من أخبار الجبناء وأقوالهم وأشعارهم
- قال أبو الفرج الأصفهاني: (كان أبو حية النميري، وهو الهيثم بن الربيع بن زرارة جبانًا بخيلًا كذَّابًا، قال ابن قتيبة: وكان له سيف يسميه لعاب المنية، ليس بينه وبين الخشبة فرق، قال: وكان أجبن الناس، قال: فحدَّثني جار له، قال: دخل ليلة إلى بيته كلب فظنَّه لصًّا، فأشرفت عليه، وقد انتضى سيفه، وهو واقف في وسط الدار يقول: أيها المغترُّ بنا، المجترئ علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خيرٌ قليل، وسيفٌ صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسًا إليك لا تقم لها، وما قيس؟! تملأ والله الفضاء خيلًا ورجلًا، سبحان الله! ما أكثرها وأطيبها. فبينا هو كذلك، إذا الكلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبًا، وكفانا حربًا)
[4909] ((نهاية الأرب)) للنويري (3/320). وذكر النويري في كتابه
((نهاية الأرب)) نبذة من أخبارهم وأقوالهم وأشعارهم فقال:
- (لِيمَ بعض الجبناء على جبنه، فقال: أول الحرب شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى.
- وقال آخر: الحرب مقتلة للعباد، مذهبة للطارف والتلاد.
- وقيل لجبان: لم لا تقاتل ؟ فقال: عند النطاح يغلب الكبش الأجم.
- وقالوا: الحياة أفضل من الموت، والفرار في وقته ظفر.
- وقالوا: الشجاع ملقى، والجبان موقى.
- قال البديع الهمداني:
ما ذاق همًّا كالشجاع ولا خلا |
|
بمسرةٍ كالعاجز المتواني |
- وقالوا: الفرار في وقته، خير من الثبات في غير وقته.
- وقالوا: السلم أزكى للمال، وأبقى لأنفس الرجال.
- وقيل لأعرابي: ألا تعرف القتال ؟! فإنَّ الله قد أمرك به. فقال: والله إني لأبغض الموت على فراشي في عافية، فكيف أمضي إليه ركضًا، قال الشاعر:
تمشي المنايا إلى قومٍ فأبغضها |
|
فكيف أعدو إليها عاري الكفن) [4910] ((نهاية الأرب)) للنويري (3/321-322). |
- وقال الفرار السلمي:
وفوارس لبستها بفوارس |
|
حتى إذا التبست أملت بها يدي |
وتركتهم نقض الرماح ظهورهم |
|
من بين مقتول وآخر مسند |
هل ينفعنِّي أن تقول نساؤهم |
|
وقتلت دون رجالهم لا تبعد |
- وقال آخر:
قامت تشجعني هند فقلت لها |
|
إن الشَّجاعَة مقرون بها العطب |
لا والذي منع الأبصار رؤيته |
|
ما يشتهي الموت عندي من له أرب |
للحرب قوم أضلَّ الله سعيهم |
|
إذا دعتهم إلى نيرانها وثبوا |
- وقيل لجبان في بعض الوقائع: تقدم. فقال:
وقالوا: تقدم قلت لست بفاعل |
|
أخاف على فخارتي أن تحطما |
فلو كان لي رأسان أتلفت واحدًا |
|
ولكنه رأس إذا زال أعقما |
وأوتم أولادًا وأرمل نسوة |
|
فكيف على هذا ترون التقدما [4911] ((نهاية الأرب)) للنويري (3/324). |
- (وقيل لأعرابي: ألا تغزو العدوَّ؟ قال: وكيف يكونون لي عدوًّا، وما أعرفهم ولا يعرفوني؟!)
[4912] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/144). - وقال أبو دلامة: (كنت مع مروان أيام الضحاك الحروري، فخرج فارس منهم فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم ثان فقتله، ثم ثالث فقتله، فانقبض الناس عنه، وجعل يدنو ويهدر كالفحل المغتلم. فقال مروان: من يخرج إليه وله عشرة آلاف؟ قال: فلما سمعت عشرة آلاف هانت عليَّ الدنيا، وسخوت بنفسي في سبيل عشرة آلاف، وبرزت إليه، فإذا عليه فرو قد أصابه المطر فارمعلَّ
[4913] ارْمَعَلَّ الأديم: ترطَّبَ شديدًا. ((تاج العروس)) للزبيدي (29/107). ، ثم أصابته الشمس فاقفعلَّ
[4914] المقفعل: اليابس، واقفعلت يده: تشنجت وتقبضت. انظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (30/271). ، وله عينان تتقدان كأنهما جمرتان. فلما رآني فهم الذي أخرجني، فأقبل نحوي وهو يرتجز ويقول:
وخارج أخرجه حبُّ الطمع |
فرَّ من الموت وفي الموت وقع |
من كان ينوي أهله فلا رجع |
فلما رأيته قنَّعت رأسي، وولَّيت هاربًا، ومروان يقول: من هذا الفاضح؟ لا يفتكم، فدخلت في غمار الناس)
[4915] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/143). - (وحُكي أنَّ عمرو بن معد يكرب مرَّ بحيٍّ من أحياء العرب، وإذا هو بفرس مشدود، ورمح مركوز، وإذا صاحبها في وهدة
[4916] الوهدة: الهوة تكون في الأرض... والوهدة: النقرة المنتقرة في الأرض، أشد دخولا في الأرض من الغائط، وليس لها حرف، وعرضها رمحان وثلاثة، لا تنبت شيئا. ((تاج العروس)) للزبيدي (9/331). من الأرض يقضي حاجته، فقال له عمرو: خذ حذرك؛ فإني قاتلك لا محالة. فالتفت إليه، وقال له: من أنت؟ قال: أبو ثور عمرو بن معد يكرب. قال: أنا أبو الحارث، ولكن ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك، وأنا في وهدة، فأعطني عهدك أن لا تقتلني حتى أركب فرسي، وآخذ حذري، فأعطاه عهدًا على ذلك، فخرج من الوهدة التي كان فيها، وجلس محتبيًا بحمائل سيفه، فقال له عمرو ما هذا الجلوس؟! قال: ما أنا براكب فرسي، ولا مقاتلك، فإن كنت نكثت العهد؛ فأنت أعلم ما يلقى الناكث، فتركه ومضى، وقال: هذا أجبن من رأيت)
[4917] ((غرر الخصائص الواضحة)) لأبي إسحاق الوطواط (ص 457). - ومن الفرارين: (أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فرَّ يوم مرداء هجر من أبي فديك، فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام، فجلس يومًا بالبصرة، فقال: سرت على فرسي المهرجان من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام. فقال له بعض جلسائه: أصلح الله الأمير، فلو ركبت النيروز لسرت إليها في يوم واحد. فلما دخل عليه أهل البصرة؛ لم يروا كيف يكلمونه، ولا ما يلقونه من القول، أيهنئونه أم يعزونه، حتى دخل عليه عبد الله بن الأهتم، فاستشرف الناس له، وقالوا: ما عسى أن يقال للمنهزم؟ فسلَّم ثم قال: مرحبًا بالصابر المخذول، الذي خذله قومه، الحمد لله الذي نظر لنا عليك، ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك، ولكن علم الله تعالى حاجة أهل الإسلام إليك؛ فأبقاك لهم بخذلان من معك لك. فقال أمية بن عبد الله: ما وجدت أحدًا أخبرني عن نفسي غيرك)
[4918] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/142).