الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الثَّاني: تعريفُ القُرْآنِ اصطِلاحًا

القُرْآنُ الكريمُ هو اسمٌ لكلامِ اللهِ تعالى وكِتابِه، المنَزَّلُ على عَبدِه ورَسولِه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بواسِطةِ جِبريلَ عليه السَّلامُ بلِسانٍ عَربيٍّ مُبِينٍ، المنقولُ إلينا بالتواتُرِ، المكتوبُ في المُصحَفِ، المتعَبَّدُ بتلاوتِه، المبدوءُ بسُورةِ الفاتحةِ، والمختومُ بسُورةِ النَّاسِ، والمُعجِزُ بأقصَرِ سُوَرِه [180] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (1/1)، ((تفسير القرطبي)) (2/298)، ((الواضح في علوم القرآن)) لمصطفى البغا ومحيى الدين مستو (ص: 15)، ((المحرر في علوم القرآن)) لمساعد الطيار (ص: 22). .
قال السُّيوطيُّ: (هو الكلامُ المنَزَّلُ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للإعجازِ بسُورةٍ منه.
فخرج بالمنَزَّلِ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: التوراةُ والإنجيلُ، وسائِرُ الكُتُبِ.
وبالإعجازِ: الأحاديثُ الرَّبَّانيةُ القُدُسيَّةُ كحديثِ الصَّحيحَينِ: ((أنا عند ظَنِّ عَبدي بي ... )) [181] رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675) مُطَوَّلًا من حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. وغيرِه...
وقَولُنا: بسورةٍ منه: هو بيانٌ لأقَلِّ ما وقع به الإعجازُ، وهو قَدْرُ أقَلِّ سُورةٍ، كالكوثرِ، أو ثلاثِ آياتٍ مِن غَيرِها، بخلافِ ما دونَها.
وزاد بعضُ المتأخِّرين في الحَدِّ: المتعَبَّدُ بتلاوتِه؛ ليخرُجَ المنسوخُ التلاوةِ) [182] يُنظر: ((التحبير في علم التفسير)) (ص: 39). .
وقال ابنُ النَّجَّارِ: («الكِتابُ: القُرْآنُ»... وهو، أي: القُرْآنُ «كلامٌ مُنَزَّلٌ»، أي نزَّله السَّيِّدُ جِبريلُ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه «على» قَلبِ سَيِّدنا «مُحَمَّدٍ» رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما قال سُبحانَه وتعالى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة: 97] .
«مُعجِزٌ بنَفْسِه» أي: مقصودٌ به الإعجازُ، كما أنَّه مقصودٌ به بيانُ الأحكامِ والمواعِظِ، وقَصُّ أخبارِ من قَصَّ في القُرْآنِ مِن الأُمَمِ.
"مُتعَبَّدٌ بتلاوتِه" لِتَخرُجَ الآياتُ المنسوخةُ اللَّفظِ، سواءٌ بَقِيَ حُكمُها أم لا؛ لأنَّها صارت بعد النَّسخِ غيرَ قُرْآنٍ؛ لسُقوطِ التعبُّدِ بتلاوتِها؛ ولذلك لا تُعطى حُكمَ القُرْآنِ) [183])) يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) (2/ 7).
وقد وصفه اللهُ تعالى بأوصافٍ كثيرةٍ، تدُلُّ على عَظَمتِه وبَرَكتِه وتأثيرِه وشمولِه، وأنَّه حاكِمٌ على ما قَبْلَه من الكُتُبِ... والقُرْآنُ الكريمُ مَصدَرُ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ التي بُعِث بها مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى كافَّةِ النَّاسِ) [184])) يُنظر: ((أصول في التفسير)) (ص: 6). .
الفَرقُ بَيْن القُرْآنِ الكريمِ والحَديثِ القُدُسيِّ
هناك فروقٌ كثيرةٌ ذكرها العُلَماءُ بين القُرْآنِ الكريمِ والحديثِ القُدُسيِّ الذي يرويه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن رَبِّه ويَنسُبُه إليه، منها( يُنظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 83)، ((مناهل العرفان)) للزرقاني (1/ 50)، ((النبأ العظيم)) لدراز (ص: 44)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (25/ 60)، ((الموقع الرسمي لابن باز - نور على الدرب))، ((القول المفيد)) لابن عثيمين (1/ 81)، ((دراسات في علوم القرآن)) للرومي (ص: 22). :
1- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ تحدَّى اللهُ النَّاسَ أن يأتُوا بمِثْلِه، أو بعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِه، أو بسُورةٍ مِن مِثْلِه، أو بحديثٍ مِثْلِه؛ فعَجَزوا. أمَّا الحديثُ القُدُسيُّ فلم يقَعْ به التحَدِّي والإعجازُ.
2- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ منقولٌ بطريقِ التواتُرِ، فهو قَطعيُّ الثُّبوتِ كُلُّه؛ سُوَرُه وآياتُه، وجُمَلُه ومُفرداتُه، وحُروفُه وحَرَكاتُه وسَكَناتُه، أمَّا الحديثُ القُدُسيُّ فأغلَبُه أحاديثُ آحادٍ ظَنِّيُّ الثُّبوتِ.
3- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ مِن عِندِ اللهِ لفظًا ومعنًى، أمَّا الحديثُ القُدُسيُّ فمعناه من اللهِ باتِّفاقِ العُلَماءِ، أمَّا لَفظُه فاختُلِف فيه.
4- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ لا يُنسَبُ إلَّا إلى اللهِ تعالى، أمَّا الحديثُ القُدُسيُّ فيُنسَبُ إلى اللهِ تعالى نسبةَ إنشاءٍ، فيُقالُ: قال اللهُ تعالى، ويُروى مضافًا إلى الرَّسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نِسبةَ إخبارٍ، فيُقالُ: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما يرويه عن رَبِّه.
5- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ -على قَولِ الجمهورِ- لا يجوزُ قِراءتُه للجُنُبِ حتى يغتَسِلَ، بخلافِ الأحاديثِ القُدُسيَّةِ.
6- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ مُتعَبَّدٌ بتلاوتِه مِن جِهةِ أنَّ الصَّلاةَ لا تَصِحُّ إلَّا بتلاوتِه دونَ الحديثِ القُدُسِيِّ.
ومن جِهةِ أنَّ ثوابَ تلاوةِ القُرْآنِ ثوابٌ عظيمٌ، والحديثُ القُدُسيُّ ليس في تلاوتِه الثَّوابُ الوارِدُ لتلاوةِ القُرْآنِ الكريمِ.
7- أنَّ القُرْآنَ لا تجوزُ قِراءتُه بالمعنى بإجماعِ المُسلِمين، وأمَّا الأحاديثُ القُدُسيَّةُ فعلى الخِلافِ في جوازِ نَقلِ الحَديثِ النَّبَويِّ بالمعنى، والأكثَرونَ على جوازِه.
8- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ لا يكونُ إلَّا بوَحيٍ جَليٍّ، وذلك بنزولِ جِبريلَ عليه السَّلامُ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقَظةً، فلم يَنزِلْ شَيءٌ من القُرْآنِ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالإلهامِ أو في المنامِ، أمَّا الحديثُ القُدُسيُّ فنَزَل بالوَحيِ الجَليِّ والخَفِيِّ.
أمَّا ما ورد عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: ((بينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ بين أظهُرِنا إذ أغفى إغفاءةً، ثمَّ رفع رأسَه مُتبَسِّمًا، فقُلْنا: ما أضحَكَك يا رسولَ اللهِ؟! قال: أُنزِلَت عليَّ آنفًا سُورةٌ. فقرأ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)) الحديث [186] رواه مسلم (400). ؛ فهذه الإغفاءةُ ليست إغفاءةَ نَومٍ، ولعَلَّها الحالُ التي تأتيه عند الوَحيِ؛ حيث يصيبُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثِقلٌ في الجِسمِ وتَفَصُّدُ العَرَقِ وشِبهُ إغفاءةِ نَومٍ. واللهُ أعلَمُ.
9- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ تُسَمَّى الجملةُ منه آيةً، والجملةُ من الآياتِ سُورةً، والأحاديثُ القُدُسِيَّةُ لا يُسَمَّى بَعضُها آيةً ولا سُورةً باتِّفاقٍ.
10- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ يَكفُرُ من جحد شيئًا منه، أمَّا الحديثُ القُدُسِيُّ فلا يَكفُرُ من جحد غيرَ المتواتِرِ منه.
11- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ يُشرَعُ الجَمعُ بين الاستعاذةِ والبَسمَلةِ عند تلاوتِه دون الحديثِ القُدُسِيِّ.
12- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ يُكتَبُ برَسمٍ خاصٍّ هو رَسمُ المُصحَفِ، دونَ الحديثِ القُدُسِيِّ.
13- أنَّ القُرْآنَ الكريمَ محفوظٌ مِن اللهِ تعالى، كما قال سُبحانَه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] ، والأحاديثُ القُدُسِيَّةُ بخِلافِ ذلك.

انظر أيضا: