاءِ المَقتولِ في طَلَبِ ثَأرِه، وعن المُبالَغةِ في إرضاءِ اللهِ تعالى إيَّاه بعَدلِه) [3801] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (6/ 2269). .
ولِعِظَمِ أمرِ الدِّماءِ فإنَّها تَكونُ أوَّلَ شَيءٍ يُقضى فيه بينَ العِبادِ
عن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أوَّلُ ما يُقضى بينَ النَّاسِ يَومَ القيامةِ في الدِّماءِ)) [3802] أخرجه البخاري (6533)، ومسلم (1678) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ حَجَرٍ: (في الحَديثِ عِظَمُ أمرِ الدَّمِ، فإنَّ البداءةَ إنَّما تَكونُ بالأهَمِّ، والذَّنبُ يَعظُمُ بحَسَبِ عِظَمِ المَفسَدةِ وتَفويتِ المَصلَحةِ، وإعدامُ البِنيةِ الإنسانيَّةِ غايةٌ في ذلك) [3803] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/397). .
وقال أيضًا: (لا يُعارِضُ هذا حَديثُ أبي هُريرةَ رَفَعَه: ((إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ به العَبدُ يَومَ القيامةِ صَلاتُه)) [3804] أخرجه من طرق أبو داود (864) واللَّفظُ له، والنسائي (466)، وابن ماجه (1426)، وأحمد (9494) صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (864)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (9494). وروي من طريق آخر بلفظ: عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه سمعتُ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ أوَّلَ ما يحاسَبُ به العبدُ يوم القيامة من عمله صلاتُه، فإن صلَحَت فقد أفلح وأنجح، وإن فسَدَت فقد خاب وخَسِرَ، فإن انتقص من فريضته شيءٌ قال الرَّبُّ عزَّ وجلَّ: انظروا هل لعبدي من تطوُّعٍ؟ فيُكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائِرُ عمَلِه على ذلك)). أخرجه الترمذي (413) واللَّفظُ له، والنسائي (465). صحَّحه ابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (6/29)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (413)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((رياض الصالحين)) (1081)، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ، وصحَّح إسناده بمعناه النووي في ((المجموع)) (4/55)، وذكر ثبوته ابن العراقي في ((طرح التثريب)) (3/34). والحديث روي من طريق آخر بلفظ: عن أبي هريرة، عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "أوَّلُ ما يحاسَبُ به العبدُ صلاته، فإن كان أكملها وإلَّا قال الله عز وجل: انظُروا لعبدي من تطوعٍ، فإن وُجِد له تطوع. قال: أكملوا به الفريضةَ". أخرجه النسائي (467) واللَّفظُ له، وإسحاق بن راهويه في ((المسند)) (506)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (2554). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (467)، وصحَّح إسناده ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/229)، وابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (1/333)، وشعيب الأرناؤوط على شرط الشيخين في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (2554). ... لأنَّ الأوَّلَ مَحمولٌ على ما يَتَعَلَّقُ بمُعامَلاتِ الخَلقِ. والثَّاني: فيما يَتَعَلَّقُ بعِبادةِ الخالِقِ. وقد جَمَعَ النَّسائيُّ في رِوايَتِه في حَديثِ ابنِ مَسعودٍ بينَ الخَبَرينِ، ولَفظُه: ((أوَّلُ ما يُحاسَبُ العَبدُ عليه صَلاتُه، وأوَّلُ ما يُقضى بينَ النَّاسِ في الدِّماءِ )) [3805] أخرجه النسائي (3991) واللَّفظُ له، ومحمد بن نصر فى ((تعظيم قدر الصلاة)) (179)، وأبو يعلى (5414). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3991)، وضعف إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6/194). والقضاء في الدماء أصله في الصحيحين أخرجه البخاري (6533)، ومسلم (1678). [3806] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/396). .
قال ابنُ بازٍ: (هذا يَدُلُّ على عِظَمِ شَأنِ الدِّماءِ، وأنَّه أوَّلُ ما يُقضى بينَ النَّاسِ في الدِّماءِ؛ لِما بينَهم من الحُقوقِ، فهذا فيه الحَذَرُ من سَفكِ الدَّمِ الحَرامِ، والعُدوانِ على النَّاسِ، فيَجِبُ على المُؤمِنِ أن يَحذَرَ العُدوانَ على النَّاسِ وسَفْكَ الدَّمِ بغَيرِ الحَقِّ؛ لأنَّ جَريمةَ القَتْلِ عَظيمةٌ؛ قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93] ، وفي الحَديثِ يَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَزالُ الرَّجُلُ في فُسْحةٍ من دينِه ما لَم يُصِبْ دَمًا حَرامًا )) [3807] أخرجه البخاري (6862) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما. [3808] يُنظر: ((الإفهام)) (ص: 675). .

انظر أيضا: