موسوعة الفرق

المطلَبُ التَّاسِعُ: خياناتُ الشِّيعةِ الدُّروزِ


الدُّروزُ طائِفةٌ مِنَ الطَّوائِفِ الشِّيعيَّةِ التي انشَقَّت عنِ المَذهَبِ الإسماعيليِّ الفاطِميِّ، وهي من غُلاةِ الشِّيعةِ الإسماعيليَّةِ، وتُنسَبُ إلى أبي مُحَمَّدٍ الدَّرزيِّ، ولهم مُعتَقداتٌ باطِلةٌ [2455] يُنظر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (9/ 198)، ((الأعلام)) للزركلي (7/ 305). .   
وتاريخُهم حتَّى العَصرِ الحاضِرِ مَليءٌ بالخياناتِ التي كان لها أعظَمُ الأثَرِ في تَعريضِ الأُمَّةِ للهَزائِمِ والانكِساراتِ.
فقد قاموا بعِدَّةِ ثَوراتٍ مُتَلاحِقةٍ تَسَبَّبَت في زَعزَعةِ الأمنِ وإرباكِ الدَّولةِ العُثمانيَّةِ، واستِنفادِ كثيرٍ مِنَ الطَّاقاتِ البَشَريَّةِ والمادِّيَّةِ في سَبيلِ القَضاءِ عليها.
ولمَّا سَيَّرَ مُحَمَّد عَلي باشا جَيشًا لاحتِلالِ بلادِ الشَّامِ بقيادةِ ابنِه إبراهيمَ بَعدَ أن شَقَّ عَصا الطَّاعةِ على الدَّولةِ العُثمانيَّةِ عام 1247هـ كان الدُّروزَ مِنَ الموالينَ له، والمُناوِئينَ للدَّولةِ العُثمانيَّةِ.
وكان الأميرُ بَشيرٌ الشِّهابيُّ المُتَوفَّى سَنةَ 1266هـ أميرُ الدُّروزِ وجُنودُه يُقاتِلونَ جَنبًا إلى جَنبٍ مَعَ جَيشِ إبراهيمَ بنِ مُحَمَّد عَلي، وقد غَدَت مُهمَّةُ إبراهيمَ قائِدِ الحَملةِ المِصريَّةِ بفضلِ تَعاوُنِ الأميرِ بَشيرٍ مُهمَّةً سَهلةً، فتَمَكَّنَ مِنَ الاستيلاءِ على دِمَشقَ، وهَزَمَ الجَيشَ العُثمانيَّ في حِمصٍ، وأوغَل في قَلبِ بلادِ الأتراكِ ليحتَلَّ العاصِمةَ العُثمانيَّةَ، حتَّى اضطَرَّته بريطانيا والنِّمسا وروسيا إلى الانسِحابِ خَوفًا على مَصالحِها.
وقد حَرَصَ الدُّروزُ على استِغلالِ كُلِّ فُرصةٍ مُناسِبةٍ من أجلِ إقامةِ دَولةٍ دُرزيَّةٍ، وهاجَروا إلى جَبلِ حَورانَ الذي سُمِّي بجَبلِ الدُّروزِ بَعدَ أن تَمَكَّنوا من طَردِ أهلِه المُسلمينَ، واستَقَلُّوا به تَمامًا [2456] يُنظر: ((الانحرافات العقدية والعلمية)) للزهراني (1/575)، ((تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين)) لفيليب حتى (2/341). .
آذى الدُّروزُ المُسلمينَ والنَّصارى من أهلِ القُرى والباديةِ، وقاتَلوهم، وحاولتِ الدَّولةُ العُثمانيَّةُ تَأديبَهم أكثَرَ من مَرَّةٍ، لكِنَّها فشِلت وتَراجَعَت أمامَ ضُغوطِ الإنكِليزِ.
وحينَ احتَلَّ الفرَنسيُّونَ مِصرَ عامَ 1213هـ بقيادةِ نابليون الذي تَوجَّهَ بَعدَ إخضاعِها إلى بلادِ الشَّامِ، وبَينَما كان مُحاصِرًا لعَكَّا بَعَثَ الرِّسالةَ الآتيةَ: (مُخَيَّمُ عَكَّا 20 آزار 1798م إلى بَشيرٍ: بَعدَ السَّيطَرةِ على مِصرَ دَخَلتُ صَحراءَ سَيناءَ، فأتَيتُ إلى العَريشِ ثُمَّ إلى غَزَّةَ ثُمَّ إلى يافا بَعدَ أن التَقَيتُ بجُيوشِ الجَزَّارِ وسَحَقتُها، ومُنذُ يومَينِ وصَلتُ إلى عَكَّا، وأنا أُحاصِرُها الآنَ، وأُسرِعُ إلى إعلامِك بكُلِّ ذلك؛ لأنَّك لا شَكَّ في أنَّك تَفرَحُ لهَزائِمِ هذا الطَّاغيةِ (يعني الجَزَّارَ) الذي سَبَّبَ الكثيرَ مِنَ الذُّعرِ للإنسانيَّةِ عامَّةً، وللدُّروزِ الأُباةِ بشَكلٍ خاصٍّ، ورَغبَتي المُخلِصةُ هي أن أُقيمَ للدُّروزِ استِقلالَهم، وأُعطيَهم مَدينةَ بَيروتَ ذاتَ المَرفأِ كمَركزٍ تِجاريٍّ لهم؛ لذلك فإنِّي أرغَبُ في أن تَأتيَ شَخصيًّا أو تُرسِلَ حالًا مَن يمثِّلُك لرَسمِ خُطَّةٍ للتَّغَلُّبِ على عَدوِّنا المُشتَرَكِ، ويُمكِنُك أن تُذيعَ في جَميعِ القُرى الدَّرزيَّةِ أنَّ كُلَّ مَن يأتي لنا بالمُؤَنِ، وخاصَّةً الخَمرَ، سَيُكافَأُ بسَخاءٍ) [2457] يُنظر: ((رؤية إسلامية في الصراع العربي الإسرائيلي)) لمحمد النواوي (ص: 31)، ((الانحرافات العقدية والعلمية)) للزهراني (1/576). .
وقد أرسَل الدُّروزُ رِسالةً للمَسؤولِ الفرَنسيِّ يطلُبونَ الاستِقلالَ، وهذه مُقدِّمةُ عَريضَتِهم: (لحَضرةِ رَئيسِ البَعثةِ الفرَنسيِّ في دِمَشقَ الأفخَمِ: بناءً على بلاغاتِكم المُتَكرِّرةِ للرُّؤَساءِ الرُّوحيِّينَ، لنا الشَّرَفُ أن نُقدِّمَ لسيادَتِكم بالنِّيابةِ عنِ الشَّعبِ الدَّرزيِّ في جَبلِ حَورانَ بَرنامَجَ الاستِقلالِ المُدرَجَ أعلاه الذي يطلُبُه الشَّعبُ لكي تَتَكرَّموا بتَقديمِه لحَضرةِ صاحِبِ الفخامةِ المَندوبِ السَّامي، راجينَ أن يتَوسَّلَ بالتَّصديقِ عليه من قِبَلِ حُكومةِ الجُمهوريَّةِ الفرَنسيَّةِ المُعَظَّمةِ، واقبَلوا فائِقَ احتِرامِنا).
وفي عامِ 1922م أصدَرَ الجِنِرالُ غورو قَرارَه رَقم 1641 بإعطاءِ جَبَلِ حَورانَ استِقلالَه باسمِ دَولةِ جَبَلِ الدُّروزِ المُستَقِلَّةِ [2458] يُنظر: ((رؤية إسلامية في الصراع العربي الإسرائيلي)) (ص: 36- 49). .

انظر أيضا: