الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثَّالِثُ والأربعون: الآثارُ الإيمانيَّةُ لاسْمِ اللهِ: الواسِعِ

اللهُ سُبحانَه وتعالى واسِعٌ في عِلْمِه، واسِعٌ في حِكمتِه؛ فلو كان ماءُ البَحرِ مِدادًا للقَلَمِ الذي يُكتَبُ به كَلِماتُ اللهِ وحِكْمَتُه، وآياتُه وعِلْمُه وشَرْعُه وقَدَرُه، لنَفِدَ ماءُ البَحرِ قبل أن ينفَدَ ما عند اللهِ من عِلمٍ وحِكمةٍ وآياتٍ، ولو أُمِدَّ البحرُ بمثلِ ما فيه، كما قال تعالى: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: 109] .
قال ابنُ جريرٍ: (اللهُ واسِعٌ بفَضْلِه، فيُنعِمُ به على من أحَبَّ، ويُريدُ به من يشاءُ، عليمٌ بمن هو أهلٌ لمُلْكِه الذي يُؤتيه، وفَضْلِه الذي يُعطيه، فيُعطيه ذلك لعِلْمِه به، وبأنَّه لِمَا أعطاه أهلٌ؛ إمَّا للإصلاحِ به، وإمَّا لأن ينتَفِعَ هو به) [3622] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (4/ 457). .
وقال الحليمي في معنى الواسِعِ: (معناه: الكثيرُ مَقدوراتُه ومعلوماتُه، والمنبَسِطُ فَضْلُه ورحمتُه، وهذا تنزيهٌ له من النَّقصِ والعِلَّةِ، واعترافٌ له بأنَّه لا يُعجِزُه شَيءٌ ولا يخفى عليه شيءٌ، ورحمتُه وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ) [3623] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/198). .
وقال القرطبي في معنى (الواسع): (أي: يُوَسِّعُ على عبادِه في دينهم، ولا يُكَلِّفُهم ما ليس في وُسْعِهم) [3624] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (2/ 84). .
ومِصداقُ ذلك من كتابِ اللهِ قَولُه سُبحانَه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185] . وقوله: لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 233] .
وعن أبي هُريْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الدِّينَ يُسرٌ، ولن يُشادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلَّا غَلَبَه... )) [3625] أخرجه البخاري (39). .
فكُلُّ ما كَلَّفَنا اللهُ سُبحانَه به من العباداتِ والشَّرائع هو ممَّا تطيقُه النُّفوسُ على وَجهِ العُمومِ، ثم خَفَّف الله عن المريضِ والمسافِرِ، والمسِنِّ والفقيرِ، والمرأةِ والصَّغيرِ، وغَيرِهم من أصحابِ الأعذارِ؛ كُلُّ ذلك تخفيفًا وتوسِعةً على عبادِه، ورفعًا للضِّيقِ والحَرَجِ عنهم.
وقال اللهُ تعالى في كتابِه العزيزِ عن الزَّوجَينِ: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [النساء: 130] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ: يُغْنِ اللهُ الزوجَ والمرأةَ المُطَلَّقةَ مِن سَعةِ فَضْلِه، أمَّا هذه فبزوجٍ هو أصلَحُ لها من المُطَلِّقِ الأوَّلِ، أو برزقٍ واسِعٍ وعِصمةٍ، وأمَّا هذا فبرزقٍ واسِعٍ وزَوجةٍ هي أصلَحُ له من المُطَلَّقةِ، أو عِفَّةٍ، وكان اللهُ واسعًا يعني: وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا لهما في رِزْقِه إيَّاهما وغيرَهما من خَلْقِه، حَكِيمًا فيما قضى بينه وبينها من الفُرقةِ والطَّلاقِ، وسائِرِ المعاني التي عرَفْناها من الحُكْمِ بينهما في هذه الآياتِ وغَيرِها، وفي ذلك من أحكامِه وتدبيرِه وقضاياه في خَلْقِه) [3626] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/ 577). .
واللهُ واسِعُ المغفرةِ، ومِن سَعةِ مَغفِرتِه أنَّه يغفِرُ لكُلِّ من تاب وأناب مهما بلغت ذنوبُه وخطاياه، كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53] .
وقال حمَلَةُ العَرشِ عن رَبِّهم تبارك وتعالى: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر: 7] [3627] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 131). .

انظر أيضا: