الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الأوَّلُ: القُرْآنُ كَلامُ اللهِ ليس بمَخلوقٍ

قال اللهُ تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا [الشورى:52] .
وقال اللهُ سُبحانَه: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] .
فأخبر تعالى أنَّ الخَلْقَ غَيرُ الأمرِ، وأنَّ القُرْآنَ مِن أَمْرِه لا مِن خَلْقِه، وقال: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40] فـكنْ من كَلامِه الذي هو صِفَتُه ليس بمخلوقٍ، والشَّيءُ المرادُ المقولُ له (كن) مخلوقٌ، كما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلَ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59] ؛ فعيسى وآدمُ عليهما السَّلامُ مخلوقانِ بـكُنْ، و(كُنْ) قَولُ اللهِ صِفةٌ من صفاتِه، وليس الشَّيءُ المخلوقُ هو «كُنْ»، ولكِنَّه كان بقَولِ اللهِ له: كُنْ [190] يُنظر: ((التوحيد)) لابن خزيمة (1/331)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (6/484)، ((معارج القبول)) للحكمي (1/269). .
سُئِل جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المعروفُ بجَعفَرٍ الصَّادِقِ عن القُرْآنِ، فقال: (ليس بخالِقٍ ولا مخلوقٍ، ولكِنَّه كلامُ اللهِ) [191] رواه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1/151). .
وروى عن أبيه عن عليِّ بنِ الحُسَينِ أنَّه قال في القُرْآنِ: (ليس بخالقٍ ولا مخلوقٍ، ولكِنَّه كلامُ اللهِ) [192] رواه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1/153). .
وقال الزُّهريُّ: (سألتُ عليَّ بنَ الحُسَينِ عن القُرْآنِ؟ فقال: كِتابُ اللهِ وكلامُه) [193] رواه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1/153). .
وقال مالِكٌ: (من قال: القُرْآنُ مَخلوقٌ، يُوجَعُ ضَربًا ويُحبَسُ حتى يتوبَ) [194] رواه أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (1/530)، وعبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1/106). .
وقال أبو يوسُفَ: (جيئوني بشاهِدَينِ يَشهَدانِ على المِرِّيسي، واللهِ لأملأَنَّ ظَهْرَه وبَطْنَه بالسِّياطِ؛ يقولُ في القُرْآنِ، يعني: مخلوقٌ) [195] رواه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1/123). .
وقال عفَّانُ بنُ مُسلِمٍ: أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ *الفتح:15* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ [البقرة:255] قُلْ هُوَ اللهُ أَحُدٌ [الإخلاص:1] أمخلوقٌ هذا؟! أدركْتُ شُعبةَ وحَمَّادَ بنَ سَلَمةَ وأصحابَ الحَسَنِ يقولون: القُرْآنُ كلامُ اللهِ ليس مخلوقًا، قيل له: إذًا تُقطَعَ أرزاقُكَ، قال: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ! قيل: كان رِزْقُه في الشَّهرِ ألْفَ دِرهَمٍ، فترك ذلك للهِ عَزَّ وجَلَّ [196] أورده الذهبي في ((العلو)) (ص: 166). .
وقال عُبَيدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ العيشيُّ: (يستحيلُ في صِفةِ الحَكيمِ أن يَخلُقَ كلامًا يدَّعي الرُّبوبيَّةَ، يعني: قَولَه تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ [طه:14] وقَولَه: أَنَا رَبُّكَ [طه: 12] ) [197] أورده الذهبي في ((العلو)) (ص: 181). .
وقال إسحاقُ بنُ راهَوَيهِ: (ليس بين أهلِ العِلمِ اختِلافٌ أنَّ القُرْآنَ كَلامُ اللهِ ليس بمخلوقٍ، فكيف يكونُ شَيءٌ خرج من الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ مخلوقًا؟) [198] أورده الذهبي في ((العلو)) (ص: 179). .
وقال مُحَمَّدُ بنُ أسلَمَ الطُّوسيُّ: (القُرْآنُ كلامُ اللهِ غَيرُ مخلوقٍ أينما تُلِيَ وحيثما كُتِب، لا يتغَيَّرُ ولا يتحَوَّلُ ولا يتبدَّلُ) [199] رواه الذهبي في ((العلو)) (ص: 192). .
وقال مُحَمَّدُ بنُ يَحيى الذُّهليُّ: (القُرْآنُ كَلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ بجميعِ صِفاتِه، وحيثُ تصَرَّفَ) [200] رواه الذهبي في ((العلو)) (ص186). .
وقال أبو حاتمٍ وأبو زُرعةَ: (أدرَكْنا العُلَماءَ في جميعِ الأمصارِ، فكان من مَذهَبِهم أنَّ الإيمانَ قَولٌ وعَمَلٌ يزيدُ ويَنقُصُ، والقُرْآنَ كَلامُ اللهِ غَيرُ مخلوقٍ) [201] رواه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (1/198)، والذهبي في ((العلو)) (ص: 188). .
وقال ابنُ خُزَيمةَ بعد تبويبِه على تكليمِ اللهِ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتكَلُّمِ اللهِ بالوَحيِ، وصِفةِ نُزولِ الوَحيِ، وتكليمِ اللهِ عِبادَه يومَ القيامةِ، وتقريرِ البَحثِ في ذلك؛ قال: (‌‌بابُ ذِكرِ البَيانِ مِن كِتابِ ‌رَبِّنا ‌المُنَزَّلِ ‌على ‌نَبِيِّه ‌المُصطَفَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومِن سُنَّةِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَى الفَرقِ بَينَ كَلامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الذي به يَكونُ خَلقُه وبينَ خَلقِه الذي يُكَوِّنُه بِكَلامِه وقَولِه، والدَّلِيلُ عَلَى نَبذِ قَولِ الجَهمِيَّةِ الذينَ يَزعُمونَ أنَّ كَلامَ اللَّهِ مَخلُوقٌ جَلَّ رَبُّنا وَعَزَّ عَن ذلك.
الأدِلَّةُ مِنَ الكِتابِ: قالَ اللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى: أَلَا لَهُ الْخَلقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف: 54] فَفَرَّقَ اللَّهُ بَينَ الخَلقِ والأمرِ الذي بِه يَخلُقُ الخَلقَ بِواوِ الِاستِئنافِ، وَعَلَّمَنا اللَّهُ جَلَّ وَعَلا فِي مُحكَمِ تَنزِيلِهِ أنَّه يَخلُقُ الخَلقَ بِكَلامِه وقَولِه: إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 40] الفَرقَ بَينَ الخَلقِ والأمرِ؛ فَأعلَمَنا جَلَّ وَعَلا أنَّهُ يُكَوِّنُ كُلَّ مُكَوَّنٍ مِن خَلقِه بِقَولِه: كُن فَيَكُونُ [البقرة: 117] ، وقَولُه: كُنْ [البقرة: 117] هو كَلامُه الذي بِه يَكُونُ الخَلقُ، وَكَلامُه عَزَّ وَجَلَّ الذي بِه يَكُونُ الخَلقُ غَيرُ الخَلقِ الَّذِي يَكُونُ مُكَوَّنًا بِكَلامِهِ؛ فافهَم ولا تَغلَطْ ولا تُغالِطْ، وَمَن عَقَلَ عَنِ اللَّهِ خِطابَه عَلِمَ أنَّ اللَّهَ سُبحانَهُ لَمَّا أعلَمَ عِبادَه المُؤمِنينَ أنَّهُ يُكَوِّنُ الشَّيءَ بِقَولِهِ: كُن [البقرة: 117] أنَّ القَولَ الَّذِي هُوَ كُنْ غَيرُ المُكَوَّنِ بِكُنِ المَقُولِ لَهُ كُنْ... قال اللهُ سُبحانَه وتعالى: والشَّمسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأمرِهِ [الأعراف:54] . ‌فَهَل ‌يَتَوَهَّمُ ‌مُسلِمٌ -يا ذَوِي الحِجا- أنَّ اللَّهَ سَخَّرَ الشَّمسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِخَلقِه؟ ألَيسَ مَفهُومًا عِندَ مَن يَعقِلُ عَنِ اللَّهِ خِطابَه أنَّ الأمرَ الذي سَخَّرَ بِه المُسَخِّرُ غَيرُ المُسَخَّرِ بِالأمرِ، وَأنَّ القَولَ غَيرُ المَقُولِ لَه؟ فَتَفَهَّمُوا يا ذَوِي الحِجا عَنِ اللَّهِ خِطابَه، وعن النَّبِيِّ المُصطَفَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَيانَه، لا تَصُدُّوا عَن سَواءِ السَّبِيلِ، فَتَضِلُّوا) [202] يُنظر: ((التوحيد)) (1/331-338). .
وقال الطحاوي: (إنَّ القُرْآنَ كلامُ اللهِ، منه بدأ بلا كيفيَّةٍ قولًا، وأنزله على رسولِه وحيًا، وصَدَّقه المُؤمِنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا أنَّه كلامُ اللهِ تعالى بالحقيقةِ، ليس بمخلوقٍ ككلامِ البَرِيَّةِ، فمن سمعه فزعَم أنَّه كلامُ البشَرِ فقد كَفَر) [203] يُنظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 40). .
وقال الأصبهاني: (أجمع المُسلِمون أنَّ القُرْآنَ كلامُ اللهِ، وإذا صَحَّ أنَّه كلامُ اللهِ صَحَّ أنَّه صِفةٌ لله تعالى، وأنَّه عَزَّ وجَلَّ موصوفٌ به، وهذه الصِّفةُ لازمةٌ لذاتِه.
تقول العَرَبُ: زيدٌ متكَلِّمٌ، فالمتكَلِّمُ صِفةٌ له، إلَّا أنَّ حقيقةَ هذه الصِّفةِ الكلامُ، وإذا كان كذلك، كان القُرْآنُ كلامَ اللهِ، وكانت هذه الصِّفةُ لازمةً له أزليَّةً.
والدليلُ على أنَّ الكلامَ لا يفارِقُ المتكَلِّمَ أنَّه لو كان يفارِقُه لم يكنْ للمتكَلِّمِ إلَّا كَلِمةٌ واحدةٌ، فإذا تكلَّم بها لم يَبْقَ له كلامٌ، فلمَّا كان المتكَلِّمُ قادِرًا على كَلِماتٍ كثيرةٍ بعد كلمةٍ، دَلَّ على أنَّ الكَلِماتِ فُروعٌ لكَلامِه الذي هو صِفةٌ له ملازِمةٌ.
والدليلُ على أنَّ القُرْآنَ غيرُ مخلوقٍ: أنَّه كلامُ الله، وكلامُ الله سَبَبٌ إلى خَلقِ الأشياءِ، قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي: أرَدْنا خَلْقَه وإيجادَه وإظهارَه. فقَولُه: كُنْ، كلامُ اللهِ وصِفَتُه، والصِّفةُ التي منها يتفرَّعُ الخَلقُ والفِعلُ وبها يتكَوَّنُ المخلوقُ لا تكونُ مخلوقةً، ولا يكونُ مِثْلُها للمخلوقِ.
والدليلُ عليه: أنَّه كلامٌ لا يُشبِهُ كَلامَ المخلوقينَ، وهو كَلامٌ مُعجِزٌ وكَلامُ المخلوقين غيرُ مُعجِزٍ، لو اجتمع الخَلقُ على أن يأتوا بمثلِ سُورةٍ مِن سُوَرِه أو آيةٍ مِن آياتِه، عَجَزوا عن ذلك ولم يَقدِروا عليه) [205])) يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (2/ 203). .
وقال ابنُ قُدامةَ: (من كلامِ اللهِ سُبحانَه القُرْآنُ العظيمُ، وهو كِتابُ اللهِ المُبِينُ، وحَبلُه المتينُ، وصراطُه المستقيمُ، وتنزيلُ رَبِّ العالَمين، نزل به الرُّوحُ الأمينُ على قَلبِ سَيِّد المُرسَلين بلسانٍ عَربيٍّ مُبِينٍ، مُنَزَّلٌ غَيرُ مخلوقٍ، منه بدأ وإليه يعودُ، وهو سُوَرٌ مُحكَماتٌ، وآياتٌ بَيِّناتٌ، وحُروفٌ وكَلِماتٌ... مَتلُوٌّ بالألسِنَةِ، مَحفوظٌ في الصُّدورِ، مَسموعٌ بالآذانِ، مكتوبٌ في المصاحِفِ) [206] يُنظر: ((لمعة الاعتقاد)) (ص: 18). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (يقالُ كما قال السَّلَفُ: إنَّه كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، منه بدأ وإليه يعودُ. فقولهم: «منه بدأ» ردٌّ على من قال: إنَّه مخلوقٌ في بعضِ الأجسامِ، ومن ذلك المخلوقِ ابتدَأَ. فبَيَّنوا أنَّ اللهَ هو المتكَلِّمُ به «منه بدأ» لا من بعضِ المخلوقاتِ "وإليه يعودُ" أي: فلا يبقى في الصُّدورِ منه آيةٌ، ولا في المصاحِفِ حَرفٌ!) [207] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (12/561). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (القُرْآنُ العَظيمُ مُعجِزٌ مِن وُجوهٍ كثيرةٍ؛ من فصاحتِه، وبلاغتِه، ونَظْمِه، وتراكيبِه، وأساليبِه، وما تضَمَّنه من الإخبارِ بالغُيوبِ الماضيةِ والمُستقبَلةِ، وما اشتمل عليه من الأحكامِ المُحْكَمةِ الجَلِيَّة؛ فالتحدِّي ببلاغةِ ألفاظِه يخُصُّ فُصَحاءَ العَرَبِ، والتحَدِّي بما اشتمل عليه من المعاني الصحيحةِ الكاملةِ -وهي أعظَمُ في التحدِّي عند كثيرٍ من العُلَماءِ- يعُمُّ جميعَ أهلِ الأرضِ مِن المِلَّتينِ؛ أهلِ الكِتابَينِ وغَيرِهم من عُقَلاءِ اليونانِ والهندِ والفُرسِ والقِبطِ وغَيرِهم من أصنافِ بني آدمَ في سائرِ الأقطارِ والأعصارِ، وأمَّا من زعم من المتكلِّمين أنَّ الإعجازَ إنما هو من صَرفِ دواعي الكَفَرةِ عن معارضتِه مع إمكانِ ذلك، أو هو سَلبُ قُدَرِهم على ذلك، فقَولٌ باطِلٌ، وهو مُفَرَّعٌ على اعتقادِهم أنَّ القُرْآنَ مخلوقٌ، خَلَقه اللهُ في بعضِ الأجرامِ، ولا فَرْقَ عندهم بين مخلوقٍ ومخلوقٍ، وقولُهم هذا كُفرٌ وباطِلٌ، وليس بمطابقٍ لِما في نفسِ الأمرِ، بل القُرْآنُ كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، تكَلَّم به كما شاء تعالى وتقَدَّس وتنَزَّه عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا) [208])) يُنظر: ((البداية والنهاية)) (8/ 547). .
وقال مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ: (إنَّ القُرْآنَ كَلامُ اللهِ، مُنَزَّلٌ غَيرُ مَخلوقٍ، منه بدأ وإليه يعودُ، وأنَّه تكلَّم به حقيقةً، وأنزله على عبدِه ورسولِه، وأمينِه على وَحيِه، وسفيرِه بينه وبين عبادِه؛ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [209])) يُنظر: ((الدرر السنية)) (1/ 30). .
وقال حافِظٌ الحكَميُّ: (النصوصُ من الكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الأُمَّةِ على أنَّ القُرْآنَ كَلامُ اللهِ تكلَّم به حقيقةً، وأنَّه هو الذي قال تبارك وتعالى: الم، المص، المر، كهيعص، طه، طس، طسم، حم، عسق) [210] يُنظر: ((معارج القبول)) (1/325). .
وقال أيضًا: (القُرْآنُ كلامُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ حقيقةً حُروفُه ومعانيه، ليس كلامُه الحروفَ دون المعاني، ولا المعاني دون الحُروفِ، تكَلَّم اللهُ به قولًا وأنزله على نبيِّه وحيًا، وآمن به المُؤمِنون حقًّا، فهو وإن خُطَّ بالبَنانِ، وتُلِيَ باللسانِ، وحُفِظَ بالجَنانِ، وسُمِع بالآذانِ، وأبصرَتْه العينانِ؛ لا يُخرِجُه ذلك عن كونِه كلامَ الرَّحمنِ، فالأنامِلُ والمِدادُ والأقلامُ والأوراقُ مخلوقةٌ، والمكتوبُ بها غَيرُ مَخلوقٍ، والألسُنُ والأصواتُ مخلوقةٌ، والمتلوُّ بها على اختلافِها غَيرُ مَخلوقٍ، والصُّدورُ مخلوقةٌ، والمحفوظُ فيها غَيرُ مَخلوقٍ، والأسماعُ مخلوقةٌ، والمسموعُ غَيرُ مَخلوقٍ؛ قال اللهُ تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ [الواقعة: 77 - 78] ، وقال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت: 49] ، وقال تعالى: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لَكَلِمَاتِهِ [الكهف: 27] ، وقال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة: 6] ... ومن قال: القُرْآنُ أو شيءٌ من القُرْآن مخلوقٌ، فهو كافِرٌ كُفرًا أكبَرَ يخرِجُه من الإسلامِ بالكُلِّيَّةِ؛ لأنَّ القُرْآنَ كَلامُ اللهِ تعالى، منه بدأ وإليه يعودُ، وكلامُه صِفَتُه، ومن قال: شَيءٌ من صفاتِ اللهِ مخلوقٌ، فهو كافِرٌ مُرتَدٌّ يُعرَضُ عليه الرُّجوعُ إلى الإسلامِ، فإن رجع وإلَّا قُتِل كُفرًا، ليس له شيءٌ من أحكامِ المُسلِمين) [211])) يُنظر: ((أعلام السنة المنشورة)) (ص: 45). .

انظر أيضا: