موسوعة الفرق

المَبحَثُ الخامِسُ: أوجُهُ تَشابُهٍ بَينَ التَّصَوُّفِ والفلسَفةِ اليونانيَّةِ


للفلسَفةِ اليونانيَّةِ -وخاصَّةً الأفلاطونيَّةَ الحَديثةَ- شُيوعٌ في بَعضِ البلادِ، فانتَشَرَت في بلادِ الشَّامِ ومِصرَ والعِراقِ وفارِسَ والهندِ حينَ سَيطَرَ اليونانُ بقيادةِ الإسكندرِ المَقدونيِّ على تلك البلادِ، وامتَزَجَت ثَقافتُهم بتلك الثَّقافاتِ مُنذُ القَرنِ الثَّالثِ قَبلَ الميلادِ.
وبَعضُ الباحِثينَ يُرجِعُ الصُّوفيَّةَ إلى أصلٍ يونانيٍّ باعتِبارِها مَأخوذةً من كَلمةِ (سوفيا)، وهي بمَعنى الحِكمةِ باليونانيَّةِ، وهذا ما يَعتَرِضُ عليه الصُّوفيُّونَ.
ومن أبرَزِ عناصِرِ الفِكرِ اليونانيِّ الغنوصيَّةُ والإشراقيَّةُ، ويوجَدُ مِثلُ ذلك في التَّصَوُّفِ الذي دَعا إلى التَّقَشُّفِ، ودَعا إلى اتِّصالِ النَّفسِ بالمَلأِ الأعلى، وهو عالمٌ روحانيٌّ نورانيٌّ فوقَ عالمِ الطَّبيعةِ لا يُدرِكُ العَقلُ حُسنَه وبَهاءَه، ويَبلُغُ الإنسانُ ذلك العالمَ إذا تَطَهَّرَت نَفسُه من عَلائِقِ هذا العالمِ المادِّيِّ، فتَغدو زَكيَّةً إذا تَبَرَّأت منَ العَجَبِ والتَّكَبُّرِ والرِّياءِ والحَسَدِ، وغَيرِ ذلك منَ الرَّذائِلِ.
وبَينَ الأفلاطونيَّةِ الحَديثةِ والفِكرِ الصُّوفيِّ أوجُهُ تَشابُهٍ؛ ففي الأفلاطونيَّةِ توجَدُ نَظَريَّةُ الفَيضِ الإلهيِّ، والقَولُ بالعَقلِ الأوَّلِ والنَّفسِ الكُلِّيَّةِ والهُيوليِّ والنُّفوسِ الجُزئيَّةِ، وهي من مَراتِبِ الوُجودِ عِندَهم، وهذا ما يَقولُ به بَعضُ الصُّوفيَّةِ كما عِندَ ابنِ عَرَبيٍّ، وكذلك نَظَريَّةُ الكَشفِ والشُّهودِ والمعرِفةِ.
ومنَ التَّشابُهِ بَينَهما ما يَتَعَلَّقُ بالغنوصيَّةِ، وهي كَلمةٌ يونانيَّةٌ بمَعنى المَعرِفةِ، وتَطَوَّرَتِ الكَلِمةُ حتَّى أخَذَت مَعنًى اصطِلاحيًّا، وهو التَّوصُّلُ عن طَريقِ الكَشفِ والذَّوقِ إلى المَعارِفِ العُليا دونَ الاستِنادِ إلى البَراهينِ العَقليَّةِ.
كما نُقِلت وتَرجَمَت إلى العَرَبيَّةِ كَثيرٌ منَ الكِتاباتِ اليونانيَّةِ، ومنها كُتُبُ (إسطَفانوس برصديلي)، وهو راهبٌ غنوصيٌّ سُريانيٌّ عاشَ بَينَ القَرنَينِ الخامِسِ والسَّادِسِ قَبلَ الميلادِ، وقدِ انتَشَرَت تَرجَماتُ كُتُبِه.
ومنَ الكَلماتِ والمَعاني الكَثيرةِ التي كانت سائِدةً في الفِكرِ اليونانيِّ، واستُعمِلتِ استِعمالًا كَثيرًا في الفِكرِ الصُّوفيِّ: المَعرِفةُ، والذَّوقُ، والكَشفُ، والأزَليَّةُ، والحَقيقةُ، وحَقيقةُ الحَقائِقِ، والكَلِمةُ، والعِلَّةُ والمَعلولُ، ووَحدةُ الوُجودِ.

انظر أيضا: