الموسوعة العقدية

الفَصْلُ السَّادِسُ: وقوعُ التحريفِ في الكُتُبِ المتقَدِّمةِ على القُرْآنِ

تكفَّل اللهُ عزَّ وجلَّ بحِفظِ كِتابِه العزيزِ، أمَّا ما سبقه من الكُتُبِ فقد استحفَظَها جَلَّ جلالُه الرَّبَّانيِّينَ والأحبارَ، فلم تَسلَمْ من التحريفِ والتغييرِ والتبديلِ.
قال اللهُ تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [المائدة: 44] .
قال ابنُ عاشور: (الاستِحفاظُ: الاستِئمانُ، واستِحفاظُ الكِتابِ أمانةُ فَهْمِه حَقَّ الفَهمِ بما دَلَّت عليه آياتُه. استُعيرَ الاستحفاظُ الذي هو طَلَبُ الحِفظِ لِمعنى الأمرِ بإجادةِ الفَهمِ والتبليغِ للأمَّةِ على ما هو عليه.
فالباءُ في قَولِه بِمَا اسْتُحْفِظُوا للمُلابَسةِ، أي: حُكمًا مُلاِبًسا للحَقِّ مُتَّصِلًا به غيَر مُبَدَّلٍ ولا مغَيَّرٍ، ولا مُؤَوَّلٍ تأويلًا لأجْلِ الهوى. ويدخُلُ في الاستحفاظِ بالكِتابِ الأمرُ بحِفظِ ألفاظِه من التغييرِ والكِتمانِ.
ومن لطائِفِ القاضي إسماعيلَ بنِ إسحاقَ بنِ حَمَّادَ ما حكاه عياضٌ في «المدارك»، عن أبي الحَسَنِ بنِ المنتابِ، قال: كنتُ عند إسماعيلَ يومًا فسُئِلَ: لمَ جاز التبديلُ على أهلِ التوراةِ ولم يجُزْ على أهلِ القُرْآنِ، فقال: لأنَّ اللهَ تعالى قال في أهلِ التَّوراةِ: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فوكَلَ الحِفظَ إليهم. وقال في القُرْآنِ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] ؛ فتعهَّد اللهُ بحِفْظِه فلم يجُزِ التبديلُ على أهلِ القُرْآنِ. قال: فذكَرْتُ ذلك للمحامليِّ، فقال: لا أحسَنَ من هذا الكلامِ!) [155] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/ 209). ويُنظر: ((ترتيب المدارك)) لعياض (4/283). .
وقال اللهُ سُبحانَه: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 75] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يُحَرِّفُونَهُ أي: يُميلونَه عن وَجْهِه ومعناه الذي هو معناه إلى غيرِه، فأخبر اللهُ جَلَّ ثناؤُه أنَّهم فعلوا ما فعلوا من ذلك على عِلمٍ منهم بتأويلِ ما حَرَّفوا وأنَّه بخِلافِ ما حَرَّفوه إليه، فقال: يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ [البقرة: 75] يعني: من بعدِ ما عقَلوا تأويلَه وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي: يَعلَمون أنَّهم في تحريفِهم ما حَرَّفوا من ذلك مُبطِلون كاذِبون) [156] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/144). .
وقال أيضًا: (قال ابنُ زيدٍ في قَولِه: يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ قال: التوراةُ التي أنزلها عليهم يُحَرِّفونها؛ يَجعَلون الحلالَ فيها حرامًا، والحرامَ فيها حلالًا، والحَقَّ فيها باطلًا، والباطِلَ فيها حقًّا، إذا جاءهم المحِقُّ برِشوةٍ أخرجوا له كِتابَ اللهِ، وإذا جاءهم المبطِلُ برِشوةٍ أخرجوا له ذلك الكِتابَ فهو فيه محِقٌّ، وإن جاء أحدٌ يسألهم شيئًا ليس فيه حَقٌّ ولا رِشوةٌ ولا شَيءٌ؛ أمَروه بالحَقِّ، فقال لهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44] ) [157] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/141). .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة: 13] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يُحَرِّفون كلامَ رَبِّهم الذي أنزله على نبيِّهم موسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو التوراةُ، فيُبَدِّلونَه ويكتُبون بأيديهم غيرَ الذي أنزله اللهُ جَلَّ وعَزَّ على نبيِّهم، ويقولون لجُهَّالِ النَّاسِ: هذا هو كلامُ اللهِ الذي أنزله على نبيِّه موسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والتوراةُ التي أوحاها إليه. وهذا من صفةِ القُرونِ التي كانت بعد موسى من اليهودِ ممَّن أدرك بعضُهم عَصرَ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنَّ اللهَ عزَّ ذِكْرُه أدخلهم في عِدادِ الذين ابتدأ الخبرُ عنهم ممَّن أدرك موسى منهم؛ إذ كانوا من أبنائِهم وعلى منهاجِهم في الكَذِبِ على اللهِ والفِريةِ عليه ونَقْضِ المواثيقِ التي أخذها عليهم في التوراةِ) [158])) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/ 251). .
وقال السَّعديُّ: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ أي: ابتُلوا بالتغييرِ والتبديلِ، فيَجعَلون للكَلِمِ الذي أراد اللهُ معنًى غيرَ ما أراده اللهُ ولا رسولُه) [159])) يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 225). .
وقال اللهُ تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 78] .
قال البغويُّ: (قَولُه تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ، يَعنِي: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَفَرِيقًا، أَيْ: طَائِفَةً، وَهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، ‌وَمَالِكُ ‌بْنُ ‌الصَّيْفِ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَأَبُو يَاسِرٍ، وَشُعْبَةُ بنُ عَمْرٍو الشَّاعِرُ، يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ، أَيْ: يَعْطِفُونَ أَلْسِنَتَهم بِالتَّحرِيفِ وَالتَّغيِيرِ، وَهُوَ ما غَيَّرُوا مِنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وَآيَةِ الرَّجْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُقَالُ: لَوَى لسانَه عن كذا: إذا غَيَّرَه، لِتَحْسَبُوهُ، أَيْ: لِتَظُنُّوا مَا حرَّفوا مِنَ الكِتابِ الذي أنزله اللهُ تعالى على أنبيائِه، وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ عَمْدًا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنَّهم كاذِبون وأنَّهم هم المغَيِّرون له من عند أنفُسِهم، وقال الضَّحَّاكُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الآيَةَ نَزَلت فِي اليَهودِ والنَّصَارى جَميعًا، وذلك أنَّهم حَرَّفوا التَّوراةَ والإِنجيلَ، وألْحَقوا بكِتابِ اللهِ ما ليس منه) [160])) يُنظر: ((تفسير البغوي)) (1/ 462). .
وقال اللهُ سُبحانَه: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة: 79] .
قال السَّعديُّ: (توعَّد تعالى المحَرِّفين للكِتابِ، الذين يقولون لتحريفِهم وما يكتُبون: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ وهذا فيه إظهارُ الباطِلِ وكَتمُ الحَقِّ، وإنَّما فعلوا ذلك مع عِلْمِهم لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا والدُّنيا كُلُّها من أوَّلِها إلى آخِرِها ثمنٌ قليلٌ، فجعلوا باطِلَهم شَرَكًا يصطادونَ به ما في أيدي النَّاسِ، فظَلَموهم من وَجْهَينِ: مِن جِهةِ تلبيسِ دينِهم عليهم، ومن جِهةِ أخذِ أموالِهم بغيرِ حقٍّ، بل بأبطَلِ الباطِلِ، وذلك أعظَمُ ممَّن يأخُذُها غَصبًا وسَرِقةً ونحوَهما، ولهذا توعَّدهم بهذينِ الأمرَينِ، فقال: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ أي: من التحريفِ والباطِلِ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ مِن الأموالِ) [161])) يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 56). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ اليَهُودَ جَاؤُوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برَجُلٍ منهمْ وامْرَأَةٍ قدْ زَنَيَا، فَقَالَ لهمْ: كيفَ تَفْعَلُونَ بمَن زَنَى مِنكُمْ؟ قالوا: نُحَمِّمُهما ونَضْرِبُهما، فقال: لا تَجِدُونَ في التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ؟ فَقالوا: لا نَجِدُ فِيهَا شيئًا، فَقَالَ لهمْ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ! فَأْتُوا بالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَوَضَعَ مِدْرَاسُهَا الذي يُدَرِّسُهَا منهمْ كَفَّهُ علَى آيَةِ الرَّجْمِ فَطَفِقَ يَقْرَأُ ما دُونَ يَدِهِ، وما ورَاءَهَا، ولَا يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ، فَنَزَعَ يَدَهُ عن آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَالَ: ما هذِه؟ فَلَمَّا رَأَوْا ذلكَ قالوا: هي آيَةُ الرَّجْمِ، فأمَرَ بهِما فَرُجِما [162] رواه البخاري (4556) واللَّفظُ له، ومسلم (1699). .
قال ابنُ حَجَرٍ في شَرحِ هذا الحديثِ: (فيه أنَّ اليهودَ كانوا ينسُبون إلى التوراةِ ما ليس فيها ولو لم يكُنْ ممَّا أقدموا على تبديلِه، وإلَّا لكان في الجوابِ حَيدةٌ عن السُّؤالِ؛ لأنَّه سأل عما يجِدون في التوراةِ فعَدَلوا عن ذلك لِما يفعلونه وأوهموا أنَّ فِعْلَهم موافِقٌ لِما في التوراةِ، فأكذَبَهم عبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ) [163] يُنظر: ((فتح الباري)) (12/172). .
وقال الحليمي: (إنَّ الإيمانَ بالكُتُبِ المُنَزَّلةِ على الأنبياءِ الذين كانوا قبل نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليهم، وإن كان واجبًا، فلا يؤخَذُ بقراءةِ ما في أيدي اليهودِ والنَّصارى منها؛ لأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قد خَوَّفهم وزجرهم ونسبَهَم إلى أنَّهم كانوا يكتُبون الكِتابَ بأيديهم ثم يقولون هذا مِن عِندِ اللهِ: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 78] ، وقال: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة: 41] ، وقال: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران: 71] ، إذا كان هذا هكذا لم يقَعْ للمُسلِم تقديمٌ بقَولِ اليهودِ: إنَّه من التوراةِ، وبقَولِ النصرانيِّ: إنه من الإنجيلِ، أو يقولان: إنه من الزَّبورِ؛ إذ كان لا يأتيه أن يكونَ مِن وَصْفِهم الذي أخبر اللهُ عَزَّ وجَلَّ بأنَّهم ينسُبونه إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، يعلمون من أنفُسِهم بأنَّهم كاذِبون، وأيضًا فإنَّ الكُفَّارَ لا شهادةَ لهم أصلًا، فكيف يُقبَلُ قولُهم على اللهِ تعالى ورُسُلِه؟ لكِنَّهم أبعَدُ النَّاسِ من ذلك، فأَولاهم بالرَّدِّ والتكذيبِ. هذا وقد ظهر أنَّ أكثَرَ ما في أيديهم لا يجوزُ أن يكونَ مُنَزَّلًا مِن عِندِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ لأنَّ ما يدعون إليه أنَّه التوراةُ مغازي موسى وقِصَّتُه بعد فرعون، وما دار بينه وبين بني إسرائيلَ طولَ مُقامِه بين أظهُرِهم، وصِفةُ وَفاتِه؛ فلا يخفى على عاقلٍ أنَّ ذلك على وَجْهِه لم يُنَزَّلْ عليه، وأنَّه بمَنْزِلةِ الأخبارِ التي جاءت من السُّنَنِ، ومحاوراتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه وسائليه والقادمين عليه من الوُفودِ وغيرِهم) [164])) يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/322). .
وقال أيضًا: (أمَّا ما يدَّعي النصارى أنَّه الإنجيلُ، فإنَّ فيه من الكُفرِ الصَّريحِ مِن نحوِ قولِهم: (باسمِ الأبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُسِ)، وقَولِهم: يا ملكوتُ ارحَمْنا، ما لا يُشكِلُ على عاقلٍ أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لا يرضى من عبادِه باطلًا، فضلًا عن أن يأمُرَ بإنزالِه، وعند عُلَماءِ المُسلِمين أنَّه ليس عند النصارى ذلك الإنجيلُ المنَزَّلُ على عيسى صلواتُ الله عليه،... فأمَّا القُرْآنُ فإنما يُنسَخُ ويُعَلَّمُ ويُتعَلَّمُ ويُتلى آناءَ اللَّيلِ والنَّهارِ؛ لأنَّه معجزةُ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحُجَّتُه الباقيةُ بَعْدَه، وجامِعُ الأحكامِ الثَّابتة التي لا مُعَقِّبَ لها إلى قيامِ السَّاعةِ، فلا غِنى عن حِفْظِه وصَونِه عن الذَّهابِ والضَّياعِ، وهذا المعنى غيرُ موجودٍ في تلك الكُتُبِ) [165])) يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/323). .
وقال ابنُ حزم: (أمَّا النَّصارى فقد كَفَونا هذه المؤونةَ كُلَّها؛ لأنَّهم لا يدَّعون أنَّ الأناجيلَ مُنَزَّلةٌ مِن عِندِ اللهِ على المسيحِ، ولا أنَّ المسيحَ أتاهم بها، بل كُلُّهم؛ أوَّلُهم عن آخِرِهم، أيوسيُّهم ومَلَكيُّهم، ونِسطوريُّهم ويَعْقوبيُّهم، ومارونيُّهم وبولقانِيُّهم؛ لا يختلفون في أنها أربعةُ تواريخَ ألَّفَها أربعةُ رِجالٍ معروفون في أزمانٍ مختلفةٍ) [166] يُنظر: ((الفصل)) (2/2). .
وقال البيهقي: (إنَّ اللهَ تعالى كَذَّب أهلَ التوراةِ والإنجيلِ الذين كانوا على عهدِ نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأخبر عن خيانتِهم، وتحريفِهم الكلامَ عن مواضِعِه، ووَضْعِهم الكِتابَ، ثم يقولون هذا مِن عِندِ اللهِ، وما هو مِن عِندِ اللهِ، ويقولون على اللهِ الكَذِبَ وهم يعلمون، فلا يأمَنُ المُسلِمُ إذا قرأ شيئًا من كُتُبِهم أن يكون ذلك مِن وَضعِ اليهودِ والنَّصارى) [167])) يُنظر: ((شعب الإيمان)) (1/ 346). .
وقال شِهابُ الدِّينِ القرافيُّ: (من طالع كُتُبَهم وأناجِيلَهم وجد فيها من العجائِبِ ما يقضي له بأنَّ القَومَ تفَرَّقت شرائعُهم وأحكامُهم ونُقولُهم... وأنَّ القومَ لا يلتزمون مذهبًا. والعَجَبُ أنَّ أناجيلَهم حكاياتٌ وتواريخٌ، وكلامُ كَفَرةٍ وكَهَنةٍ وتلامِذَةٍ وغيرِهم، حتى أنِّي أحلِفُ باللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو أنَّ تاريخَ الطَّبريِّ عند المُسلِمين أصَحُّ نقلًا من الإنجيلِ، ويعتَمِدُ عليه العاقِلُ أكثَرَ! مع أنَّ التاريخَ لا يجوزُ عند المُسلِمين أن يُبنى عليه شيءٌ من أمْرِ الدِّينِ، وإنما هو حكاياتٌ في المجالِسِ، ويقولون مع ذلك: الإنجيلُ كِتابُ اللهِ أنزله إلينا، وأمَرَ السَّيِّدَ المسيحَ باتِّباعِه! فليت شِعْري أين هذا الإنجيلُ المنَزَّلُ مِن عِندِ اللهِ تعالى؟! وأين كَلِماتُه من بين هذه الكَلِماتِ؟!) [168] يُنظر: ((الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على اليهود والنصارى)) (ص: 121). .
وقال أيضًا: (طائفةٌ من اليهودِ يُقالُ لهم السَّامريَّةُ، اتَّفَق اليهودُ على أنَّهم حَرَّفوا التوراةَ تحريفًا شديدًا، والسَّامِريَّةُ يَدَّعون عليهم مِثلَ ذلك التحريفِ، ولعَلَّ الفريقينِ صادقانِ، فأين حينَئذٍ في التوراةِ شَيءٌ يُوثَقُ به مع تقابُلِ هذه الدَّعاوى من فِرَقِ اليَهودِ؟ فكَفَونا بأنفُسِهم عن أنفُسِهم) [169] يُنظر: ((الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على اليهود والنصارى)) (ص: 258). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (اليهودُ تُقِرُّ أنَّ السَّبعينَ كاهنًا اجتمعوا على اتِّفاقٍ من جميعِهم على تبديلِ ثلاثةَ عَشَرَ حَرفًا من التوراةِ، وذلك بعد المسيحِ في عَهدِ القياصرةِ الذين كانوا تحت قَهْرِهم؛ حيث زال المُلْكُ عنهم ولم يَبْقَ لهم مَلِكٌ يخافونَه ويأخُذُ على أيديهم،... ومن رَضِيَ بتبديلِ موضعٍ واحدٍ من كِتابِ الله فلا يُؤمَنُ منه تحريفُ غيرِه، واليهودُ تُقِرُّ أيضًا أنَّ السَّامرةَ حَرَّفوا مواضِعَ من التوراةِ وبدَّلوها تبديلًا ظاهرًا وزادوا ونَقصوا، والسَّامرةُ تدَّعِي ذلك عليهم) [170] يُنظر: ((هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى)) (2/416). .
وقال أيضًا: (أمَّا التحريفُ فقد أخبر سُبحانَه عنه في مواضِعَ متعَدِّدةٍ، وكذلك ليُّ اللِّسانِ بالكِتابِ لِيَحسَبَه السَّامِعُ منه وما هو منه. فهذه خمسةُ أمورٍ:
أحَدُها: لَبسُ الحَقِّ بالباطِلِ، وهو خَلْطُه به بحيث لا يتميَّزُ الحَقُّ من الباطِلِ.
الثَّاني: كِتمانُ الحقِّ.
الثَّالِثُ: إخفاؤه، وهو قريبٌ من كتمانِه.
الرابعُ: تحريفُ الكَلِمِ عن مواضِعِه، وهو نوعانِ: تحريفُ لَفظِه، وتحريفُ معناه.
الخامِسُ: ليُّ اللسانِ به؛ لِيُلَبِّسَ على السَّامِعِ اللَّفظَ المنزَّلَ بغيرِه) [171] يُنظر: ((هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى)) (1/312). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (ليُعلَمْ أنَّ التوراةَ التي بأيدي اليهودِ اليومَ، والإنجيلَ الذي بأيدي النصارى؛ لا يُوثَقُ بهما؛ لأنَّهم حَرَّفوا وبَدَّلوا وكَتَموا الحَقَّ) [172])) يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/445). .
وقد اختَلَفَت أقوالُ النَّاسِ في طبيعةِ التحريفِ الواقِعِ في الكُتُبِ السَّابقةِ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (أهلُ الكِتابِ اليهودُ والنصارى مع المُسلِمين مُتَّفِقون على أنَّ الكُتُبَ المتقَدِّمةَ وقع التحريفُ بها إمَّا عَمدًا وإمَّا خَطَأً؛ في ترجمتِها، وفي تفسيرِها، وشَرْحِها، وتأويلِها، وإنما تنازع النَّاسُ هل وقع التحريفُ في بعضِ ألفاظِها) [173] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (5/123). .
وقال أيضًا: (المُسلِمون وأهلُ الكِتابِ متَّفِقون على وقوعِ الغَلَطِ في تفسيرِ بعضِ الألفاظِ وبيانِ مرادِ الأنبياءِ بها، وفي ترجمةِ بَعضِها؛ فإنَّك تجِدُ بالتوراةِ عِدَّةَ نُسَخٍ مُترجَمةٍ وبينها فروقٌ يختَلِفُ بها المعنى المفهومُ، وكذلك في الإنجيلِ وغَيرِه) [174])) يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (2/388). .
وقال أيضًا: (الجمهورُ الذين يقولون: إنَّ بعضَ ألفاظِها حُرِّفَت، منهم من يقولُ: كان هذا قبل المبعَثِ، ومنهم من يقولُ: كان بَعْدَه، ومنهم من يُثبِتُ الأمرينِ أو يُجَوِّزُهما، ولكِنْ لا يقولُ: إنَّه حُرِّفت ألفاظُ جميعِ النُّسَخِ الموجودةِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها... ولكِنَّ عُلَماءَ المُسلِمين وعُلَماءَ أهلِ الكِتابِ مُتَّفِقون على وقوعِ التحريفِ في المعاني والتفسيرِ، وإن كانت كُلُّ طائفةٍ تزعُمُ أنَّ الأخرى هي التي حَرَّفت المعانيَ.
وأمَّا ألفاظُ الكُتُبِ فقد ذهبت طائفةٌ من عُلَماء المُسلِمين إلى أنَّ ألفاظَها لم تُبَدَّلْ، كما يقولُ ذلك من يقولُه من أهلِ الكِتابِ.
وذهب كثيرٌ من عُلَماءِ المُسلِمين وأهلِ الكِتابِ إلى أنَّه بُدِّلَ بَعضُ ألفاظِها. وهذا مشهورٌ عند كثيرٍ من عُلَماء المُسلِمين، وقاله أيضًا كثيرٌ من عُلَماءِ أهلِ الكِتابِ... ثم هؤلاء منهم الذين يقولون: إنَّ في ألفاظِ الكُتُبِ ما هو مُبَدَّلٌ، وفيهم من يجعَلُ المبَدَّلَ من التوراةِ والإنجيلِ كثيرًا منهما، وربما جعل بعضُهم المبدَّلَ أكثَرَهما لا سِيَّما الإنجيلِ؛ فإنَّ الطَّعنَ فيه أكثَرُ وأظهَرُ منه في التوراةِ. ومن هؤلاء من يُسرِفُ حتى يقولَ: إنَّه لا حُرمةَ لشَيءٍ منهما بل يجوزُ الاستنجاءُ بهما. ومنهم من يقولُ: الذي بُدِّلت ألفاظُه قليلٌ منهما، وهذا أظهَرُ.
والتوراةُ التي كانت عند يهودِ المدينةِ على عَهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإن قيل: إنَّه غُيِّر بعضُ ألفاظِها بعد مَبعَثِه، فلا نشهَدُ على كُلِّ نُسخةٍ في العالمِ بمثلِ ذلك؛ فإنَّ هذا غيرُ معلومٍ لنا، وهو أيضًا متعَذِّرٌ بل يمكِنُ تغييرُ كثيرٍ من النُّسَخِ وإشاعةُ ذلك عند الأتباعِ حتى لا يوجَدَ عند كثيرٍ من النَّاسِ إلَّا ما غُيِّرَ بعد ذلك، ومع هذا فكثيرٌ من نُسَخِ التوراةِ والإنجيلِ مُتَّفِقةٌ في الغالِبِ، إنما تختَلِفُ في اليسيرِ مِن ألفاظِها، فتبديلُ ألفاظِ اليسيرِ مِنَ النُّسَخِ بعد مَبعَثِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ممكِنٌ لا يمكِنُ أحدًا أن يجزِمَ بنَفْيِه ولا يَقدِرُ أحدٌ من اليهودِ والنصارى أن يشهَدَ بأنَّ كُلَّ نُسخةٍ في العالمِ بالكِتابَينِ مُتَّفِقةُ الألفاظِ؛ إذ هذا لا سبيلَ لأحَدٍ إلى عِلْمِه، والاختلافُ اليسيرُ في ألفاظِ هذه الكُتُبِ موجودٌ في الكثيرِ مِنَ النُّسَخِ، كما قد تختلف نُسَخُ بعض كُتُبِ الحديثِ أو تُبَدَّلُ بعضُ ألفاظِ بَعضِ النُّسَخِ، وهذا خِلافُ القُرْآنِ المَجيدِ الذي حُفِظَت ألفاظُه في الصُّدورِ بالنَّقلِ المتواتِرِ لا يحتاجُ أن يُحفَظَ في كِتابٍ، كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] ، وذلك أنَّ اليهودَ قبل النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعلى عَهدِه وبَعدَه مُنتَشِرون في مشارِقِ الأرضِ ومَغاربِها وعندهم نُسَخٌ كثيرةٌ من التوراةِ.
وكذلك النصارى عِندَهم نُسَخٌ كثيرةٌ من التوراةِ ولم يتمكَّنْ أحدٌ من جمعِ هذه النُّسَخِ وتبديلِها، ولو كان ذلك ممكِنًا لكان هذا من الوقائعِ العظيمةِ التي تتوفَّرُ الدَّواعي على نَقْلِها) [175] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (2/ 419). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (قد اختلفت أقوالُ النَّاسِ في التوراةِ التي بأيديهم: هل هي مُبَدَّلةٌ؟ أم التبديلُ والتحريفُ وقعَ في التأويلِ دونَ التنزيلِ؟ على ثلاثةِ أقوالٍ: طَرَفَينِ ووَسَطٍ.
فأفرَطَت طائفةٌ وزعمت أنَّها كلَّها أو أكثَرَها مُبدلَّةٌ مُغيَّرةٌ، ليست التوراةُ التي أنزلها اللهُ تعالى على موسى عليه السَّلامُ، وتعرَّض هؤلاء لتناقُضِها وتكذيبِ بَعضِها لبَعضٍ.
وغَلا بعضُهم، فجوَّز الاستِجمارَ بها من البَولِ.
وقابلهم طائفةٌ أخرى من أئمَّةِ الحديثِ والفِقهِ والكَلامِ، فقالوا: بل التبديلُ وقع في التأويلِ، لا في التنزيلِ، وهذا مذهَبُ أبي عبدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إسماعيلَ البُخاريِّ [176] قال البخاري: (يُحَرِّفون: يُزيلون، وليس أحَدٌ يُزيلُ لَفظَ كِتابٍ مِن كُتُبِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ولكِنَّهم يحرِّفونه يتأوَّلونَه على غيرِ تأويلِه). ((صحيح البخاري)) (6/2745). قال ابنُ حَجَر: (مرادُ البخاري بقولِه: (يتأوَّلونه) أنهم يحَرِّفون المرادَ بضَربٍ من التأويلِ، كما لو كانت الكَلِمةُ بالعَبرانيَّةِ تحتَمِلُ معنيينِ؛ قريبٌ وبعيدٌ، وكان المرادُ القريبَ؛ فإنهم يَحمِلونها على البعيدِ، ونحوِ ذلك) ((فتح الباري)) (13/526). وقال أيضًا: (تحريفُهم المعانيَ لا يُنكَرُ، بل هو موجودٌ عِندَهم بكثرةٍ). ((فتح الباري)) (13/524). ... وسمعتُ شَيخَنا يقولُ: وقع النزاعُ في هذه المسألةِ بين بعضِ الفُضَلاءِ، فاختار هذا المذهَبَ، ووهَّن غَيرَه، فأُنكِرَ عليه، فأحضَرَ لهم خمسةَ عَشَرَ نَقلًا به.
ومن حُجَّةِ هؤلاء: أنَّ التوراةَ قد طَبَّقت مشارِقَ الأرضِ ومغاربَها، وانتشرت جنوبًا وشمالًا، ولا يَعلَمُ عَدَدَ نُسَخِها إلَّا اللهُ تعالى، ومن الممتَنِعِ أن يقَعَ التواطؤُ على التبديلِ والتغييرِ في جميعِ تلك النُّسَخِ، بحيث لا يبقى في الأرضِ نُسخةٌ إلَّا مُبدَّلةً مُغَيَّرةً، والتغييُر على منهاجٍ واحدٍ، وهذا مما يُحيلُه العَقلُ ويَشهَدُ ببُطلانِه.
قالوا: وقد قال اللهُ تعالى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُحتجًّا على اليهودِ بها: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران: 93] .
قالوا: وقد اتَّفَقوا على تَرْكِ فريضةِ الرَّجمِ، ولم يمكِنْهم تغييرُها من التوراةِ؛ ولهذا لَمَّا قَرَؤوها على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وضع القارئُ يَدَه على آيةِ الرَّجمِ، فقال له عبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ: ارفَعْ يَدَك عن آيةِ الرَّجمِ، فرَفَعَها، فإذا هي تلوحُ تحتَها [177] أخرجه البخاري (3635)، ومسلم (1699) مُطَوَّلًا من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ولفظ البخاري: (فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم..) ، فلو كانوا قد بدَّلوا ألفاظَ التوراةِ لكان هذا من أهمِّ ما يُبَدِّلونَه.
قالوا: وكذلك صِفاتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَخْرجُه هو في التوراةِ بَيِّنٌ جدًّا، ولم يمكِنْهم إزالتُه وتغييرُه، وإنما ذمَّهم اللهُ تعالى بكِتمانِه، وكانوا إذا احتُجَّ عليهم بما في التوراةِ مِن نَعْتِه وصِفَتِه يقولون: ليس هو، ونحن ننتَظِرُه!
... قالوا: وقد قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام: 115] ، والتوراةُ مِن كَلِماتِه.
قالوا: والآثارُ التي في كتمانِ اليهودِ صِفةَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التوراةِ، ومَنْعِهم أولادَهُم وعوامَّهم من الاطلاعِ عليها: مشهورةٌ، ومن اطَّلع عليها منهم قالوا له: ليس به.
فهذا بعضُ ما احتجَّتْ به هذه الفِرقةُ.
وتوسَّطت طائفةٌ ثالثةٌ، وقالوا: قد زِيدَ فيها، وغُيِّرَ ألفاظٌ يسيرةٌ، ولكنَّ أكثَرَها باقٍ على ما أُنزل عليه، والتبديلُ في يسيرٍ منها جدًّا. وممن اختار هذا القولَ: شيخُنا في كِتابِه «الجوابُ الصَّحيحُ لِمن بَدَّل دينَ المسيحِ») [178] يُنظر: ((إغاثة اللفهان)) (2/1136). .

انظر أيضا: