الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الثَّاني: مِمَّا يُسأَلُ عنه العِبادُ: الأعمالُ التي عَمِلَها كُلٌّ منهم في دُنياه

يُسأَلُ المَرءُ يَومَ القيامةِ عن جَميعِ أعمالِه التي عَمِلَها في الحَياةِ الدُّنيا.
قال اللهُ تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: 92-93] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه لنَبيِّه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فوَرَبِّك يا مُحَمَّدُ لنَسألَنَّ هؤلاء الذينَ جَعَلوا القُرآنَ في الدُّنيا عِضِينَ في الآخِرةِ عَمَّا كانوا يَعمَلونَ في الدُّنيا فيما أمَرناهم به، وفيما بَعَثناك به إليهم من آيِ كِتابي الذي أنزَلْتُه إليهم، وفيما دَعوناهم إليه من الإقرارِ به، ومن تَوحيدي، والبَراءةِ من الأندادِ والأوثانِ...حَدَّثَني المُثنَّى، قال: ثَنا عَبدُ اللهِ قال: ثَني مُعاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عَباسٍ قَولَه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: 93] ، ثُمَّ قال: فَيْوَمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ [الرحمن: 39] قال: «لا يَسألُهم هَل عَمِلتُم كذا وكَذا؟ لأنَّه أعلَمُ بذلك منهم، ولَكِن يَقولُ لهم: لمَ عَمِلتُم كذا وكَذا؟») [3714] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/ 139-141). .
وعن أبي بَرزةَ الأسلَميِّ رَضِيَ الله عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَزولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القيامةِ حَتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه فيمُ أفناه، وعن عِلمِه فيمَ فَعلَ، وعن مالِه من أينَ اكتَسَبَه وفيمَ أنفَقَه، وعن جِسمِه فيمَ أبلاه ))  [3715] أخرجه الترمذي (2417) واللَّفظُ له، والدارمي (537)، وأبو يعلى (7434). صحَّحه الترمذي، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (30/301)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2417)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (9/316). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((لا تَزولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القيامةِ حَتَّى يُسأَلَ عن أربَعٍ)) عَبْدٌ هنا: يُرادُ به العُمومُ؛ لأنَّه نَكِرةٌ في سياقِ النَّفي، لَكِنَّه مُخَصَّصٌ بمَن لا حِسابَ عليه، وهمُ الزُّمرةُ السَّابِقةُ إلى الجَنةِ أوَّلًا، الذينَ يُقالُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيهم: أدخِلِ الجَنَّةَ من أمَّتِك من لا حِسابَ عليه من البابِ الأيمَنِ [3716] أخرجه مطولًا البخاري (4712)، ومسلم (194) واللَّفظُ له . ... وقَولُه: ((عن عُمُرِه فيمُ أفناه؟ وعن جَسدِه فيمَ أبلاه؟ وعن عِلمِه ما عَمِلَ فيه، وعن مالِه من أينَ اكتَسَبَه؟ وفيمَ أنفَقَه؟))، ظاهرُه: أنَّه يُسألُ عن هذه الأربَعِ مُجْمَلةً كما نُطِقَ بها، وليس كذلك، بَل يُسألُ عن آحادِ كُلِّ نَوعٍ منها، فيُسألُ عن أزمانِه من وقتِ تَكليفِه زَمانًا زَمانًا، وعَمَّا عَمِلَ عَمِلًا عَمَلًا، وعن مَعلوماتِه وما عَمِلَ بها واحِدًا واحِدًا، وهَكَذا في سائِرِها تَعيينًا وتَعديدًا وتَفصيلًا. والدَّليلُ على ذلك قَولُه تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8]، وقالوا: يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف: 49]، وقَولُه: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47] ، ومِثلُ هذا كثيرٌ في الشَّريعةِ، ومَن تَصَفَّحَ ذلك حَصَلَ على العِلمِ القَطعيِّ واليَقينِ الضَّروريِّ من ذلك) [3717] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 158). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (في سياقِ حَديثِ أبي بَرزةَ إشارةٌ إلى الخُصوصِ، وذلك أنَّه ليس كُلُّ أحَدٍ عِندَه عِلمٌ يُسأَلُ عنه، وكَذا المالُ فهو مَخصوصٌ بمِن له عِلمٌ وبمَن له مالٌ دونَ من لا مالَ له ومَن لا عِلمَ له، وأمَّا السُّؤالُ عن الجَسَدِ والعُمُرِ فعامٌّ ويُخَصُّ من المَسؤولينَ من ذُكِرَ. واللهُ أعلَمُ) [3718] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/ 414). .

انظر أيضا: