الموسوعة العقدية

الْمَبحَثُ السَّابِعُ والعِشرونَ: كثرةُ الكَذِبِ

عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَقومُ السَّاعةُ حتى تَظهَرَ الفِتَنُ، ويَكثُرَ الكَذِبُ، وتَتَقارَبَ الأسواقُ، ويَتَقارَبَ الزَّمانُ، ويَكثُرَ الهَرْجُ )). قيلَ: وما الهَرْجُ؟ قال: ((القَتْلُ)) [2145] أخرجه أحمد (10724) واللَّفظُ له، وابن حبان (6718) صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الموارد)) (1577)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (10724)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/330): رجاله رجال الصَّحيح غير سعيد بن سمعان، وهو ثقة. والحديث أخرجه البخاري (1036)، ومسلم (157) بنحوه. .
قال حُمُودٌ التُّويجريُّ: (قَد ظَهَرَ مِصداقُ هَذِه الأحاديثِ كما لا يَخفَى على من لَه أدنى عِلمٍ ومَعرِفةٍ؛ فقَد كثُرَ الكَذِبُ في النَّاسِ، وخَفَّ على ألسِنَتِهم، وكَثُرَتِ الرِّواياتُ والقِصَصُ الْمَكذوبةُ، وزُيِّنَتِ الكُتُبُ الْمُلهيَةُ بذلك، واعتَمَدَ أكثَرُ التُّجارِ في تَرويجِ بضائِعِهم على الدِّعاياتِ الْمَكذوبةِ، وكَذلك أهلُ الصِّناعاتِ والأعمالِ، إنَّما عُمدَتُهم في تَرويجِ صِناعاتِهم وأعمالِهم على الدِّعاياتِ الْمَكذوبةِ، وقَد رَوى الحاكِمُ في «مُستَدرَكِه» عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ الله عَنه: أنَّه قال: «إذا كثُرَ الكَذبُ كثُرَ الهَرْجُ» [2146] أخرجه الخرائطي في ((اعتلال القلوب)) (174)، والحاكم (8536) مُطَولًا. صحَّحه الحاكم على شرط الشيخين. [2147] يُنظر: ((إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة)) (2/ 205). .
والكَذِبُ الآنَ صارَ سِلعةً رائِجةً لَها وسائِلُها العالَميَّةُ وبَرامِجُها الْمُقَدَّمةُ.
وهو أمرٌ قَدِ استَقَرَّت إباحَتُه لَدى الشُّعوبِ؛ فعلى سَبيلِ الْمِثالِ أوَّلُ أبريل من كُلِّ عامٍ هو اليَومُ الْمُباحُ فيه الكَذبُ لَدى كثيرٍ من شُعوبِ العالَمِ فيما يُسَمَّى بكَذبةِ أبريل.
وهُناكَ بَرامِجُ وصَفَحاتٌ إعلاميَّةٌ كثيرةٌ جِدًّا قائِمةٌ أساسًا على التَّفَنُّنِ في تَقديمِ أنواعٍ مِنَ الكَذبِ كصُنعِ الفُكاهةِ لإضحاكِ الْمُشاهِدينَ، أو اختِلاقِ الأخبارِ لإثارةِ إعجابِ النَّاسِ ودَهشَتِهم، وهُناكَ صُحفٌ مُتَخَصِّصةٌ في تَلفيقِ الفَضائِحِ وبَثِّ الإشاعاتِ لتَرويجِ سُوقِها وزيادةِ نِسبةِ مَبيعاتِها بصورةٍ كبيرةٍ.
ولَعَلَّ هذا يُظهِرُ شَيئًا من حِكمةِ ارتِباطِ عَلامةِ كثرةِ الكَذبِ مَعَ عَلامةِ تَقارُبِ الأسواقِ؛ إذ يَحرِصُ كُلُّ تاجِرٍ على تَرويجِ سِلعَتِه بالكَذِبِ. والله الْمُستَعانُ.

انظر أيضا: