الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: حُكم طهارة بدن وعرَق الحائض


بدَن الحائض وعَرَقُها، طاهر.
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ اليهودَ كانوا إذا حاضتِ المرأةُ فيهم لم يُؤاكِلوها، ولم يجامِعوهنَّ في البيوتِ، فسألَ أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأنزل الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة: 222] إلى آخر الآية. فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اصْنَعوا كلَّ شيء إلَّا النِّكاحَ، فبلغ ذلك اليهودَ، فقالوا: ما يُريدُ هذا الرَّجُلُ أن يدَع مِن أمْرِنا شيئًا إلَّا خالفَنا فيه! فجاء أُسَيدُ بنُ حُضَير وعبَّادُ بن بِشر، فقالا: يا رسولَ الله، إنَّ اليهودَ تقول: كذا وكذا؛ أفلا نجامِعُهنَّ؟ فتغيَّرَ وجهُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى ظننَّا أنْ قد وَجَد عليهما، فخرجَا، فاستقبَلَهما هديةٌ مِن لبَنٍ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأرسل في آثارِهما، فسقاهما، فعرَفَا أنْ لم يجِدْ عليهما )) رواه مسلم (302).
2- عن أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((بيْنا أنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُضطجعةٌ في خميصةٍ إذ حِضتُ، فانسللتُ، فأخذتُ ثيابَ حيضتي، قال: أنفِسْتِ؟ قلت: نعمْ، فدعاني، فاضطجعتُ معه في الخميلةِ )) رواه البخاري (298) واللفظ له، ومسلم (296).
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كنتُ أشرَبُ وأنا حائِضٌ، ثمَّ أُناوِلُه النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَضَعُ فاه على موضِع فِيَّ فيشرَبُ، وأتعرَّقُ العَرْقَ وأنا حائِضٌ، ثمَّ أُناوِلُه النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَضَعُ فاه على موضِع فِيَّ )) رواه مسلم (300).
4- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((وكان يُخْرِجُ رأسَه إليَّ وهو معتكِفٌ، فأغسِلُه وأنا حائضٌ )) رواه البخاري (301) واللفظ له، ومسلم (297).
5- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((قال لي رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ناوليني الخُمْرةَ من المسجِدِ، قالت: فقلتُ: إنِّي حائِضٌ، فقال: إنَّ حيضتَكِ ليستْ في يَدِكِ )) رواه مسلم (298).
وجه الدَّلالة:
أنَّ هذه الأحاديثَ بمجموعِها تدلُّ على أنَّ بدَنَ الحائِضِ وعرَقها طاهِرٌ.
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على طهارةِ عرَقِ الحائِضِ- فضلًا عن بَدَنِها-: ابنُ جرير قال النوويُّ: (نقل الإمام أبو جعفر محمَّد بن جرير في كتابه في مذاهِبِ العُلماء إجماعَ المسلمينَ على هذا كلِّه). ((شرح النووي على مسلم)) (3/207). وابنُ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (أجمعوا على أنَّ عرَقَ الجنُبِ طاهِرٌ، كذلك الحائِضُ). ((الإجماع)) (ص: 36). ، وابنُ عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (الحائض ليستْ بنَجسٍ، وهو أمرٌ مجتمَع عليه). ((التمهيد)) (22/137). ، والبغويُّ قال البغويُّ: (اتَّفقوا على طهارةِ عرَقِ الجنُبِ والحائِضِ). ((شرح السنة)) (2/30). ، وابن قدامة قال ابن قُدامة: (وكلُّ ذلك قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأصحاب الرَّأي، ولا يُحفَظ عن غيرِهم خِلافُهم). ((المغني)) (1/156). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (سُؤْرُها وعَرَقها طاهران، وكلُّ هذا متَّفَقٌ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (3/207). ، وابن تيمية قال ابنُ تيميَّة: (وهذا متَّفقٌ عليه بين الأئمَّة: أنَّ بدنَ الجُنُبِ طاهِرٌ، وعَرَقه طاهِرٌ، والثوب الذي يكون فيه عَرَقُه طاهرٌ، ولو سقَط الجنُبُ في دُهنٍ أو مائعٍ لم يُنجِّسْه، بلا نزاعٍ بين الأئمَّة، بل وكذلك الحائضُ عرَقُها طاهِرٌ، وثوبُها الذي يكونُ فيه عَرَقها طاهرٌ). ((مجموع الفتاوى)) (21/59). وحُكي عن أبي يوسفَ القولُ بنجاسةِ بدَنِ الحائِضِ؛ قال النوويُّ: (وهذا النقلُ لا يصحُّ عنه؛ فإنَّ صحَّ فهو محجوجٌ بالإجماع). ((المجموع)) (2/151).

انظر أيضا: