الموسوعة العقدية

الفَرعُ العاشِرُ: انقيادُ الشَّجَرِ وكَلامُه

عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سِرْنا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى نزَلْنا واديًا أفيَحَ [1028] قال عياض: (أي: واسعًا). ((إكمال المعلم)) (8/ 569). ، فذهب رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقضي حاجتَه فلم يَرَ شيئًا يستَتِرُ به، فإذا شجرتانِ بشاطئِ الوادي، فانطلق رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى إحداهما فأخذ بغُصنٍ من أغصانها، فقال: انقادِي عليَّ بإذنِ اللهِ، فانقادت معه كالبعيرِ المخشوشِ [1029] قال عياض: (قوله فى الشَّجَرةِ: "فانقادت عليه كالبعيرِ المخشوشِ": هو الذي يجعَلُ فى أنفِه خشاشٌ، وهو عودٌ يعرضُ في أنفِه إذا كان صَعْبًا، ويُشَدُّ فيه حبلٌ لينقادَ ويَذِلَّ، وهو مع ذلك يتمانَعُ لصعوبته، فإذا شُدَّ عليه وألِمَه نزعُ العودِ انقاد شيئًا؛ ولذا قال: "الذي يصانِعُ قائِدَه"). ((إكمال المعلم)) (8/ 569). الذي يصانِعُ قائِدَه، حتى أتى الشَّجرةَ الأخرى، فأخذ بغُصنٍ من أغصانِها، فقال: انقادِي عليَّ بإذنِ اللهِ، فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمَنْصَفِ مِمَّا بينهما... قال: التَئِما عليَّ بإذنِ اللهِ فالتأمَتَا، فجلستُ أُحَدِّثُ نفسي فحانت مني لفتةٌ، فإذا أنا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُقبِلًا، وإذا الشَّجَرتانِ قد افتَرَقَتا فقامت كُلُّ واحدةٍ منهما على ساقٍ! )) [1030] رواه مسلم (3012). .
قال أبو العَّباسِ القُرطبيُّ: (حديثُ الشَّجَرتينِ هذا يدُلُّ على أنَّ اللهَ تعالى مكَّن نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن انخراقِ ما شاء مِن العاداتِ، وأنَّ الجماداتِ كانت سُخِّرَت له، فيتصَرَّفُ فيها كيف شاء، وهذا من أكمَلِ الكراماتِ، وأعظَمِ الدَّلالاتِ) [1031] يُنظر: ((المفهم)) (6/ 79). .
وعن مَعْنِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ قال: (سَمِعتُ أبي قال: سألتُ مسروقًا: من آذَنَ [1032] قال ابن حجر: (أي: أَعْلَمَ) ((فتح الباري)) (7/ 172). النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجنِّ ليلةَ استمعوا القُرآن؟ قال: حدَّثني أبوك -يعني عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ- أنَّه قال: آذَنَت بهم شَجَرةٌ) [1033] رواه البخاري (3859) واللَّفظُ له، ومسلم (450). .
قال النووي: (هذا دليلٌ على أنَّ اللهَ تعالى يجعل فيما يشاءُ من الجمادِ تمييزًا) [1034] يُنظر: ((شرح مسلم)) (4/ 171). .

انظر أيضا: