الموسوعة العقدية

الفَرعُ الثَّالِثُ: التَّعَوُّذُ من فتنةِ الدَّجَّالِ

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَعَوَّذُ من فتنةِ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ.
فعَن عائِشةَ رَضِيَ الله عَنها أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يدعو في الصَّلاةِ: ((اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ من عَذابِ القَبرِ، وأعوذُ بكَ مِن فِتْنةِ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ، وأعوذُ بكَ من ِفِتْنةِ الْمَحيا، وفِتْنةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ من الْمَأثَمِ والمَغرَمِ ))، فقال لَه قائِلٌ: ما أكثَرَ ما تَستَعيذُ من الْمَغرَمِ! فقال: ((إنَّ الرجُلَ إذا غَرِمَ حَدَّثَ فكَذَبَ، ووَعَدَ فأخلَفَ )) [2601] أخرجه البخاري (832) واللَّفظُ له، ومسلم (589). .
قال عِياضٌ: (دُعاءُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستِعاذَتُه من بَعضِ هَذِه الأمورِ التي قَد عُلِمَ أنَّه عَوفِيَ مِنها وعُصِمَ؛ ليُلزِمَ نَفسَه خَوفَ اللهِ وإعظامَه، والِافتِقارَ إليه، ولِتَقتَدِيَ به أمَّتُه، ولِيُسِنَّ لَهم سُنَّتَه في الدُّعاءِ والضَّراعةِ، وهيَ حَقيقَةُ العُبوديَّةِ) [2602] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (2/ 543). .
وعَن أنسِ بن مالِكٍ رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يدعو: ((أعوذُ بكَ من البُخلِ والكَسَلِ، وأرذَلِ العُمُرِ، وعَذابِ القَبرِ، وفِتْنةِ الدَّجَّالِ، وفِتْنةِ الْمَحْيا والمَماتِ )) [2603] أخرجه البخاري (4707) واللَّفظُ له، ومسلم (2706). .
قال العَينيُّ: (قَولُه: ((وفِتْنة الدَّجَّالِ)) إذ لَم تَكُن فتنةٌ في الأرضِ مُنذُ خَلقَ اللهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ أعظَمَ مِنها) [2604] يُنظر: ((عمدة القاري)) (19/ 18). .
وقال القَسطَلَّانيُّ: (أصلُ الفِتنةِ الِامتِحانُ والِاختِبارُ، واستُعمِلَت في الشَّرعِ في اختِبارِ كشفِ ما يُكرَهُ، يُقالُ: فتَنْتُ الذَّهَبَ: إذا أدخَلْتَه النَّارَ لتَختَبِرَ جَودَتَه... وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَعَوَّذُ مِنَ الْمَذكوراتِ؛ دَفعًا عَن أمَّتِه وتَشريعًا لَهم ليُبَيِّنَ لَهم صِفةَ الْمُهمِّ مِنَ الأدعيةِ، جَزاه اللهُ عَنَّا ما هو أهلُه) [2605] يُنظر: ((إرشاد الساري)) (7/ 198). .
وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَأمُرُ بالتَّعَوُّذِ من فتنَتِه.
فعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ من أَرْبَعٍ؛ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ من عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ )) [2606] أخرجه البخاري (1377)، ومسلم (588) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ عَلَّانَ: ( ((الدَّجَّالُ)) أيِ: الْمُبالِغُ في الكَذِبِ بادِّعائِه الإحياءَ والإماتةَ وغَيرَهما ممَّا يَقطَعُ كُلُّ عاقِلٍ فضلًا عَنِ الْمُؤمِنِ بكَذبِه فيه، لَكِنَّه لما سُخِّرَ لَه طاعةُ بَعضِ الجَوامِدِ عَظُمَت فِتنَتُه، واشتَدَّت بليَّتُه، حَتَّى أنذَرَ مِنه كُلُّ نَبيٍّ أمَّتَه، وحَتَّى أمَرنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالِاستِعاذةِ مِنها؛ فإنَّه لا يَسْلَمُ مِنها إلَّا الفَذُّ النَّادِرُ أعاذَنا الله مِنها بمَنِّه... واستِعاذَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من هَذِه الأربَعِ للتَّشريعِ، وتَحريضِ الأمَّة عليها، وإلَّا فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آمِنٌ من ذلك كُلِّه) [2607] يُنظر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) (7/ 221). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (هَذِه أربَعةُ أمورٍ أمرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن نَستَعيذَ بالله مِنها إذا فرَغنا مِنَ التَّشَهُّدِ، يَعني: قَبلَ التَّسليمِ... وأمَّا فِتنةُ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ، فالمَسيحُ الدَّجَّالُ هو مَن يَبعَثُه اللهُ عَزَّ وجَلَّ عِندَ قيامِ السَّاعةِ... فيَغتَرُّ النَّاسُ به ويُفتَتَنُ به ما شاءَ اللهُ أن يُفتَتَنَ، وفِتنَتُه عَظيمةٌ ... ولِهذا خَصَّه من بين فتنةِ الْمَحْيا بأنَّ فتنَتَه عَظيمةٌ، نَسألُ اللهَ أن يُعيذَنا وإيَّاكم مِنها) [2608] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (5/ 504). .

انظر أيضا: