الموسوعة العقدية

الفَرعُ الثَّالِثُ: وصَفُ عَينِه اليُمنى

1- الْمَسيحُ الدَّجَّالُ أعوَرُ العينِ اليُمنى.
عَن أنسٍ رَضِيَ الله عَنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما بُعِثَ نَبيٌّ إلَّا أنذَرَ أمَّتَه الأعورَ الكَذَّابَ، ألَا إنَّه أعورُ، وإنَّ رَبَّكم لَيسَ بأعوَرَ)) [2466] أخرجه مُطَولًا البخاري (7131) واللَّفظُ له، ومسلم (2933). .
ولَكِن جاءَ في رِوايةٍ أنَّه أعورُ العينِ اليُمنى [2467] أخرجها البخاري (3439)، ومسلم (169) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. . وجاءَ في رِوايةٍ أخرى أنَّه أعورُ العينِ اليُسرى [2468] أخرجها مسلم (2934) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. .
قال عياضٌ في رِوايةِ العينِ اليُمنى: (هو الْمَشهورُ، وفي رِوايةٍ أخرى: ((أعورُ العينِ اليُسرى))، وقَد ذَكَرَهما مَعًا مُسْلِمٌ آخِرَ الكِتابِ) [2469] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 521). .
وقال أيضًا جامِعًا بينَ مَعنى الرِّوايَتينِ: (تَجتَمِعُ رِوايةُ أعورِ العين اليُمنى مَعَ أعورِ العينِ اليُسرى؛ إذ كُلُّ واحِدةٍ مِنهما بالحَقيقةِ عَوراءُ؛ إذِ الأعورُ من كُلِّ شَيءٍ الْمَعيبُ، ولا سيَّما بما يَختَصُّ بالعينِ، وكِلا عَينيِ الدَّجَّالِ مَعيبةً عَوراءُ؛ فالمَمسوحةُ والمَطموسةُ والطَّافِئةُ بالهَمزِ عَوراءُ حَقيقةً، والجاحِظةُ الَّتي كأنَّها كوكَبٌ وهى الطَّافيةُ -بغَيرِ هَمزٍ- مَعيبةٌ عَوراءُ لعَيبِها، فكُلُّ واحِدةٍ مِنهما عَوراءُ، إحداهما بذَهابِها، والأُخرى بعيبِها) [2470] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 522). .
وقال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه في هذا الحَديثِ: ((أعورُ العينِ اليُمنى)) هذا هو الصَّحيحُ والمَشهورُ، وقَد وقَعَ في رِوايةٍ: اليُسرى، وكَأنَّه وهمٌ، ويُمكِنُ أن يُحمَلَ هذا على ما يَتَخَيَّلُه بَعضُ العامَّةِ من أنَّ العَوراءَ هيَ الصَّحيحةُ؛ إذ قَد بَقيَتْ مُنفَرِدةً عَديمةَ قَرينَتِها، ولَيسَ بشَيءٍ، بَلِ العَوراءُ الَّتي أصابَها العَورُ، أيِ: العَيبُ) [2471] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 399). .
وقَدِ استَحسَنَ النَّوَويُّ كلامَ القاضي عياضٍ الْمُتَقَدِّمَ ذِكرُه، فقال: (هو في نِهايةٍ مِنَ الحُسنِ، والله أعلَمُ) [2472] يُنظر: ((شرح مسلم)) (2/ 235). .
بينَما عَدَّه أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ تَأويلًا بَعيدًا مُتَكَلَّفًا، فقال: (هذا اختِلافٌ يَصعُبُ الجَمعُ فيه بينَهما، وقَد تَكَلَّفَ القاضي أبو الفَضلِ يَعني عِياضًا الجَمعَ بينَهما... وحاصِلُ كلامِه: أنَّ كُلَّ واحِدةٍ من عينَيِ الدَّجَّالِ عَوراءُ؛ إحداهما بما أصابَها حَتَّى ذَهَبَ إدراكُها، والثَّانيةُ عَوراءُ بأصلِ خِلْقَتِها مَعيبةٌ. لَكِن يَبعُدُ هذا التَّأويلُ: أنَّ كُلَّ واحِدةٍ من عينَيه قَد جاءَ وصفُها في الرِّواياتِ بمِثلِ ما وُصِفَت به الأخرى مِنَ العَورِ، فتَأمَّلْه؛ فإنَّ تَتَبُّعَ تِلكَ الألفاظِ يَطولُ) [2473] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 275). .
وقَد رَجَّحَ ابنُ حَجَرٍ رِوايةَ العينِ اليُمنى باعتِبارِ أنَّه مُتَّفَقٌ على صِحَّتِها؛ فقَد خَرَّجَها البُخاريُّ ومُسْلِمٌ، ورِوايةُ العينِ اليُسرى لَم يُخرِّجْها البُخاريُّ، ثُمَّ قال ابنُ حَجَرٍ: (إلى ذلك أشارَ ابنُ عَبدِ البَرِّ) [2474] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 97). .
وقال علي القاري: (قيلَ: إنَّ الأعورَ إنَّما يَكونُ بالنِّسبةِ إلى أشخاصٍ مُتَفَرِّقةٍ، فقومٌ يَرَونَه أعورَ اليُسرى، وقومٌ يَرَونَه أعورَ اليُمنى؛ ليَدُلَّ على بُطلانِ أمرِه؛ لأنَّه إذا كان لا يُرى خِلقَتُه كما هيَ دَلَّ على أنَّه ساحِرٌ كَذَّابٌ... ويُحتَمَلُ أن يَكونَ أحَدُهما من سَهوِ الرَّاوي، وفي الجامِعِ: رَوى البُخاريُّ في تاريخِه عَن أبي هُرَيرةَ مَرفوعًا: ((الدَّجَّالُ عَينُه خَضراءُ)) [2475] أخرجه مطولاً أحمد (21146)، والطيالسي (546)، وابن حبان (6795) واللفظ له صححه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3401)، وصحح إسناده البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/518)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21146). ، انتَهى. فهو كالحرباءِ والغُولِ، مُتَلَوِّنٌ بألوانٍ شَتَّى) [2476] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3456). .
قال الْمُناويُّ: (اللهُ سُبحانَه مُنزَّهٌ عَنِ العَورِ وعَن كُلِّ آفةٍ، فإذا ادَّعى الرُّبوبيَّةَ ولَبَّسَ عليهم بأشياءَ لَيسَت في البَشَرِ؛ فإنَّه لا يَقْدِرُ على إزالةِ العَورِ الذي يُسَجَّلُ عليه بالبَشريَّةِ. ذَكرَه الزَّمخشَريُّ) [2477] يُنظر: ((فيض القدير)) (3/ 538). .
وقال ابنُ بازٍ: (الله سُبحانَه مَوصوفٌ بأنَّ لَه عَينين، وأنَّه لَيسَ بأعورَ، خِلافًا للدَّجَّالِ؛ فإنَّه أعورُ العين اليُمنى) [2478] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/ 396). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (وصَفَ الدَّجَّالَ وقال: ((إنَّه أعورُ، وإنَّ رَبَّكم لَيسَ بأعوَرَ))، وفي لَفظٍ: ((أعورُ العين اليُمنى)). وقَد قال بَعضُ النَّاسِ: مَعنى ((أعور)) أي: مَعِيبٌ، ولَيسَ من عَورِ العينِ! وهذا لا شَكَّ أنَّه تَحريفٌ وتَجاهُلٌ للَّفْظِ الصَّحيحِ الذي في البُخاريِّ وغَيرِه: ((أعورُ العينِ اليُمنى، كأنَّ عينَه عِنَبةٌ طافيةٌ )) وهذا واضِحٌ. ولا يُقالُ أيضًا: ((أعورُ)) باللُّغةِ العَربيَّةِ، إلَّا لعَورِ العَينِ، أمَّا إذا قيلَ: «عور» أو «عوار»، فرُبَّما يُرادُ به مُطلَقُ العَيبِ) [2479] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (1/ 312). .
وقال أيضًا عَنِ الدَّجَّالِ: (لَه عَلاماتٌ بَيِّنةٌ تَدُلُّ على أنَّه كَذَّابٌ... ومِن عَلاماتِه: أنَّه أعورُ العين اليُمنى: والرَّبُّ عَزَّ وجَلَّ لَيسَ بأعورَ، الرَّبُّ عَزَّ وجَلَّ كامِلُ الصِّفاتِ، لَيسَ في صِفاتِه نَقْصٌ بوَجهٍ مِنَ الوُجوه. أمَّا هذا فإنَّه أعورُ، عَينُه اليُمنى كأنَّها عِنَبةٌ طافيَةٌ، وهَذِه عَلامةٌ حِسِّيَّةٌ واضِحةٌ، كُلٌّ يَعرِفُها) [2480] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (2/ 493). .
2- الدَّجَّالُ مَمسوحُ العَينِ اليُمنى ومَطموسةٌ تَمامًا وعليها لَحْمةٌ غَلِيظةٌ.
عَن أنسِ بن مالِكٍ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ العَيْنِ )) [2481] أخرجه مسلم (2933) مُطَولًا. .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (مَعنى مَمسوحِ العينِ، أي: مَطموسٌ ضَوءُها وإدراكُها، فلا يُبصِرُ بها شَيئًا) [2482] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 274). .
وجاءَ في تَتمةِ (الْمَفاتيحِ في شَرحِ الْمَصابيحِ): (قَولُه: ((مَمسوحُ العين)) أي: لَه عَينٌ واحِدةٌ، ومَوضِعُ عَينٍ أخرى مَمسوحٌ مِثلُ جَبهَتِه، لَيسَ لَه أثَرُ العَينِ، وعلى تِلكَ العينِ ظَفرةٌ) [2483] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (5/ 413). .
وعَن عَبد اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأنَّها عِنَبَةٌ طافِيَةٌ)) [2484] أخرجه مُطَولًا البخاري (5902)، ومسلم (169) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ بطالٍ: ( ((عِنَبةٌ طافيةٌ)) يُقالُ: طَفَا الشَّيءُ على الْماءِ يَطفو: إذا عَلا، فعينُ الدَّجَّالِ طافيةٌ على وجهِه قَد بَرَزَت كالعِنَبةِ) [2485] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (9/ 528). .
قال النَّوَويُّ: (أمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعورُ العينِ اليُمنى كأنَّها عِنَبةٌ طافيَةٌ))، فرُوِيَ بالهَمزِ وبِغَيرِ هَمزٍ؛ فمَن هَمزَ مَعناه: ذَهَبُ ضَوءُها، ومَن لَم يَهمِزْ مَعناه: ناتِئةٌ بارِزةٌ) [2486] يُنظر: ((شرح مسلم)) (2/ 235). .
قال الكرمانيُّ: ( ((الطَّافيةُ)) ضِدُّ الرَّاسِبةِ، ورُوِيَ بالهَمزةِ وعَدَمِها؛ فالمَهموزةُ هيَ ذاهِبةُ الضَّوءِ، وغَيرُ الْمَهموزةِ هيَ النَّاتِئةُ البارِزةُ الْمُرتَفِعةُ) [2487] يُنظر: ((الكواكب الدراري)) (21/ 115). .
وعَن حُذَيفةَ بنِ أُسيدٍ الغِفاريِّ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ، عليها ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ )) [2488] أخرجه مسلم (2934). .
قال البَيضاويُّ: ( ((الظَّفَرةُ)) بالتَّحريكِ: لَحمَةٌ تَنبُتُ عِندَ الْمَآقي من كثرةِ البُكاءِ أوِ الْماءِ. وقيلَ: جِلدةٌ تَخرُجُ في العينِ مِنَ الجانِبِ الذي يَلي الأنفَ. وهيَ يُحتَمَلُ أن تَكونَ في العين الْمَمسوحةِ، وأن تَكونَ في العينِ الأخرى، ولا تُواري الحَدَقةَ بأَسْرِها لتَعمِيَها) [2489] يُنظر: ((تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة)) (3/ 359). .
قال علي القاري: ( ((ظَفَرةٌ)): بفَتحَتين، أي: لَحمةٌ غَليظةٌ، أو جِلدةٌ على العينِ الْمَمسوحةِ) [2490] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3455). .
وعَن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ الله عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه ذَكَرَ الدَّجَّالَ عِندَه، فقال: ((عَينُه خَضراءُ كالزُّجاجةِ، فتَعوَّذوا باللهِ مِن عَذابِ القَبرِ)) [2491] أخرجه أحمد (21146 ) واللفظ له، والطيالسي (546 )، وابن حبان (6795 ). صححه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3401)، وصحح إسناده البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/518)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21146). .
3- ومَكتوبٌ بينَ عينَيه: (ك ف ر) أي: (كافِر) وهيَ كِتابةٌ لا يُمكِنُ أن يَراها أحَدٌ سِوى الْمُسْلِمِ أوِ الْمُؤمِنِ.
عَن أنسِ بن مالِكٍ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الدَّجَّالُ مَكْتُوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر، أيْ: كافِرٌ)) [2492] أخرجه البخاري (7408)، ومسلم (2933) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ الْملكِ الكرمانيُّ الحَنفيُّ: ( «مَكتوبٌ بينَ عينه: ك ف ر»: إشارةً إلى أنَّه داعٍ إلى الكُفرِ لا إلى الرُّشدِ؛ فاجتَنبوه، وهَذِه نِعمةٌ عَظيمةٌ مِنَ الله تعالى في حَقِّ الأمَّة؛ حَيثُ أظهَرَ رَقمَ الكُفرِ بينَ عينَيه) [2493] يُنظر: ((شرح المصابيح)) (5/ 561). .
وفي رِوايةٍ عَن أنسٍ رَضِيَ الله عَنه: ((الدَّجَّالُ مَمسوحُ العينِ مَكتوبٌ بينَ عينَيه كافِرٌ، ثم تهجَّاها ك ف ر، يقرؤه كُلُّ مُسلٍم)) [2494] أخرجها مسلم (2933). .
قال الصَّنعانيُّ: ( ((يَقرَؤُه كُلُّ مُسْلِمٍ)) وظاهِرُه كِتابةٌ حَقيقيَّةٌ خَلقَ اللهُ إدراكَها في بَصَرِ الْمُؤمِنِ بحَيثُ يَراه وإن لَم يَعرِفِ الكِتابةَ، ولا يَراها الكافِرُ وإنْ عَرَفَها، كما يَرى الْمُؤمِنُ الأدِلَّةَ ببَصيرَتِه وإن لَم يَرها الكافِرُ، وذلك زَمانُ خَرقِ العاداتِ) [2495] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (6/ 124). .
وعَن حُذَيفةَ الغِفاريِّ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَكْتُوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كاتِبٍ وغَيْرِ كاتِبٍ )) [2496] أخرجه مسلم (2934) مُطَولًا. .
قال النَّوَويُّ: (الصَّحيحُ الذي عليه الْمُحَقِّقونَ أنَّ هَذِه الكِتابةَ على ظاهِرِها، وأنَّها كِتابةٌ حَقيقةً جَعلَها اللهُ آيةً وعَلامةً من جُملةِ العَلاماتِ القاطِعةِ بكُفرِه وكَذِبِه وإبطالِه، ويُظهِرُها اللهُ تعالى لكُلِّ مُسلِمٍ كاتِبٍ وغَيرِ كاتِبٍ، ويُخْفيها عَمَّن أراد شَقَاوَتَه وفِتنَتَه، ولا امتِناعَ في ذلك) [2497] يُنظر: ((شرح مسلم)) (18/ 60). .
وقَد رَدَّ أهلُ العِلمِ على مَن أنكَرَ أنَّ هَذِه الكِتابةَ حَقيقيَّةٌ وظاهِرةٌ حِسِّيَّةٌ.
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَد تَأوَّلَ بَعضُ النَّاسِ قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَكتوبٌ بينَ عينَيه كافِرٌ. وقال: مَعنى ذلك ما ثَبت من سِماتِ حَدثِه، وشَواهِدِ عَجْزِه، وظُهورِ نَقصِه. قال: ولَو كان على ظاهِرِه وحَقيقَتِه لاستَوى في إدراكِ ذلك الْمُؤمِنُ والكافِرُ. وهذا عُدولٌ وتَحريفٌ عَن حَقيقةِ الحَديثِ من غَيرِ موجِبٍ لذلك، وما ذَكرَه من لُزومِ الْمُساواةِ بينَ الْمُؤمِنِ والكافِرِ في قِراءةِ ذلك لا يَلزَمُ؛ لوَجهين:
أحَدُهما: أنَّ الله تعالى يَمنَعُ الكافِرَ من إدراكِه، لا سيَّما وذلك الزَّمانُ قَدِ انحَرَفَت فيه عَوائِدُ، فليَكُنْ هذا مِنها. وقَد نُصَّ على هذا في بَعضِ طُرُقِه، فقال: يَقرَؤُه كُلُّ مُؤمِنٍ كاتِبٍ وغَيرِ كاتِبٍ، وقِراءةُ غَيرِ الكاتِبِ خارِقةٌ للعادةِ.
وثانيهما: أنَّ الْمُؤمِنَ إنَّما يُدرِكُه لتَثَبُّتِه ويَقَظَتِه، ولِسُوءِ ظَنِّه بالدَّجَّالِ، وتَخَوُّفِه من فتنَتِه، فهو في كُلِّ حالٍ يَستَعيدُ النَّظَرَ في أمرِه، ويَستَزيدُ بصيرةً في كَذِبِه، فيَنظُرُ في تَفاصيلِ أحوالِه، فيَقرَأُ سُطورَ كُفرِه وضَلالِه، ويَتَبَيَّنُ عَينَ مُحالِه، وأمَّا الكافِرُ فمَصروفٌ عَن ذلك كُلِّه بغَفلَتِه وجَهلِه، وكَما انصَرَفَ عَن إدراكِ نَقصِ عَورِه، وشَواهِدِ عَجزِه، كذلك يُصْرَفُ عَن فَهمِ قِراءةِ سُطورِ كُفرِه ورَمزِه) [2498] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 268). .
وقال ابنُ كثيرٍ عَنِ الدَّجَّالِ: (إنَّه ناقِصٌ، ظاهِرُ النَّقْصِ والفُجورِ والظُّلمِ، وإن كان مَعَه ما مَعَه مِنَ الخَوارِقِ، فبينَ عينَيه مَكتوبٌ: كافِرٌ كِتابةً ظاهِرةً، وقَد حَقَّقَ ذلك الشَّارِعُ في خَبرِه بقَولِه: "ك ف ر"؛ فدَلَّ ذلك على أنَّه كِتابةٌ حِسِّيَّةٌ لا مَعنَويَّةٌ، كما يَقولُه بَعضُ النَّاسِ) [2499] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (19/ 194). .
وقال ابنُ عُثَيمين عَنِ الدَّجَّالِ: (ومَعَ هذا فلَه عَلاماتٌ بَيِّنةٌ تَدُلُّ على أنَّه كَذَّابٌ.
مِنها: أنَّه مَكتوبٌ بينَ عينَيه كافِر «ك ف ر» يَقرَؤُها الْمُؤمِنُ فقَط وإن كان لا يَعرِفُ القِراءةَ، ويَعجِزُ عَنها الكافِرُ وإن كان يَقرَأ؛ لأنَّ هَذِه الكِتابةَ لَيسَت كِتابةً عاديَّةً، إنَّما هيَ كِتابةٌ إلهيَّةٌ مِنَ الله عَزَّ وجَلَّ) [2500] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (2/ 493). .

انظر أيضا: