الموسوعة الفقهية

الفَصْلُ الأوَّلُ: الشُّفْعةُ في العَقَارِ الَّذي لا يَقبَلُ القِسْمةَ


تَثبُتُ الشُّفْعةُ في العَقَارِ الَّذي لا يَقبَلُ القِسْمةَ [102] كالبيتِ الصَّغيرِ، أو الدُّكانِ الصَّغيرِ. ، وهو مَذهَبُ الحَنَفِيَّةِ [103] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/252)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/156). ، ومُقابِلُ الأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ [104] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/70، 71)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/297). ، ورِوايةٌ عن أحْمَدَ [105] ((الإنصاف)) للمرداوي (6/189). ، وهو قَوْلُ ابنِ حَزْمٍ [106] قالَ ابنُ حَزْمٍ: (مَسْألةٌ: الشُّفْعةُ واجِبةٌ في كُلِّ جُزءٍ بِيعَ مُشاعًا غَيْرَ مَقْسومٍ بَيْنَ اثْنَينِ فصاعِدًا، مِن أيِّ شيءٍ كانَ ممَّا يَنْقسِمُ وممَّا لا يَنْقسِمُ؛ مِن أرْضٍ، أو شَجَرةٍ واحِدةٍ فأَكثَرَ، أو عَبْدٍ، أو ثَوْبٍ، أو أَمَةٍ، أو مِن سَيْفٍ، أو مِن طَعامٍ، أو مِن حَيَوانٍ، أو مِن أيِّ شَيءٍ بِيعَ). ((المحلى)) (8/3). ، واخْتارَه ابنُ تَيْمِيَّةَ [107] قالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: (اتَّفَقَ الأئِمَّةُ على ثُبوتِ الشُّفْعةِ في العَقَارِ الَّذي يَقبَلُ القِسْمةَ -قِسْمةَ الإجْبارِ- كالقَرْيةِ والبُسْتانِ ونَحْوِ ذلك، وتَنازَعوا فيما لا يَقبَلُ قِسْمةَ الإجْبارِ، وإنَّما يُقسَمُ بضَرَرٍ أو رَدِّ عِوَضٍ، فيَحْتاجُ إلى التَّراضي: هل تَثبُتُ فيه الشُّفْعةُ؟ على قَوْلَينِ؛ أحَدُهما: تَثبُتُ، وهو مَذهَبُ أبي حَنيفةَ، واخْتارَه بعضُ أصْحابِ الشَّافِعيِّ، كابنِ سُرَيجٍ. وطائِفةٌ مِن أصْحابِ أحْمَدَ، كأبي الوَفاءِ بنِ عَقيلٍ. وهي رِوايةُ المُهذَّبِ عن مالِكٍ. وهذا القَوْلُ هو الصَّوابُ). ((مجموع الفتاوى)) (30/381). ، وهو قَرارُ هَيْئةِ كِبارِ العُلَماءِ [108] جاءَ في قَرارِ هَيْئةِ كِبارِ العُلَماءِ الآتي: (... وبَعْدَ تَداوُلِ الرَّأيِ والمُناقَشةِ مِن الأعْضاءِ، وتَبادُلِ وِجْهاتِ النَّظَرِ قَرَّرَ المَجلِسُ بالأَكثَريَّةِ أنَّ الشُّفْعةَ تَثبُتُ بالشَّرِكةِ في المَرافِقِ الخاصَّةِ؛ كالبِئْرِ والطَّريقِ والمَسيلِ ونَحْوِها، كما تَثبُتُ الشُّفْعةُ فيما لا تُمكِنُ قِسْمتُه مِن العَقَارِ؛ كالبَيْتِ والحانوتِ الصَّغيرينِ، ونَحْوِهما). ((مجلة البحوث الإسلامية)) (18/67). ، واخْتِيارُ ابنِ عُثَيْمينَ [109] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (مِن غَرائِبِ العِلمِ أن نقولَ: إنَّ ما تَجِبُ قِسْمتُه فيه الشُّفْعةُ وما لا فلا، والَّذي تَجِبُ قِسْمتُه هو الَّذي إذا قُسِمَ لا يَتَضرَّرُ أحَدٌ مِن الشُّرَكاءِ فيه؛ كالأرْضِ الواسِعةِ الكَبيرةِ إذا قُسِمَتْ لا يَتَضرَّرُ أحَدٌ، بخِلافِ الأرْضِ الصَّغيرةِ؛ فإنَّها إذا قُسِمَتْ لم تَصلُحْ للبِناءِ، فمَثَلًا: رَجُلانِ بَيْنَهما أرْضٌ قَدْرُها عَشَرةُ أمْتارٍ في عَشَرةِ أمْتارٍ، فهذه لو قُسِمَتْ لتَضَرَّرَ الطَّرَفانِ، أمَّا لو كانَ بَيْنَهما أرْضٌ قَدْرُها ثَلاثةُ آلافِ أو أرْبَعةُ آلافِ مِتْرٍ، فهذه لو قُسِمَتْ فلا ضَرَرَ. والفُقَهاءُ يَقولونَ رَحِمَهم اللهُ: إنَّ الأرْضَ الَّتي تَجِبُ قِسْمتُها عِنْدَ الطَّلَبِ فيها شُفْعةٌ، وأمَّا الَّتي لا تَجِبُ فليس فيها شُفْعةٌ. وهنا نَسأَلُ: أيُّهما أَوْلى بالشُّفْعةِ؟ الجَوابُ: الثَّاني أَوْلى بالشُّفْعةِ؛ لأنَّ الشُّفْعةَ في الأرضِ الكَبيرةِ إذا تَضرَّرَ الشَّريكُ الَّذي لم يَبِعْ فله أن يَطلُبَ المُقاسَمةَ، وتُقسَمُ فَرضًا على المُشْتَري، وأمَّا في الأرْضِ الَّتي لا تَجِبُ قَسْمتُها إذا تَضَرَّرَ الشَّريكُ الَّذي لم يَبِعْ، وطَلَبَ القِسْمةَ، فإنَّه لا يُجابُ إلى طَلَبِه، فإمَّا أن تُباعَ الأرْضُ كلُّها، وإمَّا أن تَبْقى كلُّها، ولا شَكَّ أنَّ الشَّرْعَ لا يُمكِنُ أن يُفرِّقَ بَيْنَ مُتَماثِلَينِ، بل هذه المَسْألةُ ليست بَيْنَ مُتَماثِلَينِ، بل هي بَيْنَ مُتَباينَينِ أحَدُهما أَحَقُّ بالحُكْمِ مِن الآخَرِ، فالصَّوابُ أنَّ الشُّفْعةَ واجِبةٌ فيما تَجِبُ قِسْمتُه وفيما لا تَجِبُ). ((التعليق على الكافي)) (6/500). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ النُّصوصَ في مَشْروعيَّةِ الشُّفْعةِ مُطلَقةٌ، فتَتَناوَلُ ما يُقسَمُ وما لا يُقسَمُ [110] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/252). .
ثانِيًا: لدُخولِ الشُّفْعةِ في العَقَارِ الَّذي لا يَقبَلُ القِسْمةَ تحتَ مَناطِ الأخْذِ بالشُّفْعةِ، وهو دَفْعُ الضَّرَرِ عن الشَّريكِ في المَبيعِ وفي حَقِّ المَبيعِ، بلْ هو أَوْلى؛ لأنَّ ضَرَرَ الشَّريكِ فيما لا يَنْقَسِمُ أَكثَرُ [111] يُنظر: ((المحلى)) لابن حَزْمٍ (8/7)، ((التعليق على الكافي)) لابن عُثَيْمينَ (6/500)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (18/67). .

انظر أيضا: