موسوعة التفسير

سُورَةُ البَقَرَةِ
الآيات (21-25)

ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ

غريب الكلمات:

أَنْدَادًا: أي: شركاء أمثالًا، ونظراءَ، واحدهم نِد [273] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 43)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 46)، ((المفردات)) للراغب (ص: 796)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 15)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 58). ، والندُّ هو النظير المُناوِئ [274] يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (3/420)، ((تاج العروس)) للزبيدي (9/216). .
وَقُودُهَا: أي: حَطَبُها المجعول للوقود، اسم لِمَا يُوقد، وأصل (وقد): اشتعال النار [275] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 43)، ((المفردات)) للراغب (ص: 879). .

المعنى الإجمالي:

أمَر الله تعالى جميعَ النَّاس بعبادته؛ لأنَّه هو الذي أوجدهم من العَدم، لعلَّهم بعبادتهم هذه يصِلُون للتقوى؛ فهو سبحانه الذي جعَل لكم الأرضَ ممهَّدة كالفراش، موطأة مثبَّتة يستقرُّ عليها الإنسان، وجعَل السماءَ سقفًا، وهو سبحانه أنزل من السَّحاب مطرًا، فأنبت للناس أنواعًا من الثِّمار رزقًا لهم.
ثمَّ نهاهم عن الشِّرك، فقال: ولا تتَّخذوا- أيُّها الناسُ- لله سبحانه نظراءَ بزعمكم، تساوونهم معه في العبادة، وأنتم تعلمون أنَّه إلهٌ واحد، لا نِدَّ له، ولا شريكَ.
ثمَّ تحوَّل الخِطابُ إلى الكفَّار والمنافقين، فقيل لهم: إذا كنتم- أيُّها الكفار والمنافقون- في شكٍّ من كون القرآن مُنزَّلًا من عند الله سبحانه على محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فأتُوا من عندكم بسورة من مِثل هذا القرآن، واستعينوا على ذلك بمَن تقدِرون عليه من أعوانكم وشُهدائكم، إنْ كنتم صادقين في زعْمِكم أنَّ القرآنَ كلامٌ مُختلَق.
فإنْ لم تأتوا بما تُحدِّيتم به، ولن تأتوا به أبدًا، فجنِّبوا أنفسكم النارَ التي وقودها الناسُ والحجارة، واتقوها بفِعل ما أُمرتم به، واجتنابِ ما نُهيتم عنه.
وأخْبِرْ يا نبيَّ الله، مَن جمعوا بين التصديقِ والإقرار والانقياد لما جئتَ به، والعملِ الصالح- أخبِرْهم بما يسرُّهم، وهو أنَّ لهم جزاءً أُخرويًّا هو جنَّات، تَجري الأنهارُ من تحت أشجارها وغُرفها، كلَّما أُعطوا ثمرةً من ثمارها، ظنوها نفْسَ الثمرة التي أُعطوها قبلُ في الدنيا أو في وقتٍ سابقٍ في الجنة، وإنَّما هو متشابه فقط في اللَّون والمنظر، لكن الطَّعم مختلف، ولهم أيضًا في تلك الجنان زوجاتٌ مطهَّرات، طهارة حسيَّة ومعنويَّة، وهم فيها باقون على الدَّوام.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21).
أي: اعبُدوا اللهَ تعالى- أيُّها الناس-؛ لأنَّه هو الذي أوجدكم أنتم ومن قبلكم من العدم؛ وذلك من أجل أن تصلوا إلى مرتبة التقوى [276] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/384-386)، ((تفسير ابن كثير)) (1/194)، ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/72-73). .
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22).
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً.
أي: اعبُدوا ربَّكم أيضًا؛ لأنه هو الذي جعَل لكم الأرض ممهَّدةً كالفِراش، موطأةً مثبَّتةً يستقرُّ عليها الإنسان، وجعَل لكم السماء سقفًا [277] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/387-390)، ((تفسير القرطبي)) (1/229)، ((تفسير ابن كثير)) (1/194). .
قال سبحانه: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 32] .
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ.
أي: وهو كذلك أَنزل من السَّحاب مطرًا؛ فأنبت للناس بسببه أنواعًا متعدِّدةً من الثِّمار؛ رزقًا لهم [278] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/390)، ((تفسير ابن كثير)) (1/194)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/75-76). .
فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
أي: لا تتَّخذوا له أمثالًا ونظراءَ بزعمكم، وهو الذي خلَقَكم ورزقكم؛ فهو المستحقُّ لأنْ تُخلصوا له العبادة وحده لا شريكَ له، وأنتم تعلمون أنَّه إلهٌ واحدٌ، لا ندَّ له ولا شريكَ له في الخَلْق والرَّزْق وغير ذلك؛ فليس كمثله شيءٌ سبحانه وتعالى [279] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/390-395)، ((تفسير الراغب الأصفهاني)) (1/114)، ((تفسير السعدي)) (ص: 45). .
كما جاء عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، أنه قال: سألتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((أيُّ الذنبِ أعظمُ عندَ اللهِ؟ قال: أنْ تجعل للهِ نِدًّا وهو خلقَك ...)) الحديث [280] رواه البخاري (4477)، ومسلم (86). .
وهذِه الآية قريبةٌ من قوله تعالى: اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [غافر: 64] [281] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/194). .
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23).
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ.
أي: إذا كنتم- أيُّها الكفَّار والمنافقون- في شكٍّ من نزول القرآن من عند الله سبحانه على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فأتُوا من عندكم بسورةٍ مِثل القرآن، يَتحدَّاهم الله تعالى بذلك [282] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/395-398)، ((النبوات)) لابن تَيميَّة (2/861)، ((تفسير ابن كثير)) (1/198-203). .
وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.
أي: استعينوا على الإتيان بسورةٍ من مثل القرآن، بمن شئتم من غير الله عزَّ وجلَّ، من كل من يشهد لكم فيوافقكم على عدم الإقرار بنزول هذا القرآن من عند الله تعالى، وذلك كأعوانكم وشركائكم، إن كنتم محقِّين في دعواكم أنَّ القرآن كلامٌ مختلَق تقوَّله بشر [283] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/401)، ((النبوات)) لابن تَيميَّة (2/860-863)، ((تفسير ابن كثير)) (1/198). .
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24).
أي: فإنْ لم تأتوا بسورةٍ من مِثل القرآن، ولن تأتوا بها أبدًا، فاجعلوا بينكم وبين عذاب النار وقايةً بفِعل أوامره سبحانه، واجتناب نواهيه؛ لتنقذوا أنفسكم من النَّارِ التي يُلقَى فيها العصاةُ من الناس، والحجارةُ؛ لإيقادِها وإضرامِها، وقد جُهِّزت وهُيِّئت مسبقًا لكلِّ مَن كفر فترك التصديقَ بالحقِّ والإقرار به والانقياد إليه [284] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/402-405)، ((تفسير ابن كثير)) (1/199-202)، ((تفسير السعدي)) (ص: 46). .
وَالْحِجَارَةُ.
قيل: هي حجارةُ الكِبريت، وهي أشدُّ الأحجار حَرًّا إذا حَمِيتْ، وقيل المراد بها: الأصنام [285] وهذا اختيار ابن جرير في ((تفسيره)) (1/403)، وابن كثير في ((تفسيره)) (1/201-202). قال ابن رجب: (وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة الكبريت توقد بها النار. ويقال: إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها من الحجارة: سرعة الإيقاد، ونتن الرائحة، وكثرة الدخان، وشدة الالتصاق بالأبدان، وقوة حرها إذا أحميت) ((التخويف من النار)) من ((مجموع رسائل ابن رجب)) (4/235). وممَّن قال من السلف بأنَّ المقصودَ بالحجارة، حِجارةُ الكِبريت: ابن عبَّاس، وابن مسعود، وغيرُهما من أصحاب رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وابنُ جُرَيج، والسُّدِّي، وأبو جعفر محمَّد بن علي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/403)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/65). قال الشنقيطي: (هذه الحجارة قال كثيرٌ من العلماء: إنها حجارة من كبريت. وقال بعضهم: إنها الأصنام التي كانوا يعبدونها. وهذا القول يبينه ويشهد له قوله تعالى: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) ((أضواء البيان)) (1/18). ويُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/84-85). وممَّن قال من السلف بأن المقصود بالحجارة حجارة الأصنام: الربيع بن أنس. يُنظر: ((زاد المسير)) لابن الجوزي (1/45). .
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
لما ذكر الله تعالى ما أعدَّه لأعدائه الكافرين به وبرسله من العذاب، عطف بذكر حال أوليائه المؤمنين به وبرسله، والذين صدَّقوا إيمانَهم بأعمالهم الصالحة [286] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/203). ، فقال تعالى:
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.
أي: أخْبِر يا أيُّها الرَّسولُ، الذين آمَنوا بالله عزَّ وجلَّ، وآمَنوا بك، وبما جِئتَ به من عند الله تعالى، وصدَّقوا إقرارَهم ذلك بأعمالهم الصالحة- أخْبِرْهم خبرًا يسرُّهم، بأنَّ لهم في الآخرة بساتين، تجري الأنهارُ من تحت أشجارها وغُروسِها وغُرَفها [287] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/405-406)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/103-104)، ((تفسير ابن عطية)) (1/108)، ((تفسير ابن كثير)) (1/203-204)، ((تفسير السعدي)) (ص: 46)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/91). .
كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا.
أي: كلَّما أُعطوا أيَّ ثمرةٍ من أشجار الجَنَّة، ظنُّوا أنَّها نفس الثَّمرة التي أُعطوها سابقًا في الدنيا؛ لمشابهتها إيَّاها في المنظر، أو أنها التي أُعطوها في وقتٍ سابقٍ في الجنة، وإنَّما أُعطُوا الذي رُزِقوا من ثمارِ الجنَّةِ متشابهًا في اللَّون والمنظَر، لكنَّ الطعم مختلفٌ [288] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/407، 412، 417)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/104)، ((تفسير القرطبي)) (1/240)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/91). وممن قال من السلف أن معنى من قبل أي التي أعطوها في الدنيا: ابن عباس، وابن مسعود، وقتادة، ومجاهد، وعلي بن زيد، والسدي، وابن زيد. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/408)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/66). وممن قال من السلف أن المقصود ما أُعطوه في وقت سابق في الجنة: يحيى بن أبي كثير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/410). .
وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ.
أي: إنَّ الذين آمنوا وعمِلوا الصالحات، لهم في الجنَّاتِ زوجاتٌ مطهَّرات من كلِّ أذًى ومكروه ورِيبة، طهارةً حِسيَّةً ومعنويَّة [289] نقل الماورديُّ الإجماعَ على نحو ذلك. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (1/87). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/419). (الوجيز)) للواحدي (ص: 96) ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 149، 217)، ((تفسير السعدي)) (ص: 46، 47)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/92). .
وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
أي: إنَّ الذين آمَنوا وعمِلوا الصَّالحات، باقونَ في الجنَّات على الدَّوام، آمِنون من الموت، وانقطاع النَّعيم [290] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/422)، ((تفسير ابن كثير)) (1/206). .

الفَوائِد التربويَّة:

1- أوَّل نِداءٍ في المصحَف يوجَّه إلى الناس جميعًا، جاء للأمر بعبادة الله عزَّ وجلَّ وحدَه؛ لأنَّه متَّصفٌ بصفة الخَلْق، فاللهُ هو المستحقُّ لأن يُعبدَ وحدَه؛ لأنَّه هو الخالقُ، الذي أبرَزهم مِن العدمِ إلى الوجودِ، قال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وقال: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [291] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/239) (8/72). .
2- أنَّ التقوى مرتبةٌ عالية لا ينالها، إلَّا مَن أخلص العبادة لله عزَّ وجلَّ؛ لقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [292] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/74). .
3- في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، استحبابُ بشارة المؤمنين، وتنشيطهم على الأعمال بذِكر جَزائها وثمراتها [293] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 47)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/93). .
4- استحضار جلالة المبشِّر ومنزِلته، وصِدقه، وعَظمة مَن أرسله بهذه البشارة، وقدْر ما بشَّر به، وضَمِنه للعِباد على أسهل شيء عليهم وأيسره، وقدْ جمَع سبحانه في هذه البِشارة بين نعيم البَدن بالجنَّات، وما فيها من الأنهار والثِّمار، ونعيم النَّفس بالأزواج المطهَّرة، ونعيم القلب وقُرَّة العين بمعرفة دوامِ هذا العَيش أبدَ الآباد، وعدَم انقطاعه، فقال سبحانه: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [294] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 217). .

الفوائد العلميَّة واللَّطائف:

1- أنَّ الإقرارَ بتوحيد الربوبيَّة مستلزمٌ للإقرار بتوحيد الألوهيَّة؛ لقوله تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُم ... [295] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/73). .
2- أنَّ من طريق القرآن أنَّه إذا ذَكر الحُكم ذَكر العِلَّة غالبًا؛ فالحكم: اعْبُدُوا رَبَّكُمْ؛ والعلَّة كونه ربًّا خالقًا لنا ولِمَن قَبلنا؛  الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [296] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/74). .
3- أنَّ الله عزَّ وجلَّ منعمٌ على الإنسان كافرًا كان، أو مؤمنًا؛ لقولِه تعالى: لَكُمْ [297] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/79). .
4- أنَّه ينبغي لِمَن خاطب أحدًا أن يُبيِّن له ما تقوم به عليه الحُجَّة؛ لقوله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [298] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة))  (1/80). .
5- أنَّ القرآن معجِزٌ كلُّه حتى السُّورة الواحِدة منه، ولو كانتْ قصيرةً؛ لقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [299] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/83). .
6- أنَّ النار مخلوقةٌ الآن؛ لقوله تعالى: أُعِدَّتْ [300] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/85). .
7- أنَّ الجناتِ أنواعٌ؛ لقوله تعالى: جَنَّات [301] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/94). .
8- لَمَّا كانت مجامعُ اللَّذَّات في المسكَن البَهيِّ، والمطعَم الشَّهيِّ، والمنكَح الوضِيِّ، ذكَرها الله تعالى فيما يُبشَّر به المؤمنون، فوصَف المسكنَ بقوله: جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، والمطعَمَ بقوله: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ، والمنكَحَ بقوله: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ، وقد بدأ بالمسكَن؛ لأنَّ به الاستقرارَ في دار المقام، وثنَّى بالمطعَم؛ لأنَّ به قوامَ الأجسام، ثم ذكَر ثالثًا الأزواج؛ لأنَّ بها تمامَ الالتئام [302] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (2/356)، ((تفسير أبي حيان)) (1/188). .
9- أنَّ جزاءَ المؤمنين العاملين للصالحات أكبرُ بكثير ممَّا عملوا، وأعظم؛ لأنَّهم مهما آمنوا وعملوا، فالعُمُر محدود، ويَنتهي، لكن الجزاء لا يَنتهي أبدًا [303] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/93). .
10- في قوله تعالى: وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أنَّ الجنةَ لا تَفنَى، ولا يفنى مَن فيها  فأهل الجنَّة خالدون فيها أبدَ الآباد، وقد أجمَع على ذلك أهلُ السُّنَّة والجَماعة [304] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/95). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ
- فيه التفات، حيث انتقَل من الإخبار عنهم إلى خِطاب النِّداء، وتنويع الخِطاب فيه هزٌّ وتنشيط للسَّامع، واستفتاح آذانه للاستماع، وتأهيل نفْسه للقَبول. وفي الانتقال هنا من الغَيبة إلى الخِطاب حصولُ شرفِ المخاطبة والمكالمة، مع التنبيه على الأدلَّة، وإشعارٌ بأنَّ العبد إذا كان مشتغلًا بالعبوديَّة، فإنَّه يستمر في الترقِّي. وفيه: اهتمامٌ بأمر العبادة، وتفخيم لشأنها [305] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/88)، ((تفسير الرازي)) (2/319-320)، ((تفسير البيضاوي)) (1/54)، ((تفسير أبي حيان)) (1/152). .
2- قوله: اعْبُدوا رَبَّكُمُ ذكر الرب هنا مع إضافته إِلى المخاطبين؛ للتفخيم والتعظيم، لتأكيد موجِب الأمرِ بالإشعار بعليَّتها للعبادة فناسب المقام؛ لأنَّ الربَّ الذي يتصف بصفات الربوبيَّة هو وحده المستحق للعبادة [306] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (1/59). .
3- قوله: وأنتم تَعلمُون مفعول (تعلمون) متروك، أي: وأنتم من أهل العِلم والمعرفة، وهو آكَدُ في التوبيخ، ويجوز تقدير مفعول، حُذِف لفَهمِه من السِّياق، فيكون فيه إيجاز [307] الإيجاز: هو الاختصار والجمْع للمعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، وأداء المقصود من الكلام بأقلِّ من عبارات متعارَف الأوساط. ويكون الإيجاز محمودًا إذا لم يخلَّ بالمقصود. قيل: الإيجاز حذف الفُضول، وتقريب البعيد. وقيل عن البلاغة كلها: هي إصابة المعنى وحسن الإيجاز. والحذف: لغة هو الإسقاط. والإيجاز بالحذف: هو حذف ما يُعلم ويُفهم من سياق الكلام بشرط وجود مقدر يدلُّ عليه. فقد يكون الإيجاز بالحذف وغيره. والفرق بين الحذف والإيجاز: أن يكون في الحذفِ مقدَّرٌ، بخِلاف الإيجاز؛ فإنَّه عبارةٌ عن اللَّفظ القليل الجامع للمعاني الجمَّة بنفسه. يُنظر: ((البيان والتبيين)) للجاحظ (1/99)، ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (1/242)، ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 277)، ((البرهان)) للزركشي (3/102). بالحذف [308] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/96). .
4- قوله: فَأْتُوا بِسُورَةٍ صِيغتُه أمْر، والمقصود معنى التعجيز [309] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (1/109)، ((تفسير أبي حيان)) (1/172)،  ((تفسير أبي السعود)) (1/64). .
- وتنكيرُ (سورة) لإرادة العموم والشُّمول، والإفراد أو النوعية، أي بسورة واحدة من نوع السور، وذلك صادق بأقل سورة تُرجمت باسم يخصها [310] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (1/337). .
5- قوله: فَاتَّقُوا النَّارَ فيه إيجاز بديع! بذِكر الكناية عن الأمْر بترْك المعاندة؛ لأنَّ اتِّقاء النار يعني ترْكَ العناد، فأفادتْ مع الإيجاز البديع، تهويلَ شأن العِناد بإنابة اتِّقاء النار منابَه، وإبرازه في صورته، مضيفًا إلى ذلك تهويل صفة النار وتفظيع أمرها [311] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/102). .