موسوعة الفرق

الفَرعُ الثَّاني: اليَزيديُّونَ والطَّاووسُ


ذَكَرَ اليَزيديُّ إسماعيل بك في كِتابِه (اليَزيديَّةُ قديمًا وحَديثًا) أنَّ طاووسَ مَلَك أذعَنَ إلى أمرِ اللهِ في أن يَبقى في الجَنَّةِ ويَسمَعَ أوامِرَه. وسَلَّمَه اللهُ كُلَّ شَيءٍ وجَعَله في نِصفِ الفِردَوسِ بمَحَلٍّ يُقالُ له عَينُ الفَلَكِ، وداخِلَ قُدرةٍ إلهيَّةٍ اسمُها اللَّوحُ المَحفوظُ، وألزَمَ طاووس مَلَك أن يَأخُذَ التَّعليماتِ كُلَّ يَومٍ من ذلك اللَّوحِ، وفي يَومٍ ما فتَحَ طاووس مَلَك اللَّوحَ المَحفوظَ، ورَأى فيه أمرَ اللهِ إليه أن يَكيلَ -أي: يَزِنَ- جَميعَ البحارِ بحَفَناتِ يَدِه. فتَعجَّب طاووس مَلَك؛ لأنَّ هذا ليس بالأمرِ السَّهلِ، ولكِنَّ اللهَ خاطَبَه بأن يَذهَبَ لأنَّ كُلَّ ألفِ سَنةٍ هي دَقيقةٌ بأمري، وفِعلًا ذَهَبَ طاووس مَلَك، وعَمِل بما أمَرَه اللهُ به، ثمَّ قال له اللهُ بَعدَ أن قامَ بعَمَلِه خَيرَ قيامٍ: (المُلكُ مُلكُك، وأنتَ القديرُ وأنتَ القَهَّارُ، وعَظمَتُك ليس لها حَدٌّ ولا قَرارٌ)! وفي اليَومِ الثَّاني كَشَف إلى طاووس مَلَك في اللَّوحِ المَحفوظِ نَفسَه أن يَذهَبَ ليَكيلَ الأرضَ كما كال البِحارَ مُستَعمِلًا شَبْرَ يَدِه. فذَهَبَ طاووس مَلَك فورًا وعَمِلَ بأمرِ رَبِّه فخاطَبَه اللهُ: (المالُ مالُك، وأنتَ الخالقُ وأنتَ العَظيمُ، وليس لقُدرَتِك مُعارِضٌ أو مُعاكِسٌ)! وظَهَرَ لطاووس مَلَك يَومَ الثُّلاثاءِ أمرٌ آخَرُ عليه أن يَذهَبَ بموجِبِه إلى خَزائِنِ الأرواحِ المُجاوِرةِ للأرضِ والفِردَوسِ، وقال له: نُريدُ الآنَ أن نَخلُقَ عَجائِبَ الإنسانِ، وقد أجَزتُك أن تَذهَبَ وتَصيحَ بالأرواحِ، وفِعلًا سارَت وراءَه المَلايينُ منها كُلُّ رُوحٍ بقَدرِ حَجمِ بَذرةِ التُّوتِ أوِ السِّمسِمِ، ولمَّا صاحَ بها طاووس مَلَك أقبلَت إليه أرواحُ كُلِّ اليَزيديَّةِ الذينَ سيُصبِحونَ بَشَرًا في العالمِ، فصارَ هؤلاء مِلَّتَه وقَومَه الخاصِّينَ المُفضَّلينَ. ولكِنَّ باقيَ الأرواحِ تَوسَّلت إليه بأن لا يَترُكَها لوَحدِها دونَ مُرشِدٍ وهادٍ، فأوعَدَهم بأن يُرسِلَ لكُلٍّ منهم نَبيًّا أو رَسولًا يَدُلُّهم على الطَّريقِ السَّويِّ.
وفتحَ طاووس مَلَك اللَّوحَ المَحفوظَ في يَومِ الأربعاءِ، فوَجَدَ به أمرَ اللهِ إليه أن يَصنَعَ آدَمَ من نارٍ وهَواءٍ وتُرابٍ وماءٍ، فعَمِل بأمرِه فكان آدَمُ. أمَّا في يَومِ الخَميسِ فأمَرَه اللهُ بموجِبِ ما دَوَّنَه باللَّوحِ المَحفوظِ أن يَنفُخَ بأذُنِ آدَمَ في الزرنانيةِ (النَّاي الذي يَستَعمِلُه اليزيديُّون) ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ولمَّا نَفخَ طاووس مَلك بأذُنِ آدَمَ وقَف على قدَمَيه. أمَّا يَومُ الجُمعةِ فكان اليَومَ الذي أمَرَ اللهُ به طاووس مَلَك أن يُدخِلَ آدَمَ الجَنَّةَ ويُبقيَه فيها أربَعينَ سَنةً، وكان طاووس مَلَك بيرًا (أي شَيخًا) على آدَمَ طيلةَ بَقائِه في الجَنَّةِ، وفي هذا الوقتِ خُلِق حَوَّاءُ من تَحتِ آدَمَ الأيسَرِ. وبَعدَ مُدَّةٍ رَأى طاووس مَلَك في اللَّوحِ المَحفوظِ أمرَه تعالى بأن يَعمَلَ على إخراجِ آدَمَ منَ الجَنَّةِ؛ لأنَّه قد أكمَل مُدَّتَه، ويَجِبُ عليه أن يَخرُجَ منها إلى الأرضِ كيما يَخرُجَ البَشَرُ منه. وقَبل أن يَخرُجَ منها كان قد أطعَمَه من شَجَرةِ الحِنطةِ وانتَفخَت منها بَطنُه، وكان آدَمُ وحَوَّاءُ بلا مَخرَجٍ، فأُرسِل لهما طَيرٌ يُسَمَّى القلاج، نَقرَهما وصارَ لهما مَخرَجٌ. ورَأى طاووس مَلَك يَومَ السَّبتِ نَصيحةَ اللَّهِ إليه بأن يَذهَبَ لتَوِّه، ويُعَلِّمَ آدَمَ المِهَنَ البَشَريَّةَ، وكذلك حَوَّاءُ. فذَهَبَ طاووس مَلَك وأيقَظَه من سُباتِه بَعدَ أن رُميَ خارِجَ الجَنَّةِ، وعَلَّمَه كُلَّ شَيءٍ. وهنا التَفتَ إليه آدَمُ، وقال له: ما اسمُك؛ لأنَّك عَمِلتَ مَعنا هذا الإحسانَ العَظيمَ حتَّى نَشكُرَك؟ فقال له: اسمي بير مُدَبِّر [1787] يُنظر: ((اليزيدية)) لإسماعيل بك (ص: 74- 75)، نقلًا من كتاب ((اليزيدية)) لسامي الأحمد (ص: 12- 13). .
وهم يَجعَلونَ صورةً تمثاليَّةً منَ البُرُنزِ لشَكلِ طاووسٍ، ويَسجُدونَ له ويَطوفونَ حَولَه كرَمزٍ إلى إبليسَ (طاووس المَلائِكةِ)، وهم يَطوفونَ بهذا التِّمثالِ على القُرى لجَمعِ الصَّدَقاتِ والنُّذورِ. ويَقولونَ: (... إنَّ اللهَ الذي لا حَدَّ لجودِه ومَحَبَّتِه للخَلائِقِ لا يَفعَلُ بهم شَرًّا؛ لأنَّه صالحٌ. أمَّا الشَّيطانُ فهو مُنقادٌ إلى عَمَلِ الشَّرِّ. وعليه فالحِكمةُ تَقضي على مَن يُريدُ السَّعادةَ أن يهمِلَ عِبادةَ الرَّبِّ ويَطلُبَ ولاءَ الشَّيطانِ)؛ ولهذا فاليَزيديَّةُ يترضَّونه كُلَّ الرِّضا، فأقاموا له أيَّامًا مَشهودةً، وأعيادًا مَعدودةً، وطَوافاتٍ مَعلومةً، وحَفلاتٍ مَرسومةً، ويَقولونَ: إنَّما نُكرِمُ الطَّاووسَ المَلَكَ دونَ رَبِّ العالَمينَ؛ لأنَّ هذا الطَّاووسَ مَصدَرُ كُلِّ الشُّرورِ والنُّحوسِ. فإن لم نستَلفِتْ أنظارَه علينا لم نَخلُصْ مِنِ انتِقامِه. وإذا ترضَّيناه فُزْنا بسَعادةِ الدُّنيا والآخِرةِ. أمَّا رَبُّ العالَمينَ فهو عَينُ الخَيرِ والصَّلاحِ، لا يرى فيه أدنى عَيبٍ أو وَصمةٍ. بل هو العِصمةُ والجَودةُ والرَّحمةُ، لا يَحقِدُ على أحَدٍ إلى الأبَدِ، حتَّى إنَّه يَتَصالحُ مَعَ الطَّاووسِ المَلَكِ، ويَرجِعُه إلى عِلِّيِّينَ؛ ولهذا فمَن يَلعَنْه يَهلِكْ [1788] يُنظر: ((اليزيديون واقعهم تاريخهم معتقداتهم)) للتوبخي (ص: 82). .
قال الكاتِبُ العِراقيُّ سَليم مَطَر: (إنَّ طاووس مَلَك تَعني بكُلِّ بَساطةٍ وحَسَبَ تَفسيرِ اليَزيديِّين أنفُسِهم «المَلَاك طاووس» الذي يَعتَبرونَه رَئيسَ المَلائِكةِ. عِلمًا بأنَّ اليَزيديَّةَ يُقدِّسونَ طَيرَ الطَّاووسِ، ويَرسُمونَه في كُلِّ مَكانٍ مِثلَ الصَّليبِ لدى المَسيحيِّينَ. ويَعتَقِدونَ بأنَّهم ورِثوه من أيَّامِ إبراهيمَ الخَليلِ. ويَقولُ أميرُ اليَزيديَّةِ «أنور مُعاوية» ما يَلي بخُصوصِ الطَّاووسِ: إنَّ الطَّاووسَ صورةٌ أثَريَّةٌ خالدةٌ من زَمَنِ البابليِّينَ والآشوريِّينَ، ونَجِدُ هذا الرَّمزَ مَوجودًا في الكَثيرِ منَ الآثارِ العِراقيَّةِ. هناكَ مَن يَربِطُ بَينَ تَسميةِ «طاووس» وتَسميةِ «تموز» إلهِ الخِصبِ والذُّكورةِ) [1789] ((جدل الهويات)) (ص: 234- 235). .

انظر أيضا: