الموسوعة العقدية

المطلبُ السابعُ: الدَّعوةُ إلى مكارمِ الأخلاقِ

الكُتُبُ الإلَهيَّةُ قد دعت كُلُّها إلى مكارمِ الأخلاقِ؛ كالعَفْوِ عن المسيءِ، والصَّبرِ على الأذى، والقَولِ الحَسَنِ، وبِرِّ الوالِدَينِ، والوَفاءِ بالعَهْدِ، وصِلةِ الرَّحِمِ، وإكرامِ الضَّيفِ، والتواضُعِ، والعَطفِ على المساكينِ، وغيرِ ذلك من مكارمِ الأخلاقِ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (الرُّسُلُ مُتَّفِقون في الدِّينِ الجامِعِ للأُصولِ الاعتقاديَّةِ والعَمَليَّةِ؛ فالاعتقاديةُ كالإيمانِ باللهِ وبرُسُلِه وباليومِ الآخِرِ، والعَمَلِيَّةُ كالأعمالِ العامَّةِ المذكورةِ في الأنعامِ والأعرافِ وسورةِ بني إسرائيلَ، كقَولِه تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلى آخِرِ الآياتِ الثَّلاثِ، وقَولِه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ إلى آخِرِ الوصايا، وقَولِه: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الأعراف: 29] ، وقَولِه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] . فهذه الأمورُ هي من الدِّينِ الذي اتَّفَقت عليه الشَّرائعُ كعامَّةِ ما في السُّوَرِ المكِّيَّةِ؛ فإنَّ السُّوَرَ المكِّيَّةَ تضَمَّنَت الأصولَ التي اتَّفَقت عليها رُسُلُ اللهِ؛ إذ كان الخِطابُ فيها يَتضَمَّنُ الدَّعوةَ لِمن لا يُقِرُّ بأصلِ الرِّسالةِ) [112] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (15/ 159). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (عن ابنِ عَبَّاسٍ أيضًا أنَّه قال: المحْكَماتُ في قَولِه تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام: 151] ، والآيتانِ بَعْدَها، وقَولِه تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] إلى ثلاثِ آياتٍ بَعْدَها. رواه ابنُ أبي حاتمٍ، وحكاه عن سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ... وقال ابنُ لَهِيعةَ، عن عَطاءِ بنِ دِينارٍ، عن سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ يقولُ: أصْلُ الكِتابِ، وإنَّما سمَّاهنَّ أمَّ الكِتابِ؛ لأنهنَّ مكتوباتٌ في جميعِ الكُتُبِ. وقال مُقاتِلُ بنُ حَيَّانَ: لأنَّه ليس من أهلِ دينٍ إلَّا يرضى بهِنَّ) [113] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/ 7). .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلَاقِ )) [114] أخرجه أحمد (8952) واللَّفظُ له، والحاكم (4221)، والبيهقي (21303). صَحَّحه الحاكمُ وقال: على شرط مسلمٍ. وابنُ عبدِ البرِّ في ((التمهيد)) (24/333) وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (7/152)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (2349)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8952). .
قال ابنُ باز: (كُلُّ رَسولٍ بَلَّغ أمَّتَه كُلَّ خَيرٍ يَعلَمُه لهم ونصَحَهم في ذلك وأرشَدَهم، كما أنَّه بلَّغَهم كُلَّ شَرٍّ يَعلَمُه لهم. هكذا كُلُّ رَسولٍ؛ لأنَّ الرُّسُلَ أنصَحُ النَّاسِ وأكثَرُهم وأكمَلُهم إيمانًا، فكُلُّ رَسولٍ بَلَّغ أمَّتَه ودعاها إلى كُلِّ خَيرٍ يَعلَمُه لها في دينِها ودُنياها ونهاها عن كُلِّ شَرٍّ يَعلَمُه لها في دينِها ودُنياها. كما ثبت عن رَسولِ الله مُحَمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّه قال: "ما بَعَث اللهُ من نبيٍّ إلَّا كان حَقًّا عليه أن يَدُلَّ أمَّتَه على خيرِ ما يَعلَمُه لهم ويُنذِرَهم شَرَّ ما يَعلَمُه لهم". خرَّجه الإمامُ مُسلِمٌ في صحيحِه  [115] أخرجه مسلم (1844) مُطَوَّلًا باختلافٍ يسيرٍ من حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. .
هكذا نبيُّنا مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلَّغ هذه الأُمَّةَ كُلَّ ما يَعلَمُه لهم من خيرٍ، وأنذَرَهم كُلَّ ما يَعلَمُه لهم من شَرٍّ، فدعاهم إلى مكارمِ الأخلاقِ ومحاسِنِ الأعمالِ، وأنذَرَهم سَيِّئَ الأخلاقِ وسَيِّئَ الأعمالِ، كالرُّسُلِ قَبْلَه عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ)  [116] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/ 87). .

انظر أيضا: