موسوعة الفرق

المَطلبُ الثَّامنُ: بدعةُ تَقبيلِ الإبهاميَنِ في الأذانِ عِندَ سَماعِ اسمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


من تَعليماتِ القَومِ التي ابتَدَعوها واختَرَعوها باسمِ الشَّريعةِ ورَوَّجوها في المُسلمينَ باسمِ الإسلامِ: تَقبيلُ الإبهامَينِ في الأذانِ عِندَ استِماعِ اسمِ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلام. فكَتَبَ البَريلَويُّ في إثباتِها رِسالةً مُستَقِلَّةً -وقد أُدرِجَت في فتاواه- بعُنوانِ (مُنير العَين في حُكمِ تَقبيلِ الإبهامَين)، وقال فيها: (عنِ الخَضِرِ عليه السَّلامُ أنَّه قال: مَن قال حينَ يَسمَعُ المُؤَذِّنَ يَقولُ: أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ: مَرحَبًا بحَبيبي وقُرَّةِ عَيني مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُقَبِّلُ إبهامَيه ويَجعَلُهما على عَينَيه، لم يَرمَدْ أبَدًا) [1619] ((منير العين في حكم تقبيل الإبهامين)) ضمن ((الفتاوى الرضوية)) (ص: 383). .
وكتَبَ غيرُه: (قد عَمِل به الصَّحابةُ، وعليه عَمَلُ عامَّةِ المُسلمينَ، ولقد رويَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((من سَمعِ اسمي في الأذانِ ووضَع إبهامَيه على عَينَيه، فأنا طالبُه في صُفوفِ القيامةِ وقائِدُه إلى الجَنَّةِ)) [1620] لم نَقِفْ عليه بتَمامِ لفظِه فيما لدَينا من كُتُبٍ مُسنَدةٍ. وأخرَجَه أبو العَبَّاس بنُ أبي بكرِ الرَّداد اليَمانيُّ في ((موجِبات الرَّحمةِ وعَزائِم المَغفِرة)) كما في ((المَقاصد الحسنة)) للسخاوي (1/605) ولفظُه: عنِ الخَضِرِ عليه السَّلامُ أنَّه مَن قال حينَ يَسمَعُ المُؤَذِّنَ يَقولُ: أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ: مَرحَبًا بحَبيبي وقُرَّةِ عَيني مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللَّهِ، ثمَّ يُقَبِّلُ إبهامَيه، ويَجعَلُهما على عَينَيه، لم يَرمَدْ أبَدًا. قال العجلوني في ((كشف الخفاء)) (2/206): لا يَصِحُّ، وقال السخاوي: إسنادُه لا يَصِحُّ، وذكر الوادعي في ((الفتاوى الحديثية)) (1/58) أنَّه موضوعٌ. [1621] يُنظر: ((جاء الحق)) لأحمد يار (ص: 394). .
فانظُرْ إلى القَومِ وجُرأتِهم على التَّقَوُّلِ والكَذِبِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، الذي قال: ((مَن كَذَب عليَّ مُتَعَمِّدًا فليَتَبَوَّأْ مَقعَدَه منَ النَّارِ)) [1622] أخرجه البخاري (1291)، ومسلم في ((مقدمة الصحيح)) (4) من حديثِ المغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
والرِّوايةُ الأولى نَقَلوها عن (المَقاصِدِ الحَسَنةِ) للسَّخاويِّ، والسَّخاويُّ نَفسُه كَتَبَ قَبلَ إيرادِها في كِتابِه: (وكَذا ما أورَدَه أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُ أبي بكرٍ الرَّداد المُتَصَوِّفُ في كِتابِه «موجِباتُ الرَّحمةِ وعَزائِمُ المَغفِرةِ» بسَنَدٍ فيها مَجاهيلُ مَعَ انقِطاعِه عنِ الخِضِرِ) [1623] ((المقاصد الحسنة)) (ص: 605). .
والرِّوايةُ الثَّانيةُ ليس لها أثَرٌ ولا رَسمٌ.
والسَّخاويُّ نَفسُه قال بَعدَ بَيانِ جَوازِ العَمَلِ في الفضائِلِ والتَّرغيبِ والتَّرهيبِ بالحَديثِ الضَّعيفِ: (وأمَّا المَوضوعُ فلا يَجوزُ العَمَلُ به بحالٍ) [1624] ((القول البديع)) (ص: 196). .
وذَكَرَ كُلٌّ منَ السَّخاويِّ والسُّيوطيِّ والعَليِّ والقاريِّ ومُحَمَّد طاهِر الفتنيِّ والشَّوكانيِّ وغَيرهمِ أنَّ مِثلَ هذه الرِّواياتِ كُلُّها غَيرُ ثابتةٍ [1625] يُنظر: ((المقاصد الحسنة)) للسخاوي (ص: 604- 606)، ((تذكرة الموضوعات)) للفتني (ص: 36)، ((الموضوعات)) للقاري (ص: 75)، ((الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة)) للشوكاني (ص: 19- 20). .
ولكِنَّ البَريلَويَّ مَعَ ذلك قال: (إنَّ الذي يُنكِرُ تَقبيلَ الإبهامينِ فإنَّه يَرُدُّ إجماعَ الأمَّةِ ويَتَّبِعُ غَيرَ سَبيلِ المُؤمنينَ الذي وعَدَ اللهُ عليه بالوعيدِ المُؤَكَّدِ وَنَصِلُهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115] ) [1626] ((منير العين في حكم تقبيل الإبهامين)) ضمن ((الفتاوى الرضوية)) (2/488). .
وقال أيضًا: (لا يَمنَعُ عن هذا إلَّا مَن يَفتَري على الشَّريعةِ، ويَحتَرِقُ منِ اسمِ النَّبيِّ ويَحسُدُه. وتَعظيمُ النَّبيِّ بجَميعِ أنواعِ التَّعظيمِ الذي ليس فيه مُشارَكةُ اللَّهِ تعالى في الألوهيَّةِ أمرٌ مُستَحسَنٌ عِندَ مَن نَوَّرَ اللهُ أبصارَهم) [1627] ((منير العين في حكم تقبيل الإبهامين)) ضمن ((الفتاوى الرضوية)) (2/496). .
وقد سُئِلتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ للإفتاءِ بالسُّعوديَّةِ: تَقبيلُ الإبهامين عِندَ قَولِ المُؤَذِّنِ (أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ) هَل له أصلٌ؟
فأجابَت: (لم يَثبُتْ في تَقبيلِهما عِندَ قَولِ المُؤَذِّنِ «أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ» حَديثٌ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما نَعلمُ، فتَقبيلُهما عِندَ ذلك بدعةٌ، وقد ثَبَتَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ)) [1628] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) واللفظ له من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. ) [1629] ((فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى)) (6/ 100). ويُنظر أيضًا: ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (2/ 190). .
وسُئِلت أيضًا: تَقبيلُ الإبهامَينِ عِندَ استِماعِ اسمِ سَيِّدِ الأنبياءِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ المُصطَفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا سيَّما عِندَ الأذانِ، أهذا منَ السُّنَّةِ أم بدعةٌ؟ وبَيِّنوا لنا الحَديثَ الذي رويَ لنا من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه يُقَبِّلُ إبهامَيه عِندَ سَماعِ الأذانِ وسَماعِ الاسمِ وحُسنِه. أهذا الحَديثُ صَحيحٌ أم لا؟ وبَيِّنوا لنا حُكمَ تَقبيلِ الإبهامَينِ عِندَ الأذانِ وسَماعِ اسمِه، جَزاكمُ اللهُ عنَّا أحسَنَ الجَزاءِ.
فأجابَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ: (تَقبيلُ الإبهامَينِ عِندَ استِماعِ اسمِ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الأذانِ وغَيرِه بدعةٌ لا أصلَ لها، وقد ثَبَتَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن عَمِل عَمَلًا ليس عليه أمَرُنا فهو رَدٌّ)) [1630] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (7350)، وأخرجه موصولًا مسلم (1718) من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. أي: مَردودٌ على عامِلِه. أمَّا ما نُسِبَ لأبي بكرٍ الصِّدِّيق رَضِيَ اللهُ عنه فلا نَعلمُ له أصلًا) [1631] ((فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى)) (6/ 100). .

انظر أيضا: