الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثَّاني: تفاضُلُ أُولي العَزمِ

قال ابنُ كثيرٍ: (لا خِلافَ أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أفضَلُهم، ثُمَّ بَعْدَه إبراهيمُ، ثُمَّ موسى؛ على المشهورِ) [525] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/88). .
وقال السفاريني: (اختلف العُلَماءُ فيمن يلي النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الفضيلةِ منهم، والمشهورُ، واختاره ابنُ حَجَرٍ في شرحِ البخاريِّ، أنَّه إبراهيمُ خَليلُ الرَّحمنِ؛ لما ورد أنَّ إبراهيمَ عليه السَّلامُ خَيرُ البَرِيَّة [526] أخرجه مسلم (2369) عن أنس بن مالك، قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير البرية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك إبراهيم عليه السلام). ، خُصَّ منه مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإجماعٍ، فيَكونُ أفضَلَ من موسى وعيسى ونوحٍ عليهم السَّلامُ، والثلاثةُ بعد إبراهيمَ أفضَلُ من سائرِ الأنبياءِ والمُرْسَلين. قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ: ولم أقِفْ على نَقلِ أَيُّهم أفضَلُ، والذي ينقَدِحُ في النَّفسِ تفضيلُ موسى فعيسى فنوح، عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ) [527] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/300). .
وقال السيوطي: (خليلُه إبراهيمُ يليه في التفضيلِ؛ فهو أفضَلُ الخَلقِ بَعْدَه، نقل بعضُهم الإجماعَ على ذلك، وفي الصَّحيحِ خَيرُ البَرِيَّةِ إبراهيمُ [528] أخرجه مسلم (2369) عن أنس بن مالك، قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير البرية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك إبراهيم عليه السلام). ، خُصَّ منه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبَقِيَ على عمومِه، فموسى وعيسى ونوح الثلاثةُ بعد إبراهيمَ أفضَلُ مِن سائرِ الأنبياءِ، ولم أقِفْ على نَقلِ أيُّهم أفضَلُ) [529] يُنظر: ((إتمام الدراية)) (ص: 17). .
وتعقَّب المناويُّ السيوطيَّ فقال: (فاته أنَّ الفخرَ الرازي حكى الإجماعَ على تقديمِ موسى وعيسى على نوحٍ؛ فإنَّه قال في «أسرار التنزيل» [530] يُنظر: (ص: 21). : لا نزاعَ في أنَّ أفضَلَ الأنبياءِ والرُّسُلِ هؤلاء الأربعةُ: مُحَمَّدٌ، وإبراهيمُ، وموسى، وعيسى) [531] يُنظر: ((فيض القدير)) (3/464). .
وحاصِلُ الأمرِ أنَّ النَّصَّ دالٌّ على تفضيلِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والإجماعُ مُنعَقِدٌ عليه. وكذا يدُلُّ النَّصُّ على أنَّ إبراهيمَ يليه في التفضيلِ؛ لحديثِ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قال رجُلٌ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا خَيرَ البَرِيَّةِ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ذاك إبراهيمُ )) [532] رواه مسلم (2369). .
والنَّقلُ دالٌّ على تقديمِ موسى على عيسى عليهما السَّلامُ؛ ففي أحاديثِ المعراجِ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّ بعيسى في السَّماءِ الثَّانيةِ، ومَرَّ بموسى في السَّماءِ السَّادِسةِ [533] رواه البخاري (3207)، ومسلم (164) مطولًا مِن حَديثِ مالك بن صعصعة رَضِيَ اللهُ عنه. ولفظ البخاري: ((... فانطلقت مع جبريل فأتينا السماء الثانية، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على عيسى ويحيى، فقالا: مرحبا بك من أخ ونبي.. فأتينا على السماء السادسة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: من معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد أرسل إليه؟ مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على موسى، فسلمت عليه فقال: مرحبا بك من أخ ونبي..)) ؛ مِمَّا يعني أنَّه في منزلةٍ أعلى من منزلةِ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فموسى أفضَلُ من عيسى، فبقي ترتيبُ نوحٍ عليه السَّلامُ هل هو مُقَدَّمٌ عليهما أم مؤخَّرٌ عنهما، أم هو بينهما؟ ولا نَقْلَ يَدُلُّ على شيءٍ من ذلك، فالواجِبُ اعتِقادُ فَضلِ نُوحٍ عليه السَّلامُ بعد إبراهيمَ على الجُملةِ مِن غيرِ تعيينِ ترتيبِه مع موسى وعيسى، عليهم السَّلامُ، فيَكونُ حاصِلُ القَولِ في تفاضُلِ أُولي العزمِ أنَّ أفضَلَهم مُحَمَّدٌ، ثُمَّ يليه إبراهيمُ، ثُمَّ نوحٌ، وموسى، وعيسى. وموسى أفضَلُ من عيسى، عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ أجمعينَ. واللهُ أعلَمُ [534] يُنظر: ((مباحث المفاضلة في العقيدة)) لمحمد الشظيفي (ص: 136). .

انظر أيضا: