الموسوعة العقدية

الْمَبحَثُ الخامسُ والأربَعونَ: خُروجُ رَجُلٍ من قَحْطانَ يَسوقُ النَّاسَ بعَصاه

عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يَخرُجَ رَجُلٌ من قَحْطانَ يَسوقُ النَّاسَ بعَصاه )) [2276] أخرجه البخاري (3517)، ومسلم (2910). .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((يَخرُجَ رَجُلٌ من قَحْطانَ يَسوقُ النَّاسَ بعصاه)) أي: يَملِكُهم ويَتَصَرَّفُ فيهم كما يَتَصَرَّفُ الرَّاعي في الْماشيةِ، ولَعَلَّ هذا الرَّجُلَ القَحْطانيَّ هو الذي يُقالُ لَه الجَهْجاه، وأصلُ الجَهجَهةِ: الصِّياحُ بالسَّبُعِ ليَكُفَّ، يُقالُ: جَهجَهْتُ بالسَّبُعِ، أي: زَجَرْتُه بالصِّياحِ، ويُقالُ: تَجهجَهْ عَنِّي، أي: انتَهِ) [2277] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 246). .
وقال القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((يَسوقُ النَّاسَ بعصاه)) كِنايةً عَنِ استِقامةِ النَّاسِ وانقيادِهم إليه واتِّفاقِهم عليه، ولَم يُرِدْ نَفْسَ العَصا، وإنَّما ضَرَبَ بها مَثَلًا لطاعَتِهم لَه واستيلائِه عليهم، إلَّا أنَّ في ذِكرِها دَليلًا على خُشونَتِه عليهم وعَسفِه بهم. وقَد قيلَ: إنَّه يَسوقُهم بعَصاه كما تُساقُ الإبلُ والماشيةُ؛ وذلك لشِدَّةِ عُنفِه وعَدواه ولَعَلَّ هذا الرَّجُلَ القَحطانيَّ هو الرَّجُلُ الذي يُقالُ لَه الجَهْجَاه، وأصلُ الجَهجَهةِ الصِّياحُ بالسَّبُعِ، يُقالُ: جَهجَهتُ بالسَّبعِ، أي: زَجَرتُه بالصِّياحِ، ويُقالُ: جَهْجِهْ عَنِّي: أي انتَهِ. وهَذِه الصِّفةُ توافِقُ ذِكْرَ العَصا. واللهُ أعلَمُ) [2278] يُنظر: ((التذكرة)) (2/ 348). .
ورَدَّ ابنُ حَجَرٍ ما ذكرَه القرطبيُّ من احتِمالَ كَونِ القَحْطانيِّ هو الجَهْجاهَ فقال: (يَرُدُّ هذا الِاحتِمالَ إطلاقُ كونِه من قَحْطانَ، فظاهِرُه أنَّه مِنَ الأحرارِ، وتَقييدُه في جَهْجاه بأنَّه مِنَ الْمَوالي) [2279] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 78). .
وقال أيضًا: (قَولُه: ((لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يَخرُجَ رَجُلٌ من قَحْطانَ)) لَم أقِف على اسمِه، ولَكِنْ جَوَّزَ القُرطُبيُّ أن يَكونَ جَهْجاه الذي وقَعَ ذِكرُه في مُسْلِمٍ من طَريقٍ أخرى عَن أبي هُرَيرةَ بلَفظِ: ((لا تَذهَبُ الأيَّامُ واللَّيالي حَتَّى يَملِكَ رَجُلٌ يُقالُ لَه جَهْجاه )). أخرَجَه عَقِبَ حَديثِ القَحْطانيِّ. قَولُه ((يَسوقُ النَّاسَ بعَصاه)) هو كِنايةٌ عَنِ الْمُلكِ، شَبَّهَه بالرَّاعي وشَبَّه النَّاسَ بالغَنَمِ، ونُكتةُ التَّشبيهِ التَّصَرُّفُ الذي يَملِكُه الرَّاعي في الغَنَمِ، وهذا الحَديثُ يَدخُلُ في عَلاماتِ النُّبوَّةِ من جُملةِ ما أخبَرَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبلَ وُقوعِه ولَم يَقَعْ بَعدُ) [2280] يُنظر: ((فتح الباري)) (6/ 545). .

انظر أيضا: