الموسوعة العقدية

المَبْحَثُ الرابعُ: شُيوعُ البِشاراتِ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبلَ البَعثةِ النَّبَويةِ

كانت البِشاراتُ بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منتَشِرةً قبل البَعثةِ النَّبَويَّةِ، فلم يَكُنْ أهلُ الكِتابِ يكتُمونها في ذلك الوَقتِ، بل كانوا يُذيعونها، ويزعُمون أنَّهم سيُتابِعون صاحِبَها عندما يُبعَثُ، وقد نقل بعضُ الأنصارِ مِن أهلِ المدينةِ أحاديثَ اليهودِ قبل البَعثةِ عن هذه البِشاراتِ، وقد تعرَّف بَعضُ أهلِ الكِتابِ على النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآمَنوا.
وممَّن آمن منهم بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عنه.
عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَدِينَةَ فأتَاهُ يَسْأَلُهُ عن أشْيَاءَ، فَقَالَ: ((إنِّي سَائِلُكَ عن ثَلَاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا نَبِيٌّ، ما أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وما أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ؟ وما بَالُ الوَلَدِ يَنْزِعُ إلى أبِيهِ أوْ إلى أُمِّهِ؟ قَالَ: أخْبَرَنِي به جِبْرِيلُ آنِفًا. قَالَ ابنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ، قَالَ: أمَّا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ، وأَمَّا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الحُوتِ، وأَمَّا الوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ المَرْأَةِ نَزَعَ الوَلَدَ، وإذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الوَلَدَ. قَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّكَ رَسولُ اللَّهِ، قَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أنْ يَعْلَمُوا بإسْلَامِي، فَجَاءَتِ اليَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ رَجُلٍ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قالوا: خَيْرُنَا وابنُ خَيْرِنَا، وأَفْضَلُنَا وابنُ أفْضَلِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرَأَيْتُمْ إنْ أسْلَمَ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَام!ٍ قالوا: أعَاذَهُ اللَّهُ مِن ذلكَ، فأعَادَ عليهم، فَقالوا مِثْلَ ذلكَ. فَخَرَجَ إليهِم عبدُ اللَّهِ فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، قالوا: شَرُّنَا وابنُ شَرِّنَا، وتَنَقَّصُوهُ! قَالَ: هذا كُنْتُ أخَافُ يا رَسولَ اللَّهِ )) [1077] رواه البخاري (3938). .
وكان بعضُ علماء أهلِ الكِتابِ على علمٍ بخُروجِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأماراتٍ كانت عندهم.
عن أبي سُفيانَ بنِ حَربٍ قال: (كانَ ابنُ النَّاظُورِ، صَاحِبُ إيلِيَاءَ وهِرَقْلَ، سُقُفًّا علَى نَصَارَى الشَّأْمِ يُحَدِّثُ أنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إيلِيَاءَ أصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ، قَالَ ابنُ النَّاظُورِ: وكانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ في النُّجُومِ، فَقَالَ لهمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ في النُّجُومِ مَلِكَ الخِتَانِ قدْ ظَهَرَ، فمَن يَخْتَتِنُ مِن هذِه الأُمَّةِ؟ قالوا: ليسَ يَخْتَتِنُ إلَّا اليَهُودُ، فلا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، واكْتُبْ إلى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَن فيهم مِنَ اليَهُودِ. فَبيْنَما هُمْ علَى أمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ برَجُلٍ أرْسَلَ به مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عن خَبَرِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أمُخْتَتِنٌ هو أمْ لَا، فَنَظَرُوا إلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أنَّه مُخْتَتِنٌ، وسَأَلَهُ عَنِ العَرَبِ، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هذا مَلِكُ هذِه الأُمَّةِ قدْ ظَهَرَ. ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إلى صَاحِبٍ له برُومِيةَ، وكانَ نَظِيرَهُ في العِلْمِ، وسَارَ هِرَقْلُ إلى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حتَّى أتَاهُ كِتابٌ مِن صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ علَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّهُ نَبِيٌّ) [1078] أخرجه البخاري (7) مُطَوَّلًا .
وفي العَقدِ المُنصَرِمِ ظهَرَت مخطوطاتُ قمرانَ أو لفائِفُ البَحرِ الميِّتِ التي بدأ اكتشافُها عام 1947م، في خَربةِ قمران بالقُربِ من البحرِ الميِّتِ، وزَمَنُ تدوينِها يرجِعُ إلى قُرابةِ ألفَيْ عامٍ، وبعضُها يرجِعُ إلى زمَنٍ أبعَدَ من ذلك، وتشتَمِلُ على نصوصٍ لمِلَّةٍ يهوديَّةٍ تُعرَفُ بالطَّائفةِ الأسينيَّةِ، وفي ضِمْنِها بِشاراتٌ وإشاراتٌ بالنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذِكْرُ بَعضِ أوصافِه الشَّريفةِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [1079] يُنظر: ((مخطوطات قمران - البحر الميت)) ترجمة موسى الخوري (2/343-344). .

انظر أيضا: