الموسوعة العقدية

الفَرعُ الثَّاني: انشِقاقُ القَمَرِ

قال اللهُ تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1].
قال عِياضٌ: (آيةُ انشِقاقِ القَمَرِ مِن أمَّهاتِ آياتِ نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومُعْجِزاتِه، وقد رواها عِدَّةٌ من الصَّحابةِ، وظاهِرُ الآيةِ أيضًا وسياقُها، وما بعدها من تمادي قُرَيشٍ على التكذيبِ، يَشهدُ بصِحَّتِها؛ لِقَولِه: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر: 1، 2]) [938] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (8/ 333). .
عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سأَل أهلُ مكَّةَ أَنْ يُريَهم آيةً، فأراهم انشِقاقَ القَمَرِ )) [939] رواه البخاري (4867) واللَّفظُ له، ومسلم (2802). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بيْنَما نَحْنُ مع رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِنًى إذِ انْفَلَقَ القَمَرُ فِلْقَتَيْنِ، فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ، فَقالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اشْهَدُوا )) [940] أخرجه البخاري (4864)، ومسلم (2800) واللَّفظُ له. .
وفي رواية: ((انْشَقَّ القَمَرُ علَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِلْقَتَيْنِ، فَسَتَرَ الجَبَلُ فِلْقَةً، وَكَانَتْ فِلْقَةٌ فَوْقَ الجَبَلِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللَّهُمَّ اشْهَدْ)) [941] رواها مسلم (2800). .
 قال أبو العَّباسِ القُرطبيُّ: (قَولُه: ((انفلق القَمَرُ)) أي: انشَقَّ نِصفَينِ، أي: وقع ذلك الانشِقاقُ على حقيقتِه، ووُجد ذلك بمكَّةَ بمِنًى، بعد أن سألت قُرَيشٌ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آيةً، فأراهم انشِقاقَه، على نحوِ ما ذُكِر، ثُمَّ إنَّ عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ أوضح كيفيَّةَ هذا الانشِقاقِ حتى لم يَترُكْ لقائلٍ مَقالًا، فقال: وكانت فِلقةٌ وراء الجَبَلِ، وفِلقةٌ دُونَه. وفي رواية: فسَتَر الجَبَلُ فِلقةً، وكانت فِلقةٌ فوقَ الجبَلِ، ونحو ذلك... وقد روى هذا الحديثَ جماعةٌ كثيرةٌ من الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ منهم: عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، وأنسٌ، وابنُ عَبَّاسٍ، وابنُ عُمَرَ، وحُذَيفةُ، وعَلِيٌّ، وجُبَيرُ بنُ مُطعمٍ، وغيرُهم. وروى ذلك عن الصَّحابةِ أمثالُهم من التابعين، ثُمَّ كذلك ينقلُه الجَمُّ الغفيرُ والعددُ الكثيرُ، إلى أن انتهى ذلك إلينا، وفاضت أنوارُه علينا، وانضاف إلى ذلك ما جاء من ذلك في القُرآنِ المتواترِ عند كُلِّ إنسانٍ، فقد حصل بهذه المُعْجِزةِ العِلْمُ اليقينُ الذي لا يشُكُّ فيه أحدٌ من العاقلين) [942] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 403). .
وقال المظهريُّ: (قَولُه: ((فِرقَتينِ: فِرقةٌ فوقَ الجَبَلِ وفِرقةٌ دونَه)) قيل: الفِرْقُ والفِرْقة: الفِلقُ من الشَّيءِ إذا انفلق، والفِلْقُ، أي: القِطعةُ والشِّقُّ.
ووجهُ عُلوِّ فرقةٍ وتَسفُّلِ أخرى: التَّنبيهُ الشَّديدُ على حصولِ الانشِقاقِ؛ إذ لو تساوتا لتُوُهِّمَ أنَّ شُعاعَ القَمَرِ اتَّسَع كما يتَّسِعُ في ليلةِ البَدْرِ، فلما تباينَتَا عُلُوًّا وسُفلًا ظهر الانشِقاقُ الصَّريحُ) [943] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (6/ 176). ويُنظر: ((رحمة للعالمين)) للمنصورفوري (ص: 738). .

انظر أيضا: