الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الثَّامِنُ: تخييرُ الأنبياءِ عندَ الموتِ

عَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عَنها قالت: سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((ما من نَبيٍّ يَمرَضُ إلَّا خُيِّرَ بَينَ الدُّنيا والآخِرةِ، وكانَ في شَكواه الَّذي قُبِضَ فيه أخذَتْه بحَّةٌ شَديدةٌ، فسَمِعتُه يَقولُ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء: 69] ، فعَلِمْتُ أنَّه خُيِّرَ)) [1461] أخرجه البخاري (4586) واللَّفظُ له، ومسلم (2444). .
وعَنها رَضيَ اللَّهُ عَنها قالت: كُنتُ أسمَعُ أنَّه لا يَموتُ نَبيٌّ حَتَّى يُخَيرَ بَينَ الدُّنيا والآخِرةِ، فسَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ في مَرَضِه الَّذي مات فيه، وأخذَته بحَّةٌ، يَقولُ: ((مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الآية، فظَنَنْتُ أنَّه خُيِّرَ)) [1462] أخرجه البخاري (4435) واللَّفظُ له، ومسلم (2444). .
وفي رِوايةٍ عَنها قالت: كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو صَحيحٌ يَقولُ: ((إنَّه لَم يُقبَض نَبيٌّ قَطُّ حَتَّى يرَى مَقعَدَه مِنَ الجَنةِ، ثُمَّ يَحيا، أو يُخَيَّرُ، فلَمَّا اشتَكَى وحَضرَه القَبضُ، ورأسُه على فَخِذِ عائِشةَ غُشِيَ عليه، فلَما أفاقَ شَخَصَ بصَرُه نَحو سَقفِ البَيتِ، ثُمَّ قال: اللَّهمَّ في الرَّفيقِ الأعلَى. فقُلتُ: إذًا لا يَختارُنا، فعَرَفتُ أنَّه حَديثُه الَّذي كانَ يُحَدِّثُنا وهو صَحيحٌ )) [1463] أخرجها البخاري (4437) واللَّفظُ له، ومسلم (2444). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (تَخييرُ اللَّهِ لِلأنبياءِ عِندَ المَوتِ مُبالَغةٌ في إكرامِهم، وفي تَرفيعِ مَراتِبهم عِندَ اللَّهِ تعالى، وليَستَخرِجَ مِنهم شِدَّةَ شَوقِهم ومَحَبَّتِهم لَه تعالى، ولِما عِندَه) [1464] يُنظر: ((المفهم)) (6/ 328). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (إنَّ هَذِه الحالةَ من خَصائِصِ الأنبياءِ أنَّه لا يُقبَضُ نَبيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَينَ البَقاءِ في الدُّنيا وبَينَ المَوتِ) [1465] يُنظر: ((فتح الباري)) (10/ 131). .
وقال المُناوي: ( ((ما من نَبيٍّ يَمرَضُ إلَّا خُيِّرَ)) أي: خَيَّره اللَّهُ تعالى ((بَينَ الدُّنيا والآخِرةِ)) أي: بَينَ الإقامةِ في الدُّنيا والرِّحلةِ إلَى الآخِرةِ؛ ليَكونَ وفادَتُه على اللَّهِ وِفادةَ مُحِبٍّ مُخْلِصٍ مُبادِرٍ، ولِتَقاصُرِ المُؤمِنِ عَن يَقينِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَولَّى اللَّهُ الخِيَرةَ في لِقائِه؛ لِأنَّه ولِيُّه) [1466] يُنظر: ((فيض القدير)) (5/501). .
وعَن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: ((خَطبَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ وقال: إنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَينَ الدُّنيا وبَينَ ما عِندَه، فاختارَ ذلك العَبْدُ ما عِندَ اللَّهِ. قال: فبَكَى أبو بَكرٍ، فعَجِبنا لِبُكائِه؛ أن يُخبرَ رَسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن عَبدٍ خُيِّرَ، فكانَ رَسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو المُخَيَّرَ، وكانَ أبو بَكْرٍ أعلَمَنا )) [1467] أخرجه البخاري (3654) واللَّفظُ له، ومسلم (2382). .
قال البدرُ العَينيُّ: (قَولُه: هو المخَيَّرَ -بفتح الياءِ- أي: خَيَّرَ اللهُ رَسولَه بين بقائِه في الدُّنيا ورحْلَتِه إلى الآخِرةِ) [1468] يُنظر: ((عمدة القاري)) (17/ 39). .

انظر أيضا: