الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثَّاني: الأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ على تَكليفِ الجِنِّ

1- عَن عامِرٍ قال: سَألْتُ عَلقَمةَ: هَل كانَ ابنُ مَسعودٍ شَهدَ مَعَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيلةَ الجِنِّ؟ قال: فقال عَلقَمةُ: أنا سَألتُ ابنَ مَسعودٍ، فقُلتُ: هَل شَهدَ أحَدٌ مِنكُم مَعَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيلةَ الجِنِّ؟ قال: لا، ولَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ لَيلةٍ، ففَقَدْناه، فالتمَسْناه في الأوديةِ والشِّعابِ، فقُلنا: استُطيرَ أوِ اغْتِيلَ! قال: فبِتْنا بشَرِّ لَيلةٍ باتَ بها قَومٌ، فلمَّا أصبَحْنا إذا هوَ جاءَ من قِبَلِ حِراءَ، فقُلْنا: يا رَسولَ اللَّهِ فقَدْناكَ فطَلَبناكَ فلَم نَجِدْك فبِتْنا بشَرِّ لَيلةٍ باتَ بها قَومٌ! فقال: ((أتاني داعي الجِنِّ، فذَهَبْتُ مَعَه، فقَرَأتُ عليهمُ القُرآنَ )) فانطَلَقَ بنا فأرانا آثارَهم وآثارَ نيرانِهم [4452] رواه مسلم (450). .
 قال ابنُ هُبَيرةَ: (في هَذا الحَديثِ دَليلٌ على أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بُعِثَ إلى الجِنِّ والإنسِ، وكَذا يَنبَغي أن يُعتَقَدَ، ويَنبَغي أن يَكونَ الإنسانُ مُعرَّضًا لإبلاغِ الجِنِّ إذا أمكَنَه) [4453] يُنظر: ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (2/ 106). .
2- عَن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فُضِّلْتُ على الأنبياءِ بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعبِ، وأُحِلَّت لي الغَنائِمُ، وجُعِلَت لي الأرضُ طُهورًا ومَسْجِدًا، وأُرسِلَت إلى الخَلقِ كافَّةً، وخُتِم بي النَّبيُّون )) [4454] رواه مسلم (523). ورواه البخاري (2977) مختصرًا بنحوه، ولفظُه: عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((بُعِثْتُ بجوامِعِ الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعبِ، فبينا أنا نائِمٌ أُتِيتُ بمفاتيحِ خزائِنِ الأرضِ فوُضِعَت في يدي)). .
قال السُّبكيُّ: (مَحَلُّ الِاستِدلالِ قَولُه: ((وأُرسِلْتُ إلى الخَلقِ كافَّةً)) فإنَّه يَشمَلُ الجِنَّ والإنسَ، وحَمْلُه على الإنسِ خاصَّةً تَخصيصٌ بغَيرِ دَليلٍ، فلا يَجوزُ) [4455] يُنظر: ((فتاوى السبكي)) (5/67). . ثُمَّ قال: (فهَذا الحَديثُ الَّذي ذَكَرناه عَن مُسْلِمٍ واستَدلَلْنا به أصرَحُ الأحاديثِ الصَّحيحةِ الدَّالَّةِ على شُمولِ الرِّسالةِ للجِنِّ والإنسِ) [4456] يُنظر: ((فتاوى السبكي)) (2/598). .
وقال السُّبكيُّ: (كونُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَبعوثًا إلى الإنسِ والجِنِّ كافَّةً، وأنَّ رِسالَتَه شامِلةٌ للثَّقَلَينِ، فلا أعلَمُ فيه خِلافًا، ونَقلَ جَماعةٌ الإجماعَ عليهِ) [4457] يُنظر: ((فتاوى السبكي)) (2/594). .

انظر أيضا: