الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الثَّالِثُ: حُكمُ الاشتغالِ بالمَنطِقِ الأرُسطيِّ

قال ابنُ تَيميَّةَ: (ما زال عُلَماءُ المُسلمين وأئمَّةُ الدِّين يذمُّونه، ويذمُّون أهلَه، ويَنهَون عنه وعن أهلِه، حتى رأيتُ للمتأخِّرينَ فُتيا فيها خطوطُ جماعةٍ مِن أعيانِ زَمانِهم من أئمَّةِ الشَّافعيَّةِ والحَنَفيَّة وغيرِهم، فيها كلامٌ عَظيمٌ في تحريمِه، وعقوبةِ أهلِه) [188] يُنظر: ((نقض المنطق)) (266). .
وسُئِلَ ابنُ الصَّلاحِ عَمَّن اشتغل بالمنطِقِ والفَلسفةِ تعَلُّمًا وتعليمًا، وهل المنطِقُ ممَّا أباح الشَّارعُ تعَلُّمَه وتعليمَه؟ وهل نُقِلَ عن الصَّحابةِ والتَّابعينَ والأئِمَّةِ المجتَهِدينَ إباحتُه أو الاشتغالُ به؟ وهل يجوزُ أن يُستعمَلَ في إثباتِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ الاصطِلاحاتُ المنطقيَّة أم لا؟ فقال:
 (... أمَّا المنطِقُ فهو مدخَلُ الفلسفةِ، ومَدخَلُ الشَّرِّ شَرٌّ، وليس الاشتغالُ بتعليمِه وتعلُّمِه ممَّا أباحه الشَّارعُ، ولا استباحه أحدٌ من الصَّحابةِ والتَّابعينَ، والأئمَّةِ المجتهدين، والسَّلَفِ الصَّالحين، وسائِرِ من يُقتدى به من أعلامِ الأمَّةِ وسادتِها وقادتِها، قد برَّأ اللهُ الجميعَ من معرَّةِ ذلك وأدناسِه، وطَهَّرهم من أوضارِه.
وأمَّا استِعمالُ الاصطِلاحاتِ المَنطقيَّةِ في مباحِثِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ فمِن المنكَراتِ المستبشَعةِ، والرَّقاعاتِ المُستَحدَثةِ، وليس بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ -والحمد الله- افتقارٌ إلى المنطِقِ أصلًا، وما يَزعُمُه المنطقيُّ للمَنطِقِ منِ أمرِ الحَدِّ والبُرهانِ فقَعاقِعُ قد أغنى الله عنها بالطَّريقِ الأقومِ، والسَّبيلِ الأسلَمِ الأطهَرِ- كلَّ صحيحِ الذِّهنِ، لا سيَّما مَن خَدَم نظريَّاتِ العُلومِ الشَّرعيَّةِ، ولقد تمَّت الشَّريعةُ وعُلومُها، وخاض في بحارِ الحقائِقِ والدَّقائقِ عُلَماؤُها؛ حيث لا منطِقَ ولا فَلسَفةَ ولا فلاسِفةَ، ومَن زَعَم أنَّه يَشتَغِلُ مع نَفْسِه بالمنطِقِ والفلسفةِ لفائدةٍ يَزعُمُها، فقد خدَعَه الشَّيطانُ ومَكَرَ به) [189] يُنظر: ((فتاوى ابن الصلاح)) (1/209). .
وذَهَب بَعْضُ العُلَماءِ إلى جوازِ تَعَلُّمِ فِئةٍ مِنَ النَّاسِ المَنْطِقَ لبَيانِ عَوارِه، وإثباتِ فَسادِه، وعَديمِ فائدتِه، وذلك بشُروطٍ، قال الأخضَريُّ: (المُختارُ الصَّحيحُ جَوازُه لذَكِيِّ القَريحةِ، صَحيحِ الذِّهْنِ، سَليمِ الطَّبعِ، مُمارِسِ الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لئلَّا يَؤُولَ به إلى اتِّباعِ بَعْضِ الطُّرُقِ الوَهميَّةِ، فيُفسِدَ المُقَدِّماتِ والأَقْيِسَةَ النَّظَريَّةَ، فتَزِلَّ قَدَمُه في بَعْضِ الدَّرَكاتِ السُّفْلِيَّةِ، ومنه ضَلَّت المُعتَزِلةُ والقَدَريَّةُ وغَيْرُهم من الطَّوائِفِ البِدْعِيَّةِ، فخاضوا في ذلك حتى بدَّلوا وغَيَّروا في السُّنَّةِ الشَّرعيَّةِ، والمِلَّةِ المُحَمَّديةِ؛ فباؤُوا بضَلالةٍ جَلِيَّةٍ، وجَهالةٍ غَبيَّةٍ) [190] يُنظر: ((شرح الأخضري على السلم المنورق في علم المنطق)) (ص: 8). .

انظر أيضا: