الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: التَّقابُضُ وإنِ اختلَفَ الجنسُ


الفرعُ الأوَّلُ: اشتِراطُ التَّقابُضِ وإنِ اختلَفَ الجنسُ
يُشترَطُ في الصَّرْفِ التَّقابُضُ وإنِ اختلَفَ الجنسُ.
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: منَ السُّنَّةِ
1- عن أبي المِنْهالِ، قال: ((سألْتُ البَراءَ بنَ عازبٍ وزَيدَ بنَ أرْقَمَ عنِ الصَّرْفِ، فقالَا: كنَّا تاجِرَينِ على عَهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسأَلْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الصَّرْفِ، فقال: إنْ كان يدًا بيَدٍ فلا بأْسَ، وإنْ كان نَساءً فلا يَصلُحُ )) أخرَجَه البُخاريُّ (2060، 2061) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (1589).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه اشتَرَطَ التَّقابُضَ مُطلَقًا، سواءٌ اتَّحدَ الصِّنفُ أمِ اختلَفَ يُنظر: ((عمدة القاري)) للعَيْني (11/175)، ((إرشاد الساري)) (4/13).
2- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((الذَّهبُ بالذَّهبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ، والتَّمرُ بالتَّمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ، مِثلًا بمِثلٍ، سواءً بسَواءٍ، يدًا بيَدٍ، فإذا اختلَفَتْ هذه الأصْنافُ، فبِيعوا كيف شِئْتُم، إذا كان يدًا بيَدٍ )) أخرَجَه مسلمٌ (1587).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه اشترَطَ التَّقابُضَ عندَ اتِّفاقِ الأصْنافِ في قولِه: ((يدًا بيَدٍ))، وإذا اختلَفَتِ الأصْنافُ في قولِه: ((إذا كان يدًا بيَدٍ )) يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/383).
ثانيًا: منَ الإجْماعِ
نقَلَ الإجْماعَ على ذلك: ابنُ المنذِرِ قال ابنُ المنذِرِ: (أجمَعَ كلُّ مَن نَحفَظُ عنه من أهلِ العلمِ على أنَّ المُتَصارِفَينِ إذا افتَرَقا قبْلَ أنْ يَتَقابَضَا، أنَّ الصَّرْفَ فاسدٌ) ((الأوسط)) (10/197). ، وابنُ عبدِ البرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (فاستقَرَّ الأمرُ عندَ العلماءِ على أنَّ الرِّبا في الازْديادِ في الذَّهبِ بالذَّهبِ، وفي الورِقِ بالورِقِ كما هو في النَّسيئةِ، سواءٌ في بيعِ أحَدِهما بالآخَرِ، وفي بَيعِ بعضِ كلِّ واحدٍ منهما ببعضٍ، وهذا أمرٌ مجتمَعٌ عليه، لا خِلافَ بينَ العلماءِ فيه، معَ تواتُرِ الآثارِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك) ((التمهيد)) (6/287). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رُشدٍ: (اتَّفقَ العلماءُ على أنَّ مِن شَرطِ الصَّرفِ أنْ يقَعَ ناجزًا) ((بداية المجتهد)) (3/213). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامةَ: (بيعُ الأثْمانِ بعضِها ببعضٍ، والقَبضُ في المجلِسِ شرطٌ لصحَّتِه بغيرِ خلافٍ) ((المغني)) (4/41). ، والنَّوويُّ قال النَّوويُّ: (أجمَعَ العلماءُ على تَحريمِ بَيعِ الذَّهبِ بالذَّهبِ، أو بالفضَّةِ مؤجَّلًا، وكذلك الحِنطةُ بالحِنطةِ، أو بالشَّعيرِ، وكذلك كلُّ شَيئينِ اشْتَرَكا في علَّةِ الرِّبا) ((شرح صحيح مسلم)) (11/10). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيميَّةَ: (تحريمُ النَّسأِ مُتَّفَقٌ عليه بينَ الأمَّةِ) ((مجموع الفتاوى)) (29/470).
الفَرعُ الثَّاني: التَّراخي في القَبضِ
لا تُشترَطُ الفَوْريَّةُ في القَبضِ، فيصِحُّ القبضُ ولو طال المجلِسُ ما لم يَتفرَّقا بأبْدانِهما، وهو مَذهَبُ الجمهورِ: الحَنفيَّةِ ((الهداية)) للمَرْغِيناني (3/63)، ((الفتاوى الهندية)) (3/217). ، والشَّافعيَّةِ ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (4/3)، ويُنظَر: ((البيان)) للعِمْراني (5/175). ، والحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (4/263)، ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/266).
الأدلَّةُ منَ الآثارِ:
1- عن مالكِ بنِ أوْسِ (أنَّه التمَسَ صَرفًا بمائةِ دينارٍ، فدَعاني طَلْحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ، فتَراوَضْنا حتَّى اصْطرَفَ منِّي، فأخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُها في يدِه، ثمَّ قال: حتَّى يأْتيَ خازني منَ الغابةِ، وعُمَرُ يَسمَعُ ذلك، فقال: واللهِ لا تُفارِقُه حتَّى تأخُذَ منه؛ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ ربًا، إلَّا هاءَ وهاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ ربًا، إلَّا هاءَ وهاءَ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ ربًا، إلَّا هاءَ وهاءَ، والتَّمرُ بالتَّمرِ ربًا إلَّا هاءَ وهاءَ") أخرَجَه البُخاريُّ (2174) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (1586).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عنهما: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ قال: لا تَبيعوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ، إلَّا مِثلًا بمِثلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ، ولا تَبيعوا الوَرِقَ بالوَرِقِ، إلَّا مِثلًا بمِثلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ، ولا تَبيعوا الوَرِقَ بالذَّهَبِ أحَدُهما غائبٌ، والآخَرُ ناجزٌ، وإنِ استَنظَرَكَ إلى أنْ يَلِجَ بيتَه، فلا تُنظِرْه؛ إنِّي أخافُ عليكمُ الرَّماءَ. والرَّماءُ هو الرِّبا) أخرَجَه مالكٌ (2/634)، واللَّفظُ له، والطَّحاويُّ في ((شرح معاني الآثار)) (5783)، والبَيْهَقيُّ (10796) مختصرًا. صحَّحَه ابنُ حزمٍ في ((المحلَّى)) (8/504).
وَجهُ الدَّلالةِ:
لمَّا قال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: (واللهِ لا تُفارِقُه حتَّى تَأخُذَ منه)، وقال: (وإنِ استَنظَرَكَ إلى أنْ يلِجَ بيتَه، فلا تُنظِرْه)، معَ اسْتِشْهادِه بقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((الذَّهَبُ بالذَّهَبِ رِبًا، إلَّا هاءَ وهاءَ ))؛ دلَّ على أنَّ المقصودَ هو التَّقابُضُ قبْلَ مُفارَقةِ المجلِسِ مُطلقًا دونَ تَحْديدِه بالفَوْريَّةِ يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (6/290).
الفرعُ الثَّالثُ: قَبضُ الصَّرْفِ
الأصْلُ في قبْضِ الصَّرْفِ أنْ يكونَ بالتَّناوُلِ باليَدِ وقد يكونُ القبضُ حُكميًّا؛ وذلك في حالاتٍ: 1- إذا أُودِعَ في حسابِ العميلِ مبْلغٌ منَ المالِ، مُباشرةً أو بحَوالةٍ مَصرِفيَّةٍ. 2- إذا عقَدَ العميلُ عقْدَ صَرفٍ ناجزٍ بيْنَه وبيْنَ المَصرِفِ، في حالةِ شِراءِ عُملةٍ بعُملةٍ أُخْرى لحسابِ العميلِ. 3- إذا اقتطَعَ المَصرِفُ بأمرِ العَميلِ مَبلغًا من حسابٍ له إلى حسابٍ آخَرَ بعُملةٍ أُخرى، في المَصرِفِ نفْسِه أو غيرِه، لصالحِ العميلِ أو لمُستَفيدٍ آخَرَ. ويُغتَفَرُ تأخيرُ القَيدِ المَصرِفيِّ بالصُّورةِ التي يَتمكَّنُ المُستفيدُ بها منَ التَّسلُّمِ الفِعليِّ، للمُدَدِ المُتَعارَفِ عليها في أسْواقِ التَّعامُلِ. 4- تسلُّمُ الشِّيكِ إذا كان له رصيدٌ قابلٌ للسَّحبِ بالعُملةِ المكتوبِ بها. يُنظَر: ((قرار مجمع الفقه الإسلامي، رقم: (55/4/6)، بشأن صُوَرِ القبضِ))، والمنعقد في دورة مؤتمره السادس بجُدَّة في المملكة العربية السعودية من 1410هـ، الموافق 1990م.  وأيضًا يُنظَر في هذا الكتاب مبحثُ: قبْض الأوراق التِّجارية. ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأرْبَعةِ: الحَنفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (4/138)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (6/210)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/258)، ((الفتاوى الهندية)) (3/217). ، والمالِكيَّةِ ((الكافي)) لابن عبد البر (2/635)، ((التاج والإكليل)) للموَّاق (4/302)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/129)، ((الفواكه الدواني)) للنَّفَراوي (2/74). ، والشَّافعيَّةِ ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/523)، ((المجموع)) للنَّوَوي (9/276). ، والحَنابِلةِ ((الفروع)) لابن مُفلح (6/284).
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: منَ السُّنَّةِ
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ، والتَّمرُ بالتَّمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ، مِثلًا بمِثلٍ، يدًا بيَدٍ، فمَن زادَ أوِ اسْتَزادَ، فقد أرْبى، الآخِذُ والمُعْطي فيه سَواءٌ)) أخرَجَه مسلمٌ (1584).
2- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((الذَّهبُ بالذَّهبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ، والتَّمرُ بالتَّمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ، مِثلًا بمِثلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اختلَفَتْ هذه الأصْنافُ، فبِيعوا كيف شِئْتُم، إذا كان يَدًا بيَدٍ )) أخرَجَه مسلمٌ (1587).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه: ((يدًا بيَدٍ)) بيانٌ لحدِّ التَّسليمِ والتَّسلُّمِ؛ لأنَّ اليدَ آلةُ القبضِ فيما يُمكِنُ أنْ يُقبَضَ بها يُنظَر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/22)، ((غاية البيان شرح زبد بن رسلان)) للرملي (ص: 184).
ثانيًا: لأنَّ العُملاتِ المصروفةَ ممَّا يُتناوَلُ، وقَبْضَ ما يُتناوَلُ يكونُ باليَدِ يُنظر: ((الفروع)) لابن مُفلح (6/284).
الفرعُ الرَّابعُ: قِيامُ قَبضِ الشِّيكِ المُصدَّقِ مَقامَ قَبضِ بدَلِ الصَّرْفِ
يَقومُ قبْضُ الشِّيكِ المُصدَّقِ مَقامَ قَبْضِ بَدلِ الصَّرْفِ يُنظَر مبحثُ: قبض الأوراق التِّجارية.
الفَرعُ الخامسُ: التَّصرُّفُ في ثَمنِ الصَّرْفِ قبْلَ قَبضِه كأنْ يَصرِفَ شخصٌ مائةَ رِيالٍ بثلاثينَ دولارًا من آخَرَ، وقبْلَ أنْ يَقبِضَ منه الثلاثينَ دولارًا يَتصرَّفُ فيها؛ بأنْ يَهَبَها، أو يُزكِّيَها، أو يَشتريَ بها.
لا يَجوزُ التَّصرُّفُ في ثمَنِ الصَّرْفِ قبْلَ قَبضِه يُنظَر: الفَرعُ الثاني: التصرُّفُ في ثمَنِ (بدل) الصَّرْفِ قبْل قَبضِه.

انظر أيضا: