موسوعة الفرق

المَبحَثُ السَّادسُ: مِن الفِرَقِ الاعتِزاليَّةِ: فِرقةُ المَعمَريَّةِ


وهُم أتباعُ مَعمَرِ بنِ عبَّادٍ السُّلَميِّ، كان رأسًا مِن رُؤوسِ الضَّلالِ، ومِن أعظَمِ القَدَريَّةِ فِريةً في القَولِ بنَفيِ الصِّفاتِ، ونَفيِ القَدَرِ خيرِه وشرِّه عن اللهِ تعالى، والتَّكفيرِ والتَّضليلِ على ذلك، وهو مِن طَبقةِ أبي الهُذَيلِ، تُوفِّي سنةَ 220ه [278] يُنظر: ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/65)، ((المواعظ والاعتبار)) للمَقْريزي (4/ 173). .
وانفرَد عن أصحابِه بمسائِلَ؛ منها:
الأولى: قولُه: إنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى لم يخلُقْ شيئًا مِن الأعراضِ، وإنَّما خلَق الأجسامَ فقط، والأعراضُ مِن خَلقِ الأجسامِ، إمَّا طِباعًا كالنَّارِ التي تُحدِثُ الإحراقَ، والشَّمسِ التي تُحدِثُ الحرارةَ، وإمَّا اختِيارًا، كالحيوانِ الذي يُحدِثُ الحركةَ والسُّكونَ، وقولُه هذا يُخالِفُ قولَه سُبحانَه وتعالى: قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد: 16] [279] يُنظر: ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/65). .
الثَّانيةُ: إنكارُه أن يُقالَ: إنَّ اللهَ تعالى قديمٌ؛ لأنَّه يُشعِرُ بالتَّقادُمِ الزَّمنيِّ، ووُجودُ الباري ليس بزمانيٍّ [280] يُنظر: ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/66). .
قال الجُرجانيُّ: (قالوا: لا يُوصَفُ اللهُ تعالى بالقِدَمِ؛ لأنَّه يدُلُّ على التَّقدُّمِ الزَّمانيِّ، واللهُ سُبحانَه وتعالى ليس بزَمانيٍّ ولا يعلَمُ نَفسَه، وإلَّا اتَّحَد العالِمُ والمعلومُ، وهو مُمتنِعٌ) [281] ((التعريفات)) (ص: 222). .
الثَّالثةُ: قولُه: ليس الإنسانُ الصُّورةَ التي شاهَدْناها، وإنَّما هو شيءٌ في هذه الصُّورةِ عالِمٌ قادِرٌ، مُختارٌ يُدبِّرُ التَّدبيرَ، لا مُتحرِّكٌ ولا ساكِنٌ، ولا مُتلوِّنٌ ولا مَرئيٌّ، ولا مُدرَكٌ بالذَّوقِ والشَّمِّ ولا بشيءٍ مِن الحواسِّ، وإنَّه ليس في مكانٍ دونَ مكانٍ.
ولا يذكُرُ هذا إلَّا مَن يصِفُ الإنسانَ بصِفاتِ خالِقِه، ومَن لا يُطلِقُ عليه ما لا يُطلِقُه على خالِقِه [282] يُنظر: ((التبصير في الدين)) للإسْفِرايِيني (ص: 74). .
قال الإسْفِرايِينيُّ: (يلزَمُ على هذا القولِ ألَّا يكونَ في الدُّنيا مَن رأى إنسانًا قطُّ، وهذا يوجِبُ أن يُقالَ: إنَّ الصَّحابةَ لم يَرَوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّ أحدًا لم يَرَ نَفسَه، ولا أباه ولا أمَّه، ولا رآه غَيرُه، ومَن كان هذه مقالتُه لم يكنْ معدودًا في جملةِ العُقَلاءِ، وأعجَبُ مِن ذَهابِه إلى هذه المذاهَبِ الفاحِشةِ افتِخارُ الكَعبيِّ به في كتابِه، وإثباتُه إيَّاه في مشايخِ المُعتَزِلةِ، ومِثلُه لا يفتخِرُ به إلَّا مِثلُه، وكُلُّ طيرٍ يقعُ معَ شَكلِه، وقد وهبْناه له ولأمثالِه) [283] ((التبصير في الدين)) (ص: 74). .
الرَّابعةُ: قولُه في المُعجِزاتِ: إنَّها ليس شيءٌ منها مِن فِعلِ اللهِ؛ لأنَّها أعراضٌ، واللهُ سُبحانَه على رأيِه لا يخلُقُ الأعراضَ، وإنَّما تخلُقُها الأجسامُ، فليست المُعجِزاتُ فِعلًا للهِ عندَه تعالى، وأنَّ اللهَ ما نصَبَ دَلالةً على صحَّةِ نُبوَّةِ أحدٍ مِن أنبيائِه [284] يُنظر: ((أصول الدين)) (ص: 177). .
ويرى البغداديُّ أنَّ غَرَضَ مَعمَرٍ بهذا إبطالُ الشَّريعةِ وأحكامِها [285] يُنظر: ((أصول الدين)) (ص: 177)، ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 133). .

انظر أيضا: