الموسوعة العقدية

المَبحَثُ التاسِعُ: المَلائِكةُ السَّيَّاحون الذين يتَّبِعون مجالِسَ الذِّكرِ

عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ لله مَلائِكةً يطوفون في الطُّرُقِ يلتَمِسون أهلَ الذِّكْرِ، فإذا وجدوا قومًا يَذكُرون اللهَ تنادَوا: هَلُمُّوا إلى حاجتِكم، فيَحُفُّونهم بأجنِحَتِهم إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيسألُهم رَبُّهم وهو أعلَمُ منهم، ما يقولُ عبادي؟ قالوا: يقولون: يُسَبِّحونك ويُكَبِّرونك ويحمَدونَك ويمجِّدونك، فيقولُ: هل رأَوني؟ فيقولون: لا واللهِ ما رأَوك، فيقول: وكيف لو رأَوني؟! يقولون: لو رأوك كانوا أشَدَّ لك عبادةً، وأشَدَّ لك تمجيدًا وتحميدًا، وأكثَرَ لك تسبيحًا، يقولُ: فما يسألوني؟، قال: يسألونَك الجنَّةَ، يقول: وهل رأوها؟ يقولونَ: لا واللهِ يا رَبِّ ما رأَوها، يقول: فكيف لو أنهم رأَوها؟! يقولون: لو أنَّهم رأوها كانوا أشَدَّ عليها حِرصًا، وأشَدَّ لها طلَبًا، وأعظَمَ فيها رغبةً، قال: فمِمَّ يتعوَّذون؟ يقولون: من النَّارِ، يقولُ: وهل رأوها؟ يقولون: لا واللهِ يا رَبِّ ما رأوها، يقول: فكيف لو رأوها؟! يقولون: لو رأوها كانوا أشَدَّ منها فِرارًا، وأشَدَّ لها مخافةً، فيقولُ: فأُشهِدُكم أنِّي قد غفَرْتُ لهم، يقولُ مَلَكٌ من المَلائِكةِ: فيهم فلانٌ ليس منهم، إنما جاء لحاجةٍ! قال: هم الجُلَساءُ لا يشقى بهم جَليسُهم )) [3957] رواه البخاري (6408) واللَّفظُ له، ومسلم (2689). .
قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: معناه على جميعِ الرواياتِ أنَّهم مَلائِكةٌ زائِدون على الحَفَظةِ وغيرِهم من المرتَّبينَ مع الخلائِقِ، فهؤلاء السَّيَّارةُ لا وظيفةَ لهم، وإنما مقصودُهم حِلَقُ الذِّكرِ) [3958] يُنظر: ((شرح مسلم)) (17/ 14). .
وقال المُظْهِريُّ: (قَولُه: ((يلتَمِسون أهلَ الذِّكرِ))؛ يعني: يَطلُبون من يذكُرُ اللهَ مِن بني آدَمَ؛ ليَزورُوهم، ويَدْعُوا لهم، ويَستَمِعوا إلى ذِكْرِهم) [3959] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (3/ 140). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما اجتمع قومٌ في بيتٍ مِن بيوتِ اللهِ يَتْلونَ كتابَ اللهِ ويتدارسونه بينهم إلَّا نَزَلَتْ عليهم السَّكينةُ وغَشِيَتْهم الرَّحمةُ وحفَّتهم المَلائِكةُ وذكَرَهم اللهُ فيمن عنده )) [3960] رواه مسلم (2699). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: (قَولُه: ((إلَّا نزَلَت عليهم السَّكينةُ))... إمَّا السُّكونُ والوقارُ والخُشوعُ، وإمَّا المَلائِكةُ الذين يستمعون القرآنَ، سُمُّوا بذلك لِما هم عليه من السُّكونِ والخُشوعِ) [3961] يُنظر: ((المفهم)) (6/ 687). .
وقال ابنُ دقيق العيد: (معنى ((حَفَّتْهم المَلائِكةُ)) أي: حافَّتْهم، من قَولِه عَزَّ وجَلَّ: حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي: مُحْدِقين محيطين به مُطيفين بجوانبِه، فكأنَّ المَلائِكةَ قريبٌ منهم قُربًا حفَّتْهم حتى لم تَدَعْ فُرجةً تتَّسِعُ لشيطانٍ) [3962] يُنظر: ((شرح الأربعين النووية)) (ص: 121). .
وقال علي القاري: ( ((وحفَّتْهم المَلائِكةُ)) أي: مَلائِكةُ الرحمةِ والبَرَكةِ أحدَقوا وأحاطوا بهم، أو طافوا بهم وداروا حولهم إلى سماءِ الدُّنيا يَستَمِعون القُرآنَ ودراسَتَهم، ويحفظونَهم من الآفاتِ، ويزورونَهم ويصافِحونَهم ويُؤَمِّنون على دُعائِهم) [3963] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (1/ 287). .
وقال ابنُ عُثَيمين في فوائِدِ هذا الحديثِ: (تسخيرُ المَلائِكةِ لبني آدَمَ؛ لقَولِه: ((حَفَّتْهم المَلائِكةُ)) فإنَّ هذا الحَفَّ إكرامٌ لهؤلاء التَّالينَ لكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ) [3964] يُنظر: ((شرح الأربعين النووية)) (ص: 365). .

انظر أيضا: