الموسوعة العقدية

الْمَطْلَبُ السَّادِسُ: مُدَّةُ بَقائِه في الأرضِ

اختُلِفَ في مُدَّةِ بَقاءِ عِيسى عليه السَّلامُ في الأرضِ بَعْدَ نُزولِه في آخِرِ الزَّمانِ، فقيل: يَمكُثُ أربَعينَ عامًا. وقيلَ: سَبعةَ أعوامٍ، يَكونُ بها تَمامُ أربَعينَ سَنةً لعُمرِه؛ حَيثُ رُفعَ على الْمَشهورِ وعُمرُه ثَلاثٌ وثَلاثونَ. واللهُ تعالى أعلَمُ.
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الأنبياءُ إخوةٌ لعَلَّاتٍ، أمَّهاتُهم شَتَّى ودِينُهم واحِدٌ، وإنِّي أَولى النَّاسِ بعيسى بنِ مَريَم؛ لأنَّه لَم يَكُن بَيني وبينَه نَبيٌّ، وإنَّه نازِلٌ، فإذا رَأيتُموه فاعرِفوه: رَجُلٌ مَربوعٌ إلى الحُمرةِ والبياضِ، عليه ثوبانِ مُمصَّرانِ كأنَّ رَأسَه يَقطُرُ، وإن لَم يُصِبْه بَلَلٌ، فيَدُقُّ الصَّليبَ، ويَقتُلُ الخِنزيرَ، ويَضَعُ الجِزْيةَ، ويَدعو النَّاسَ إلى الإسلامِ، فيُهلِكُ اللهُ في زَمانِه الْمِلَلَ كُلَّها إلَّا الإسلامَ، ويُهلِكُ اللهُ في زَمانِه الْمَسيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَعُ الأَمَنةُ على الأرضِ حَتَّى تَرتَعَ الأُسودُ مَعَ الإبلِ، والنِّمارُ مَعَ البَقَرِ، والذِّئابُ مَعَ الغَنَمِ، ويَلعَبَ الصِّبيانُ بالحَيَّاتِ، لا تَضُرُّهم، فيَمكُثُ أربَعينَ سَنةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى، ويُصَلِّي عليه الْمُسلِمونَ )) [2822] أخرجه مُطَولًا أبو داود (4324)، وأحمد (9270) واللَّفظُ له صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (6821)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4324)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4324) وقال: دون قوله: "فيصلي عليه المسلمون"، وصحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (4163)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/601)، وجوَّد إسناده وقوَّاه ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/171)، وقال الطبري في ((التفسير)) (3/373): متواتر. .
قال ابنُ رَسلان: ( ((فيَمكُثُ)) عيسى عليه السَّلامُ ((في الأرضِ أربَعينَ سَنةً)) وفي مُسْنَدِ أبي داوُدَ الطَّيالِسيُّ: ((يُهلِكُ اللهُ مَسيحَ الضَّلالةِ الأَعْورَ الكَذَّابَ، وتَقَعُ الأَمَنةُ في الأرضِ حَتَّى يَرعى الأسَدُ مَعَ الإبلِ والنَّمِرُ مَعَ البَقَرِ والذِّئابُ مَعَ الغَنَمِ، ويَلعَبَ الصِّبيانُ بالحَيَّاتِ فلا يَضُرَّ بَعضُهم بَعضًا، يَبقى في الأرضِ أربَعينَ سَنةً)) [2823] أخرجه مُطَولًا أبو داود (4324)، وأحمد (9270)، والطيالسي (2698) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (6821)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4324)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4324)، وصحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (4163)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/601)، وجوَّد إسناده وقوَّاه ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/171)، وقال الطبري في ((التفسير)) (3/373): متواتر. ، ((ثُمَّ يُتَوَفَّى)) يَموتُ، ((فيَصلِّي عليه الْمُسلِمونُ)) ويَدْفِنونَه) [2824] يُنظر: ((شرح سنن أبي داود)) (17/ 161). .
قال ابنُ كثيرٍ: ( ((فيَمكُثُ أربَعينَ سَنةً ثُمَّ يُتَوَفَّى، ويُصَلي عليه الْمُسلِمونَ)) أخرجه أحمَدُ، وأبو داوُدَ. وهَكَذا وقَعَ في هذا الحَديثِ أنَّه يَمكُثُ في الأرضِ أربَعينَ سَنةً. وثَبَت في صَحيحِ مُسْلِمٍ، عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه يَمكُثُ في الأرضِ سَبعَ سِنينَ)) [2825] أخرجه مسلم (2940) من حديث عبد اللهِ بنِ عَمرٍو رضي اللهُ عنهما مرفوعاً بلفظ: (( ... فيبعث اللهُ عيسى ابنَ مريمَ، كأنَّه عُروةُ بنُ مَسعودٍ، فيطلبه فيُهلِكُه، ثم يمكث الناسُ سبع سنين ليس بين اثنين عداوةٌ ... )). . فهذا مَعَ هذا مُشكِلٌ، اللهمَّ إلَّا أن تُحمَلَ هَذِه السَّبعُ على مُدَّةِ إقامَتِه بَعدَ نُزولِه، ويَكونُ ذلك مَحمولًا على مُكْثِه فيها قَبلَ رَفْعِه مُضافًا إليه، وكان عُمرُه قَبلَ رَفعِه ثَلاثًا وثَلاثينَ سَنةً على الْمَشهورِ. وهَذِه السَّبعُ تَكمِلةُ الأربَعينَ، فيَكونُ هذا مُدَّةَ مُقامِه في الأرضِ قَبلَ رَفعِه وبَعدَ نُزولِه، وأمَّا مُقامُه في السَّماءِ قَبلَ نُزولِه فهو مُدَّةٌ طَويلةٌ، واللهُ سُبحانَه أعلَمُ.
وقَد ثَبَت في الصَّحيحِ أن يَأجُوجَ ومَأجوجَ يَخرُجونَ في زَمانِه، ويُهلِكُهم الله ببَركةِ دُعائِه، في لَيلةٍ واحِدةٍ، كما تقَدَّمَ وكَما سَيَأتي، وثَبَت أنَّه يَحُجُّ في مُدَّةِ إقامَتِه في الأرضِ بَعدَ نُزولِه [2826] أخرجه مسلم (1252) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ ((والذي نفسى بيَدِه ليُهِلَّنَّ ابنُ مَريمَ بفَجِّ الروحاءِ حاجًّا أو معتَمِرًا أو لَيَثْنِينَّهما)). قال النووي: (قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لَيَثْنِينَّهما) هو بفتح الياء في أوله، معناه: يَقرِنُ بينهما، وهذا يكون بعد نزول عيسى عليه السلام من السماء في آخر الزمانِ، وأمَّا فَجُّ الرَّوحاءِ فبفتح الفاء وتشديد الجيم، قال الحافظ أبو بكر الحارثي: هو بين مكَّة والمدينةِ). ((شرح مسلم)) (8/234). [2827] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (19/ 230). .

انظر أيضا: