موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّالثُ: الخَتميَّةُ وحَرَكةُ البَعثِ الشِّيعيَّةُ المُعاصِرةُ


حاول الخَتميَّةُ أن يُؤَكِّدوا أنَّ جُذورَ الشِّيعةِ والصُّوفيَّةِ واحِدةٌ، فزَعَموا أنَّ كُلَّ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ خَرَجَت من مِشكاةِ آلِ البَيتِ وانتَقَلت من بلادِ الشِّيعةِ إلى بَقيَّةِ أنحاءِ العالمِ الإسلاميِّ، كما أنَّ كِبارَ الصُّوفيَّةِ في رَأيِ الخَتميَّةِ مُرتَبطينَ بالشِّيعةِ وأئِمَّتِهم؛ فعَبدُ القادِرِ الجيلانيُّ (ت: 561هـ) شَريفٌ من آلِ البَيتِ سَنَدُه في الطَّريقةِ إلى الأئِمَّةِ الاثني عَشَرَ الذينَ هم أئِمَّةُ الشِّيعةِ، وقالوا: إنَّ مَعروفًا الكَرخيَّ مَثَلًا هو تِلميذُ الإمامِ الرِّضا، وأبا يَزيدَ البِسطاميَّ تِلميذُ الإمامِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ، وحاوَل كاتِبٌ خَتميٌّ مُعاصِرٌ أن يُزَيِّنَ صورةَ الشِّيعةِ لدى الخَتميَّةِ، ويُبَرِّئَهم منَ الأصول التي يُقِرُّونَ بها، ويَذهَبُ إلى أنَّ أعداءَهم من بَني أمَيَّةَ وبَني العَبَّاسِ همُ الذينَ شَوَّهوا صورَتَهم، وبَدَأ النَّاسُ يُصَدِّقونَ هذه الأكاذيبَ حَولَهم، ومِن هنا بَدَأتِ الجَفوةُ المُفتَعَلةُ. ويُرَدِّدُ الكاتِبُ مَزاعِمَ الشِّيعةِ حَولَ طائِفتِهم، ويَذهَبُ إلى أنَّ الشِّيعةَ همُ الذينَ نَقَلوا لنا السُّنَّةَ، ورِواياتِ القُرآنِ، وهم أعلمُ النَّاسِ بالعَرَبيَّةِ والأصولِ وبَقيَّةِ العُلومِ الشَّرعيَّةِ، ويَذهَبُ إلى أنَّ الخِلافَ مَعَ الشِّيعةِ مُجَرَّدُ خِلافٍ في وِجهاتِ النَّظَرِ السِّياسيَّةِ مُنذُ فجرِ الإسلامِ، ولم يَتَّصِلْ قَطُّ بأسُسِ العَقيدةِ كما يَظُنُّ البَعضُ [1354] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) لمحمد خير (ص: 128). !
أمَّا دَعوى الكاتِبِ أنَّ الشِّيعةَ نَقَلوا السُّنَّةَ ورِواياتِ القُرآنِ... إلخَ. فهذا تَرديدٌ لمَزاعِمِ الشِّيعةِ الذينَ ادَّعَوا أنَّهم أصلُ العُلومِ الإسلاميَّةِ وواضِعو أسُسِها، وهذه لا شَكَّ دَعوى باطِلةٌ لا أساسَ لها، وإذا كان عُلماءُ الشِّيعةِ هم أساسَ الحَرَكةِ العِلميَّةِ، فما دَورُ الأئِمَّةِ الأربَعةِ في مَجالِ الفِقهِ والأصولِ؟! وما دَورُ أصحابِ الصِّحاحِ السِّتَّةِ في مَجالِ الحَديثِ؟ والطَّبَرَيِّ في التَّفسيرِ والتَّاريخِ؟ وابنِ هِشامٍ في السِّيرةِ؟ والخَليلِ والأصمَعيِّ في الأدَبِ [1355] يُنظر: ((ضحى الإسلام)) لأمين، موسوعة ((الحضارة الإسلامية)) لشلبي (3/ 233) وما بعدها. ((دراسات في تطور الحركة الفكرية في صدر الإسلام)) للعلي. ؟!
أمَّا القَولُ بأنَّ الخِلافَ مَعَ الشِّيعةِ مُجَرَّدُ خِلافٍ في وِجهاتِ النَّظَرِ السِّياسيَّةِ، فهذا صَحيحٌ، ويَنطَبقُ على التَّشَيُّعِ في بداياتِه الأولى؛ إذ كان الخِلافُ حَولَ الإمامةِ، ولم يَلبَثْ هذا الخِلافُ أن تَشَعَّبَ وقادَ في النِّهايةِ إلى تَبَنِّي الشِّيعةِ آراءً مُتَعلِّقةً بالقُرآنِ والسُّنَّةِ ومَدلولاتِها وحُجِّيَّتِها ومَوقِفِهم منَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، فتَبنَّوا في كُلِّ هذه المَسائِلِ عَقائِدَ وآراءً مُنحَرِفةً عنِ الشَّرعِ ومُخالِفةً لمُعتَقَداتِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ [1356] يُنظر: ((دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين)) لجلي (ص: 151 – 244). .
ويُؤَكِّدُ الكاتِبُ الخَتميُّ مُحَمَّد خَير الارتِباطَ الوثيقَ بَينَ الشِّيعةِ والصُّوفيَّةِ، وتَطابُقَ المَبادِئِ والأصولِ، فيَقولُ: (الحَقيقةُ التي لا بُدَّ من إدراكِها أنَّ الصُّوفيَّةَ من أهلِ السُّنَّةِ همُ الوَجهُ الآخَرُ للشِّيعةِ، فكِلاهما مُؤمنٌ بوِلايةِ أهلِ البَيتِ مُقِرٌّ ببَيعةٍ لإمامٍ قائِمٍ يَسعى لتَطبيقِ الشَّريعةِ بالإضافةِ إلى تَطابُقِهما في مَسألةِ السُّلوكِ على الشَّيخِ المُرشِدِ) [1357] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) (ص: 127). .
وإذا كانتِ الأصولُ والمَبادِئُ مُتَوافِقةً، والغاياتُ واحِدةً، فيَنبَغي إذًا بناءً على مَزاعِمِه تَضافُرُ الجُهودِ بَينَ الفِئَتَينِ من أجلِ البَعثِ الإسلاميِّ، وقد قال: (إنَّ مَظاهرَ الوعيِ الإسلاميِّ تُؤَكِّدُ حَتميَّةَ التِقاءِ الصُّوفيَّةِ من أهلِ السُّنَّةِ والشِّيعةِ؛ للتَّقارُبِ العَظيمِ في كُلِّ شَيءٍ ووَحدةِ المَصيرِ والمَبدَأِ والهَدَفِ) [1358] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) (ص: 128). .
ويَدَّعي هذا الكاتِبُ أنَّ البَعثَ الإسلاميَّ لن يَكونَ إلَّا على يَدِ المُؤمنينَ بوِلايةِ أهلِ البَيتِ (الشِّيعةِ والصُّوفيَّةِ): (إنَّ البَعثَ الإسلاميَّ لن يَأتيَ إلَّا عن طَريقِ المُؤمنينَ بوِلايةِ أهلِ البَيتِ؛ وذلك لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ ذَكرَ مَهديَّ آخِرِ الزَّمانِ ذَكَرَ أنَّه من آلِ البَيتِ، وهكذا فإنَّ البَعثَ القادِمَ لن يَكونَ إلَّا على أيدينا، وفي قَولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي ذَكَرنْا إشارةٌ واضِحةٌ إلى أنَّنا أصحابُ البَعثِ الإسلاميِّ في الأمَّةِ المُحَمَّديَّةِ) [1359] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) (ص: 128). .
من هذا العَرضِ يَتَبَيَّنُ مَدى الصِّلةِ بَينَ إحدى الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ -وهي طائِفةُ الخَتميَّةِ- والفِكرِ الشِّيعيِّ.

انظر أيضا: