الموسوعة العقدية

الفَصلُ الثَّالِثُ: مَنزِلةُ الإيمانِ باليَومِ الآخِرِ

خُصَّ ذِكرُ اليَومِ الآخِرِ بمَزيدِ عِنايةٍ وتَعظيمٍ في كِتاب اللَّهِ تَعالَى وفي سُنَّةِ نَبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم( يُنظر: ((الحياة الآخرة)) لغالب عواجي (1/73). ، ومن ذلك ما يَلي:
1- أنَّ اللَّه عزَّ وجَلَّ قَد رَبَطَ الإيمانَ به بالإيمانِ باليَومِ الآخِرِ:
قال اللهُ تَعالَى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ... [البقرة: 177] .
وقال اللهُ سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء: 39]
فرَبطَ اللَّهُ تعالى الإيمانَ به بالإيمانِ باليَومِ الآخِرِ، وجَعلَه في المَرتَبةِ الثَّانيةِ بَعدَ الإيمانِ باللَّه. وكَذلك فَعلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فعَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللَّهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ تُسافِرُ مَسيرةَ يَومٍ إلَّا مَعَ ذي مَحرَمٍ )) [1307] أخرجه البخاري (1088)، ومسلم (1399) واللَّفظُ له. .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن كانَ يُؤمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فليَقُلْ خَيرًا أو ليَصمُتْ، ومَن كانَ يُؤمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فليُكرِمْ جارَه، ومَن كانَ يُؤمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فليُكرِم ضَيفَه )) [1308] أخرجه البخاري (6018)، ومسلم (47) واللَّفظُ له. .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يُبغِضُ الأنصارَ رَجُلٌ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ )) [1309] أخرجه مسلم (76). .
فلا إيمانَ لِأحَدٍ -حَتَّى وإن قال إنَّه مُؤَمِنٌ باللهِ- حَتَّى يُؤمِنَ باليَومِ الآخِرِ، فالمُفَرِّقُ بَينَهما لا حَظَّ لَه مِنَ الإيمانِ وإنِ ادَّعاه، وقَد كانَ كَثيرٌ مِنَ الكُفَّارِ يُؤمِنونَ باللهِ ولَكِنَّهم يَجحِدونَ اليَومَ الآخِرَ؛ فلَم يَنفَعْهم ذلك الإيمانُ، وأباحَ اللَّهُ لِلمُؤْمِنينَ دِماءَهم وأموالَهم.
2- الإكثارُ من ذِكْرِه في القُرآنِ الكَريمِ وفي السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ:
لا تَكادُ تَخلو سورةٌ من سُوَرِ القُرآنِ الكَريمِ عَنِ التَّحَدُّثِ عَنه وتَقريبِه إلَى الأذهانِ بشَتَّى الأساليبِ؛ إقامةً لِلحُجَّةِ والبُرهانِ، أو بضَربِ الأمثالِ، كالاستِدلالِ بالنَّشأةِ الأولَى، وخَلقِ السَّمَواتِ والأرضِ، وإحياءِ الأرضِ بَعدَ موتِها على الإعادةِ.
3- كَثرةُ الأسماءِ الوارِدةِ في القُرآنِ الكِريمِ لِليَومِ الآخِرِ:
ورَدَت أسماءٌ كَثيرةٌ وكُلُّها تُبَيِّنَ ما سَيَقَعُ في هَذا اليَومِ من أهوالٍ.
ومن شأنِ العَرَب أنَّهم يُكثِرونَ الأسماءَ لِلشَّيءِ تَعظيمًا لَه إذا كانَ ذا أهَمِّيَّةٍ وشأنٍ، وقَد نَزَلَ القُرآنُ بلُغَتِهم. ومن تِلكَ الأسماءِ: يَومُ القيامةِ، يَومُ الحِساب، يَومُ الآزِفةِ، يَومُ البَعثِ، يَومُ الدِّينِ، يَومُ التَّغابُنِ.
ولِتِلكَ العِنايةِ القُرآنيَّةِ باليَومِ الآخِرِ أسبابٌ، مِنها:
1- شِدَّةُ إنكارِ المُشرِكينَ لِليَومِ الآخِرِ، ونِسبتُهم ما يُشاهِدونَه من إحياءٍ وإماتةٍ إلَى الدَّهْرِ.
قال اللهُ تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ [الجاثية: 24] .
فنَزَلَ القُرآنُ بحُجَجٍ قَويَّةٍ في مواجَهةِ إنكارِ اليَومِ الآخِرِ، وسَلكَ مَسالِكَ شَتَّى في إقناعِ الكُفَّارِ بمَجيءِ ذلك اليَومِ لا مَحالةَ.
2- انحرافُ عَقيدةِ الإيمانِ باليَومِ الآخِرِ لدى أهلِ الكِتابِ
فهُمْ إن كانوا يُؤمِنونَ بأصلِ فِكرةِ اليَومِ الآخِرِ، لَكِنَّ فِكرَتَهم عَن حَقائِقِه مُشَوَّهةٌ وغَيرُ صَحيحةٍ، كَما أنَّ الإسلامَ قَد جاءَ بحَقائِقَ وتَفاصيلَ عَنِ اليَومِ الآخِرِ لَم تَكُن مَعلومةً عِندَ أهلِ الدِّياناتِ السَّابِقةِ.
3- التَّأكيدُ على أنَّ هناكَ يَومًا يُجازَى فيه المُحْسِنُ بإحسانِه، والمُسيءُ بإساءَتِه
جعلَ اللهُ اليومَ الآخِرَ ليُجازَى فيه المُحْسِنُ بإحسانِه، والمُسيءُ بإساءَتِه، وإلَّا لَما كانَ هناكَ فرقٌ بَينَ عَمَلِ الخَيرِ وعَمَلِ الشَّرِّ في الدُّنيا، ولا كانَت هناكَ فضائِلُ ولا رَذائِلُ، فتَكونُ الحَياةُ فوضَى، والمُصيرُ مَجهولًا.
وقَد بَيَّنَ القُرآنُ أنَّ هَذا الكَونَ لا بُدَّ أن يَنتَهيَ ويَزولُ كُلُّ أثَرٍ لَه، وأنَّه لَم يُخلَقْ عَبثًا دونَ بَعثٍ وحِسابٍ وجَزاءٍ.
قال اللهُ تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة: 36] .
وقال اللهُ سُبحانَه: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم: 31] .

انظر أيضا: